لماذا أخفقت طالبان في عالم السياسة؟ | مركز سمت للدراسات

لماذا أخفقت طالبان في عالم السياسة؟

التاريخ والوقت : الأحد, 16 مايو 2021

ماهر فرغلي

 

تعاني طالبان من الأمية السياسية، وفق مذكرات عبدالسلام ضعيف، المسؤول عن الشؤون الخارجية للحركة، التي نشرت من عدة أعوام، وهي التي أدت إلى أهم العقبات التي اعترضت طريقها، وجعلتها تخفق في تحالفاتها، وتسير في طريق اللاعودة من العنف، لأنّ من لا يعرف ما يجرى حوله ولا يحسن تصنيف الناس مكتوب عليه الإخفاق.

اعتبر الإسلاميون أنّ السياسة علم للخاصة، ونظروا إليه بتوجس وعدم ثقة، وبعضهم انتقلوا بالخلافات الفقهية إلى السياسة فاختلطت الأحكام ببعضها البعض، وهذا ما أدى بالطبع إلى فراغ كبير وإلى التمادي في الخطأ، وكان هذا واضحاً لدى طالبان، التي كانت مرشحة بجدارة للانهيار لأنّها كانت تسير عكس منطق الأشياء، فرغم أنها كانت تسيطر على أكثر من 90% من أفغانستان فإنها سقطت بالضربة القاضية، ومن الجولة الأولى بسبب تحالفها مع تنظيم القاعدة، وما تزال حتى الآن تصر على ذلك، وترتكب من الخطايا ما يؤكد جهالة الحركة بالمنطق، وعدم إلمامها بقواعد الاجتماع وقوانين التاريخ وأبجديات الجغرافيا والعلوم السياسية.

يقول الدكتور محيي الدين عبدالحليم، في مجلة الوعي الإسلامي: تبنت الحركة وبتزمت شديد أيديولوجية جامدة، في وقت بدأت تتراجع فيه الإيديولوجيات، وتتقدم فيه المصالح العملية على العقائد السياسية، وهو الخطأ الفادح لرجال كانت أكبر ثقافة لهم هي زياراتهم لمدينة بيشاور الباكستانية، وأكبر مقومات تعليمهم هي كتاتيب لا تملك مقومات المدارس.

كما وقع اختيار طالبان على حليف ضار وهو تنظيم القاعدة، وهذا قد تسببت فيه العقلية الجامدة الضيقة، التي تعجز عن فرز من يصلح ومن لا يصلح، وهي نفس العقلية التي أعلنت انسحاب أفغانستان من العالم وأغلقت الأبواب ووضعت المتاريس حولها، مما جعلها تجلب على نفسها عداء قوى داخلية وخارجية كثيرة ومن ثم سقطت لسوء تقديرها لموازين القوى، بعد أن توهمت أنّ بمقدورها التوسع على حساب دول الجوار تماماً كما فعل إسلاميو الشيشان.

الأهم أنّها أصبحت كياناً منبوذاً إقليمياً عاش ومات دون أن ينتمي إلى تجمع إقليمي واحد، وعلى عكس البديهية السياسية التي تقول بعدم خوض حربين في وقت واحد، فإنّ طالبان دخلت حروباً كثيرة، ولم تعترف بها سوى ثلاث دول، ما لبثت أن سحبت اعترافها لما رأت أنها ستجرهم للهاوية.

وأخيراً أخفقت طالبان في التحول من حركة إلى دولة، وجهالتها بالجغرافيا السياسية دفعها لمزيد من الأخطاء، فالدولة الحبيسة جغرافياً تكون في أمس الحاجة إلى تبني سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، لكي تضمن لها رئات بديلة تتنفس منها، أما هي فقد تجاهلت برعونة ما فرضه الموقع، ودخلت في مناوشات مع دول الجوار، والآن تدخل في حرب مع العالم بحمايتها لأيمن الظواهري ورفاقه، ورفضها للصلح مع العالم، وتحالف جزء من مع طهران.

في حديثه عن الوعي السياسي، يقول أبو الحسن النووي أحد منظري الإسلاميين، في كتابه ترشيد الصحوة: يرافق الوعي وتابعيها فهم القضايا المعاصرة، والمقصود أيضاً من الوعي هو عدم تقديم الفقهي على السياسي والعكس.

يقول د.كمال المنوفي، في كتابه الثقافة السياسية: الوعي هو الإحاطة بالعلوم السياسية + فهم الواقع وتحديد الأهداف، والذين يتصورون أنّ بإمكانهم أن يقودوا العالم ويحركوا الأحداث دون ذلك بمجرد أنهم قرأوا كتاباً أو اطلعوا على جريدة نقول لهم أنتم واهمون، فالوعي السياسي ليس عملية سهلة، بل هو عملية تكتسب بالتجربة والعلم، وهو يختلف عن الثقافة السياسية، التي يجب على الجميع أن يلم بها، وهي: تلك القيم السائدة في المجتمع، التي تتصل بعلاقة أفرادها بالنظام السياسي ووجوده مباشرة وغير مباشرة.

لقد كشفت طالبان وتفجيراتها المستمرة في كابول، أنها لا تزال مستمرة في الجهالة بأبسط قواعد الوعي السياسي، إذ يشتغلون في السياسة ويستغلونها فقط في تعبئة الناس ضد شرعية الحكومات، وأخطاء النظام الدولي، واستغراق الجهود في تجنيد الأفراد وتعبئتهم الفكرية والشعورية والتنظيمية.

ويضاف للوعي السياسي كجزء منه الوعي بالظروف المحيطة، والإدراك الحيوي للمتغيرات، وهو أمر ليس هيناً لأنه يحتاج إلى خبرة تنقص الكثيرين، بالإضافة إلى أنه أمر صعب، لأنّ الواقع متغير بطبيعته، سواء كان زمنياً أو مكانياً، فواقع اليوم ليس كالأمس، وعهد اليوم ليس مثل ما سبقه، وبعض الروايات تنسب للنبي عليه السلام قوله: “يأتي زمان على الناس لو فعلوا عشر ما أنتم عليه لنجوا، ولو تركتم عشر ما أمرتكم به لهلكتم”.

إنّ الذين يتعجلون في الفتوى والحكم في كثير من القضايا، ليس لديهم وعي أيضاً بالظروف المحيطة، لأنّ الشرع لم ينزل إلى عالم سماوي، بل ترك ليعالج أخطاء البشر فوق الأرض، ولا بد أن يكتمل فقه الشرع وفقه الواقع، حتى يمكن الوصول إلى الموازنة العلمية السليمة البعيدة عن الغلو والتفريط، وهنا يظل الوعي بالواقع هو الضرورة الحتمية لفرز ما يصلح وما لا يصلح، ولتحديد نقطة البدء في معالجة القصور.

يقول الداعية بوزارة الأوقاف المصرية، الشيخ عبدالحفيظ فرغلي، في كتابه (المسؤولية في الإسلام): إنّ أخطر ما يقع فيه الدعاة اليوم هو غياب الفقه بواقع من يدعونه، فيظل يدفع عقيدته للتحذير من المذاهب الأرضية والاتجاهات العلمانية، ويظل يحشد لقضيته ما استطاع من الأدلة، وكل ما يمكنه من الشواهد والبراهين، واثقاً أنّه بهذا الجهد المضني، وهذا الإعداد الدقيق قد بلغ من نفوس من يدعوهم أبلغ مدى، واحتل فيها أعمق مكان، وما أشد حسرته ولوعته عندما يرى أهوال هؤلاء الذين اجتهد لهم، ولم يترك شاردة ولا ورادة مما يخص الموضوع إلا حشدها من أجلهم، ثم يراهم عاكفين على ما هم عليه، لذا فنحن في حاجة ماسّة إلى ثقافة واسعة لمن يتحمل تبعة العمل الديني، لأنه ما زال كثير من الذين يقومون بعملية الوعظ والإرشاد ينقصهم الكثير من الدراية بواقع من يدعونه، والاستعداد لتأدية رسالتهم على الوجه الأكمل.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر