قطر.. ديموقراطية الإبادة الجماعية | مركز سمت للدراسات

قطر.. ديموقراطية الإبادة الجماعية

التاريخ والوقت : الجمعة, 13 أكتوبر 2017

النائبة عن الحزب الاشتراكي في البرلمان الفرنسي شانتال جويتت، قالت عندما عادت من مؤتمر نظمته قطر لمناقشة الديمقراطية والنظريات السياسية الحديثة: “كنت أعتقد بأنني سأجلس حول المائدة المستديرة مع سياسيين عالميين، في الواقع، لقد كانت رحلة سياحية رائعة، كان يمكنني أن أحضر عائلتي معي”.

 

«السياحة السياسية»
السخرية التي بدت في حديث البرلمانية الفرنسية كشفت، منذ فترة، عن حجم التناقض بين الخطاب القطري الذي يصدره إعلام الدوحة، وبين واقع الأمر داخليًا. فبينما تُنصّب قطر بإعلامها راعيًا رسميًا للمضطهدين سياسيًا على مستوى العالم، فإن واقعها المحلي يثير استغراب كل من تطأ قدماه هذا البلد؛ واهمًا أنها – حقًا – حصن سياسي ضد الاستبداد السياسي، وهو ما يُفسر ما قاله رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك أريلوت، أنه “قبل أن أذهب إلى قطر، فإني أنشغل بمسألة واحدة فقط: هل يمكنني اصطحاب عائلتي إلى هناك! هكذا تبدو قطر بنظر الغرب قبل الشرق الأوسط، فيما تنظر هي إلى نفسها نظرة رافع راية الحق والفضيلة وناصر الضعفاء، إذ يمكن وصف الدوحة في تلك الحالة بأنها عاصمة «السياحة السياسية».

 

المواقف السابقة تقفز إلى الذاكرة عندما نطالع تصريحات من عرَّفته القناة القطرية الرسمية بأنه “مستشار الأمير القطري تميم بن حمد”، الأكاديمي القطري، محمد المسفر، مدرس العلوم السياسية في جامعة “قطر”، حين هدد رسميًا في لقاء مع قناة قطرية رسمية باستخدام السلطات الغازات السامة، والكيماوي، ومختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، ضد القبائل القطرية التي انتقدت سياسات الدوحة، مؤخرًا.

 

 

التهديد بالإبادة
نصًا ودون تأويل، قال مستشار الأمير القطري: “الأيام الآن تغيرت ولم نعد في معارك داحس والغبراء وحرب البسوس، وإنه مهما تجمع هؤلاء، سواء 1000 أو 200 ألف، فإن قنبلة من الغازات السامة كفيلة بسحق تلك القبائل كلها، فلم تعد البطولات الشخصية قائمة”.

الغريب أن التصريحات التي بدت أقرب إلى الرسمية والمعبرة عن الموقف الرسمي القطري، قوبلت بتجاهل غربي، بخلاف بيان أصدرتهما الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا، استنكرتا التهديدات التي وصفتاها بالخطيرة بإبادة القبائل القطرية بالغازات السامة في حال تحركها ضد الحكومة القطرية. رغم أن قناة الجزيرة وإعلام الدوحة لا يكف ليل نهار عن «حديث المظلومين والمكلومين» في الوطن العربي، كما تشير التصريحات السابقة بوضوح إلى أعلى درجات التهديد والخطورة لقبائل محلية.

 

حجم الخلاف الداخلي
النظرة المعمقة للواقع القطري – حاليًا – تكشف بوضوح خطورة الواقع الداخلي لقطر، على خلاف ما يدعيه إعلام الدوحة بأن النظام مؤيد بأمر الشعب، فيما تحمل تصريحات التهديد تلك، رسائل خطيرة لمستقبل المعارضين القطريين، خاصة أنها تعكس الموقف الرسمي لحكومة قطر، وهو ما يعني أن المجتمع الدولي مطالب بتحميل النظام مسؤولية ما يمكن أن تتعرض له المعارضة القطرية مستقبلاً.

.. وتنكيل ومصطلح «بالعبودية الحديثة»
النقطة الأخرى التي كشفتها تلك التصريحات التي تعبر عن «رصيد عدائي» في قلب النظام، هي أن تكميمًا واسعًا يحدث الآن داخل قطر في صمت للإعلام والرأي العام، وهو ما يتسق مع احتلال قطر المرتبة 136 من الدول الديمقراطية، أي أنها تجمع كافة صفات «النظام الديكتاتوري».

الغريب أن مستوى الديكتاتورية التي تتمتع به قطر، غير خفي عن المجتمع الدولي، باعتبار أن منظمة الأمم المتحدة قالت في أكثر من مناسبة، إن العمال الأجانب في قطر الذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون شخص، يخضعون لـ«بالعبودية الحديثة»، وفق وصفها، وهو ما يعني أن المجتمع الدولي يغض الطرف عن ممارسات تعلو على كونها ديكتاتورية إلى مرحلة التنكيل والاضطهاد.

 

ما سبق يكشف حجم التناقضات التي تتمتع بها قطر، ففي الوقت الذي يهلل إعلام الدوحة عندما يتمُّ توقيف سياسي في أي قطر عربي، نجد أنها سجنت الشاعر العجمي، الذي حكم عليه بـ15 عامًا لمجرد قصيدة تمجد الربيع العربي!

التناقضات القطرية لا حدود للعقل لاستيعابها، ففي الوقت الذي ترتدي فيه ثوب الثورية من خلال تصعيد المواقف السياسية ضد حكام عرب، فإنها لم تعرف طوال تاريخها ثورة واحدة، أو حتى مجرد انتخابات من باب الاستدلال به على كونها دولة ديمقراطية، أو راعية للحرية!

 

الديمقراطية بمنظور قطري
النظام القطري الذي يعتبر نفسه نصير الضعفاء، ومؤيد الثورات، وناشر الديمقراطية، غارق إلى أخمص قدميه بالتفرد في الحكم؛ إذ إن المادة الأولى من الدستور القطري تنصُّ على أن “قطر دولة نظامها ديمقراطي”، وإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، من خلال اختيار الشعب رئيسه، أو رئيس حكومته، أو ممثليه داخل المجلس التشريعي بالانتخابات المباشرة، فكيف ديمقراطي والنظام بأكمله معين، بل إن الدستور نفسه ينصُّ على أن أغلب أعضاء مجلس الشورى يُنتخبون. لكنّ الواقع يشير إلى غير ذلك، فأعضاء مجلس الشورى القطري جميعهم معينون، فأين الديمقراطية من أن السلطة التنفيذية والتشريعية معينة، دولة لم تعرف وجهًا لصناديق الاقتراع، لكنّها تتحدث ليلَ نهار عن تزوير الانتخابات في الأقطار العربية!

تناقض آخر يحمله الدستور القطري فيما يتعلق بالديمقراطية، وهو النص على أن “الشعب هو مصدر السلطات”، والمادة الثامنة منه تنصُّ على أن “حكم الدولة وراثي في ذرية حمد بن خليفة بن حمد بن عبدالله بن جاسم من الذكور”، فكيف يكون للشعب سلطة وتداول الحكم وراثي، وهو ما يشير إلى تناقض في الخطاب غير مسبوق، رغم أن الإقرار بوراثية الحكم ليس جريمة، لكنّ قطر تضيف رقمًا جديدًا في سجل التناقضات.

 

معارضون في خطر
الغريب حقًا، في كل ما سبق، هو أن القيادة القطرية وإعلامها يتعاملان مع تلك التناقضات باعتبارها شيئًا طبيعيًا، ويتعايشان معها بتجاهل غير مسبوق، بل إنهما يدعيان – في كثير من الأحيان – الفضيلة.

وبالعودة إلى المصير السيئ الذي ينتظر المعارضون القطريون – إن لم يكن قد حدث بالفعل – فإن قبضة حديدية، ومستوى من الديكتاتورية، والتبجح بالتهديد بالإبادة الجماعية، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة لمراقبة الواقع القطري من الداخل لحماية القبائل القطرية.

 

وحدة الدراسات السياسية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر