سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
رقية الزميع
غزل سياسي من مسافة بعيدة، هي أفضل ما يمكن أن نصف به تطور العلاقة السعودية الروسية في الآونة الأخيرة، حال دون الدفع بها نحو الأمام، تعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط.
في غضون السنوات القليلة السابقة، ارتفعت وتيرة الزيارات بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين بضغط من ملفات متعددة، منها: الأزمة السورية، وانخفاض أسعار النفط، وبحث السبل لتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين.
قبل لقائه الأمير محمد بن سلمان، على هامش قمة العشرين في مدينة هانتشو الصينية عام 2016، عبَّر الرئيس بوتين في تصريحات له بأن الأمير محمد بن سلمان، شريك موثوق يمكن أن نتفق معه، وأن نكون واثقين من تنفيذ تلك الاتفاقات، واصفًا علاقته الشخصية بالأمير، بأنها “طيبة جدًا”، وأنه يعتبره “شريكًا موثوقًا يفي بتعهداته دائمًا، ومسؤولاً نشيطًا جدًا،” وأنه – أي الأمير محمد بن سلمان “شخص يعرف جيدًا ما يريد تحقيقه ويعرف كيف يحقق أهدافه”.
في أكتوبر 2015، في خطوة هدفت إلى إذابة جليد العلاقة بين البلدين، زار وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان روسيا، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما مهَّد لاستئناف وتيرة العلاقات التي تأثرت بالجمود بين البلدين منذ عام 2011، على خلفية الأزمة السورية وانحياز روسيا للرئيس الأسد؛ حيث بحثا فرص التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، وسبل التعاون في مجالات عديدة، ما أثمر – لاحقًا – مزيدًا من التفاهمات حول الملف النفطي باتفاق الطرفين، في مطلع عام 2016، على تثبيت مستوى الإنتاج لدعم أسعار النفط التي شهدت تراجعًا نتيجة وفرة الإنتاج. وفي إبريل من هذا العام 2017، قامت رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو – الشخص الثالث في التسلسل الهرمي للدولة – بزيارة إلى الرياض لتسليم دعوة رسمية لخادم الحرمين الشريفين لزيارة موسكو. تبعت تلك الزيارة، زيارة أخرى لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لروسيا خلال يونيو من هذا العام.
الدور الروسي في القضية السورية ودعمها للأسد، كان هو المعضلة الرئيسية في العلاقة مع المملكة، ومع ذلك يتفق الطرفان على أهمية وحدة سوريا، ويتشاركان في الحرب على الإرهاب، كما يؤدي الملف النفطي دورًا هامًا في وجود أرضية للعمل المشترك لدعم مصالح البلدين.
روسيا العازمة على لعب دور أكبر في السياسة العالمية، لكسر احتكار الهيمنة الأمريكية لفترة ما بعد الحرب الباردة؛ استطاعت فرض نفسها بعودة جيوسياسية ثقيلة، من خلال الدخول في مواجهة مع الغرب في قضايا، مثل: أوكرانيا وسوريا، وفرضت دورها في الملف النووي الإيراني، ونووي كوريا الشمالية، متوجهة نحو هذه الأولويات الساخنة دوليًا؛ لتؤكد أنها القوة العظمى الخارجة من أنقاض الاتحاد السوفييتي، في مسعى منها لانتزاع اعتراف أمريكي بوجودها كندٍ لا غنى عنه في القضايا العالمية. وفي ذات السياق، روسيا التي تبحث عن مخرج لفك طوق عقوبات الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، عن عنق اقتصادها، التي فرضت عليها بسبب احتلالها لشبه جزيرة القرم، أضف إلى ذلك خيبات الأمل الروسية من أوروبا؛ نتيجة للارتباط الأوروبي بالسياسات الأمريكية في المنطقة، أُرغمت على الاتجاه بثقلها نحو الشرق.
نحو التنين الصيني – القوة العالمية الأسرع نموًا – التي لحسن الحظ لم تنضم إلى العقوبات الغربية، ولكن العقبة التي تواجه هذا التوافق، هو الحرص الصيني على عدم المساس بشريكه الاقتصادي الأهم (الولايات المتحدة)، إلا أن نقاط التقاء أخرى فرضت نفسها من خلال توقيع اتفاقيات للدمج بين مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير والاتحاد الأوراسي (UEEA)، الذي تقوده موسكو لدفع تنمية العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول الأعضاء في الاتحاد ودعم التجارة الحرة بينهما.
أمَّا إيران، وهي المعضلة نحو تقارب سعودي – روسي، فلدى روسيا علاقات استراتيجية معها، لكن لا تبدو طويلة المدى، فرضتها العزلة الإيرانية بسبب العقوبات الغربية المفروضة على ملفها النووي، ولعب روسيا دور الوسيط بين إيران والغرب، وهو ما عانته روسيا – لاحقًا – بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، ما جعل خيارات كليهما محدودة في مجالات التعاون الاقتصادي. ثم إن هذه العلاقة، قد تضاءلت منذ الاتفاق النووي، الذي لم يكن لروسيا فيه نصيب الأسد لاتفاقات ما بعد رفع العقوبات الغربية. وكما يبدو، فإن اتجاه روسيا لتطوير علاقتها مع إيران، لا يعدو كونه إجراء انتقاميًا ترد به موسكو على واشنطن، عبر توطيد علاقاتها مع من يعارضون واشنطن وحلفاءها الأوروبيين، وهو ما يتضح أيضًا من وقوفها إلى جانب كوريا الشمالية. تعي روسيًا جيدًا، حجم الطموح الإيراني، وأنه بعد رفع تلك العقوبات، فإن هذه الصديقة السياسية سوف تتحول إلى منافس في أسواق الطاقة والتجارة الخارجية، بالإضافة إلى وجود منافسين متعددين لروسيا على الكعكة الإيرانية، ولم تُبدِ طهران أي تفضيل لصالح موسكو لوقوفها بجانبها خلال العقوبات. لذا، فهي لا تعول كثيرًا على أمد تلك العلاقة. كما أنه، وفي حال كانت هناك فرصة للتقارب مع المملكة، الدولة الأكبر في الشرق الأوسط الآن، فمن المرجح أن تخطو في هذا الاتجاه على حساب العلاقة مع إيران.
من زاوية أخرى، قد يكون برودة العلاقة مع واشنطن، خلال فترة الرئيس أوباما، هي شرارة هذا التوجه، وما زالت الرياض بالرغم من عودة الدفء إلى علاقتها مع واشنطن، ترغب في المحافظة على علاقة أكثر قوة مع موسكو. ومع ذلك، فالرغبة المشتركة بين الطرفين لتطوير العلاقة كانت تتحرك ببطء شديد، يعود – بالدرجة الأولى – إلى الدعم الروسي لنظام بشار الأسد، وإصرار روسيا على الحفاظ على هذا النظام، والذي يقابله الإصرار السعودي بأن الأسد ليس جزءًا من الحل في سوريا.
الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين، كأول ملك في تاريخ المملكة يزور روسيا، لها أبعاد مهمة، خصوصًا في هذا التوقيت، فهي تعد نقطة التقاء مهمة لتأسيس تعاون وثيق وطويل الأمد، بدءًا من العمل على دعم أسعار النفط، والحرب على الإرهاب. ويعزز هذا التوجه، العديد من الاتفاقيات النفطية والاستثمارية والتقنية التي سوف يتم التوقيع عليها في هذه الزيارة، كما أن الملفات السياسية الأكثر إلحاحًا، سوف تحظى بالتشاور لتقريب المواقف، كالموضوع السوري، وحرب اليمن، وبالتأكيد الموضوع الإيراني.
فيما تتجه المملكة لاستراتيجية تهدف إلى تحقيق التوازن الإقليمي وتنويع خياراتها الدولية، ما يستوجب تنسيقًا متواصلاً مع اللاعبين الدوليين في المنطقة، وأهمها – الآن – الدور الروسي المؤثر على أطراف الصراع، وما تتشاركه الرياض وموسكو من رؤى مشتركة لكثير من القضايا، لا سيما أن موسكو لديها الرغبة في لعب دور أكبر في مستقبل الشرق الأوسط، وتدرك أن هذا الطريق يبدأ من علاقة متميزة مع الرياض “الشريك الموثوق”، والأكثر تأثيرًا في منطقة الشرق الأوسط. وبدورها تحتاج روسيا إلى تخفيف دعمها “البلاغي” للأسد دون المساس بمصالحها الاستراتيجية الحيوية في سوريا، والتأكيد على أنها تدعم نظام الأسد فقط؛ لأنه لا توجد قوة أخرى موثوقة ضد الدولة الإسلامية في سوريا، وموازنة علاقتها مع إيران بما يراعي مصالح المملكة وأمنها، ما سوف يضمن لها لعب دور أكثر تأثيرًا في المنطقة. من ناحية أخرى، تعاني موسكو من اقتصاد يتقلب بين هزات أسعار البترول والعقوبات، ما يجعلها تتجه نحو تفضيل شراكة أكبر مع الرياض وتوطيدها في مجال الطاقة والانطلاق منه إلى آفاق أرحب، ما سيصب في مصلحة الاقتصاد الروسي الذي يعاني من العقوبات الغربية.
تحاول روسيا فرض نفسها على الساحة الدولية كشريك موثوق، عبَّر عن ذلك الرئيس بوتين في تعليقه على اختيار مجلة (التايم) لأكثر الشخصيات نفوذًا في العالم 2015: “لدينا الكثير من المكونات التي تسمح لنا بأن نعتبر أنفسنا – فعلاً – بلدًا يمارس سياسة مستقلة سيادية على الساحة الدولية، ويمارس سياسة داخلية تتوافق وتطلعات الشعب”. “من هذا المنطلق، نحن- بالمناسبة – شريك موثوق به بما فيه الكفاية؛ لأننا لا نخضع لأي إملاءات، ولا نركب الموجة”.
باحثة في العلاقات الدولية *
@RuqayaAlzamia
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر