سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كيجو كاميدا
تمت صياغة ميزانية السنة المالية لليابان لعام 2020 في ديسمبر 2019، قبل حدوث أزمة “كوفيد- 19” لذا يمكن وضع الاعتبارات المتعلقة بالوباء في الحسبان، فقد كان من المتوقع أن تصل النفقات إلى 102.7 تريليون ين -ما يعادل 939 مليار دولار أميركي- وكان من المتوقع أن يصل عجز الميزانية الأولى إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.7% فقط.
وقد شرعت الحكومة في تحقيق فائض أولي، من خلال الحكومات الوطنية والمحلية، بحلول عام 2025 تم وضع أهداف الضبط المالي هذه في إطار السياسة الأساسية للإدارة الاقتصادية والمالية والإصلاح في العام 2018.
يبدو أن الوباء قد سلب إرادة اليابان في متابعة الانضباط المالي، ففي العام 2020 وضعت الحكومة ثلاث ميزانيات تكميلية لمواجهة تداعيات جائحة “كوفيد- 19″، ونتيجة لذلك تضخم الإنفاق إلى 175.7 تريليون ين- ما يعادل 1.6 تريليون دولار أميركي- ومع ذلك وعلى عكس المملكة المتحدة والولايات المتحدة، اللتان بدأتا بالفعل مناقشات حول الزيادات الضريبية المستقبلية، في حين كانت المناقشات في اليابان قليلة حول الاندماج المالي، ويعد عدم وجود نقاش إشكالًا، فاليابان لديها أسوأ نسبة دين عام من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.
هناك ثلاثة أسباب محتملة لعدم إحراز تقدم، في مناقشة الاندماج المالي في اليابان وهي:
أولًا، الكثير من الناس لا يهتمون بالمشاكل المالية، وقد وجدت دراسة استقصائية عن الأوضاع المالية العامة والأعباء الضريبية، أن متوسط معدل ضريبة الاستهلاك والذي اعتبره المواطنون تحولات مرغوبة، ارتفع بنسبة 2% دون تفسير مسبق لوضع اليابان المالي، كما يبدو أن الجمهور الياباني غير مدرك لمخاطر الديون والحاجة إلى ضبط الأوضاع المالية العامة.
ثانيًا، هناك ارتباك حول إجراءات ضبط الأوضاع المالية العامة، ويدور الجدل المتعلق بالاستراتيجية المالية لليابان حول عدة مقترحات، حيث يجادل البعض بأن تخفيضات الإنفاق أكثر فعالية من زيادة الضرائب، في حين يقترح آخرون زيادة الإيرادات الاسمية والناتج المحلي الإجمالي الاسمي، عن طريق رفع الأسعار وتحفيز النمو الاقتصادي لخفض الدين العام الحقيقي، أما زيادة الضرائب فتُعد خيار آخر لكنه لا يحظى بشعبية كبيرة.
كما أن الأساليب المختلفة لتخفيض الدين العام الحقيقي تؤدي أي إلى انقسامات، حيث تشير إحدى وجهات النظر إلى أن النمو الاقتصادي، سيزداد من خلال الإصلاح الهيكلي على جانب العرض، فيما يشير منظور آخر إلى تطبيق زيادة الأسعار والنمو الاقتصادي من خلال التيسير النقدي، فيما يحذر نهج آخر من أن مضاعفة الإنفاق المالي لضبط الأوضاع المالية العامة من الممكن أن يؤدي إلى الارتباك إذا زاد الإنفاق المالي عن حده، وهو ما يطيل أمد النقاش حول الاندماج المالي في اليابان مما يؤدي إلى “إجهاد التماسك”، فكلما طالت فترة ضبط الأوضاع المالية العامة، زاد احتمال انتهاء تدابير ضبط الأوضاع المالية العامة، بناءً على خيارات ليست حاسمة بشكلٍ كاف.
ثالثًا، إن ضريبة الاستهلاك لا تحظى بشعبية لدى المواطنين اليابانيين، فبالنظر إلى نخفاض نسبة سن العمل للسكان في اليابان وإلى المنافسة العالمية لخفض ضريبة الشركات، يجب أن تكون ضريبة الاستهلاك هي آخر مقترح لتحقيق الاندماج المالي، ومن المحتمل أن يتعارض الانحدار في العبء الضريبي المتأصل في ضريبة الاستهلاك، مع تفضيلات الرعاية الاجتماعية القصوى للجمهور الياباني، لأن تجعل من زيادة ضريبة الاستهلاك، من أكثر استراتيجيات الضبط المالي التي لا تحظى بشعبية من الناحية السياسية، ولكنها تظل أحد المقترحات القليلة المتبقية.
يعد ضبط الأوضاع المالية العامة في اليابان مهمة صعبة إلى حد ما، لكن معدل ضريبة الاستهلاك في اليابان لا يزال 10% فقط، وهي نسبة منخفضة بالمقارنة مع الدول المتقدمة الأخرى، حيث لا يزال لدى اليابان حيز مالي يبلغ حوالي 10% لزيادة ضريبة الاستهلاك، في حال تم اتباع نهج البلدان المتقدمة الأخرى، ويمكن أن تغطي تلك الزيادة نسبة 5% من متوسط عجز الميزانية الأولية إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي الأسمى، والمتولدة على مدى السنوات العشر الماضية.
من غير المرجح أن تواجه اليابان انهيارًا ماليًا على المدى القصير، فبغض النظر عن مدى صعوبة الضبط المالي من الناحية السياسية، لكن لدى الحكومة حاليًا أدوات لسحبها إذا أصبحت الأزمة المالية وشيكة، لكن من المرجح أن تتضاءل فعالية هذه الروافع على المدى الطويل، وستؤدي استمرارية شيخوخة سكان اليابان إلى تقليص الحيز المالي، بسبب زيادة تكلفة الضمان الاجتماعي، وما يترتب على ذلك من زيادة في الدين الحكومي، كما ستؤدي عملية الشيخوخة أيضًا إلى خفض معدل المدخرات الوطنية، ونظراً للركود الحالي في الوضع الاقتصادي والمالي في اليابان، فمن الصعب على بنك اليابان الإفلات من سياسة أسعار الفائدة المنخفضة.
ستؤدي هذه العوامل إلى اضطراب اقتصادي مستقبلي من دون ضبط أوضاع المالية العامة الآن، وستعني أسعار الفائدة المنخفضة أن الاقتصاد الياباني، سيواجه فجوة كبيرة في أسعار الفائدة المحلية والأجنبية، بالإضافة لأن التجارة المحمولة باليّن الياباني سيؤدي إلى انخفاض قيمة الين، وإذا كانت نسبة حيازة السندات الحكومية اليابانية في الخارج، مرتفعة بما يكفي بسبب نقص المدخرات الوطنية، وانخفضت في قيمة سندات الحكومة اليابانية بشكل كبير، فإن سعر السندات الحكومية اليابانية سينهار.
بجانب ذلك قد يتجنب بنك اليابان التخلف عن سداد الديون السيادية، لكي يمكنه شراء ودعم سندات الحكومة اليابانية، لكن ذلك سيؤدي حتمًا إلى زيادة انخفاض في قيمة الين، وبالتالي سيؤدي هذا الانخفاض في قيمة العملة إلى اضطراب كبير في الاقتصاد بارتفاع أسعار النفط على سبيل المثال، فإذا حدث هذا في منتصف الشتاء فهو قد يضر بحياة الفقراء، الذين يعيشون في المناطق الشمالية بشكل أكبر، وسينخفض الناتج المحلي الإجمالي الياباني أيضًا من حيث القيمة الدولارية، وعليه فلا أحد يعرف مدى حجم تأثير هذا الخريف ، لكن هذا قد يعني أن اليابان سوف تنسحب من منافسة العالم المتقدم.
أخيرًا، مع اقتراب عقارب الساعة نحو وقوع كارثة مالية ، فيجب على الحكومة اليابانية تنفيذ إجراءات ضبط مالية فعالة بشكل فوري وعاجل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: East Asia Forum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر