قطب عالمي واحد أم عالم متعدد الأقطاب؟ | مركز سمت للدراسات

قطب عالمي واحد أم عالم متعدد الأقطاب؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 13 أبريل 2021

د. أشرف محمد كشك

 

دأبت العديد من تحليلات المتخصصين في حقل العلاقات الدولية على الربط بين الأزمات أو التحولات الكبرى والتغير في ماهية النظام الدولي، كان منها جائحة كورونا التي أتاحت بعض الأدوار لقوى دولية، ما حدا ببعض المفكرين إلى القول إن ثمة إرهاصات لبزوغ نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وليس بالضرورة أن تكون ركائزه القوة العسكرية البحتة المتعارف عليها في ظل ما أظهرته الجائحة من أوجه أخرى للقوة، من ناحية ثانية فإن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتأكيده ترسيخ الشراكات والتحالفات وأيضا مع تأكيد استمرار تصنيف الخصوم والمنافسين الدوليين بما يتوافق مع سلفه دونالد ترامب كان دافعاً للحديث عن نظام عالمي جديد، فهل يعني ذلك أننا بصدد تشكل نظام عالمي جديد؟ وهل يكون صحيحاً الحديث دائماً عن تأثير النظام العالمي في النظم الفرعية الأخرى؟ أم أن تحولات الأمن الإقليمي تلعب دوراً في تشكيل ذلك النظام؟ والإجابة عن تلك التساؤلات ستكون جل هذا المقال.

من خلال متابعة العديد من الدراسات التي صدرت خلال السنوات الماضية وتناولت تطورات النظام الدولي وخاصة في مراكز الدراسات الغربية نجد أنها أجمعت على أن هيكل النظام الدولي يتضمن دولاً كبرى على قمة ذلك النظام وتتفاوت فيما بينها في مقومات القوة، ودولاً متوسطة ولكنها ليست بذات تأثير القوى الكبرى ثم دولاً صغرى وهي أغلبية دول العالم، وتدور التفاعلات بين الأضلاع الثلاثة لذلك المثلث، ومع أهمية تلك الدراسات التي قدمت إسهامات ملموسة فإنه برؤية واقعية يمكن القول إننا مازلنا نشهد مرحلة القطب الواحد، صحيح توجد محاولات لقوى دولية أخرى لمناوءة الولايات المتحدة دورها بيد أنها لم تصل إلى حد إعادة هيكلة ذلك النظام، ومع الأخذ في الاعتبار معايير القوة التقليدية وغير التقليدية بالإضافة إلى القوة الناعمة التي تناولها جوزيف ناي في كتاب شهير له وكيف أن الولايات المتحدة تعد نموذجاً رائداً في توظيف تلك القوة على نحو يدعم مصالحها الاستراتيجية في العالم، ففي تقديري أن أهم تلك الركائز تبقى ثلاثة أمور؛ الأول:  القدرة على حسم الأزمات التي تمثل تهديداً للأمن الإقليمي والأمن العالمي والأمثلة على ذلك عديدة، منها قيادة الولايات المتحدة تحالفا دوليا لتحرير دولة الكويت عام 1991، وتدخل حلف الناتو في الأزمة الليبية عام 2011، والثاني: الانتشار البحري، ففي ظل انحسار مخاطر الحروب البرية فإن المعركة الآن أضحت في البحار، وبقدر ما يكون لأي دولة سيطرة على مساحات شاسعة من المياه بقدر ما تكون قوتها في وقت تضاعفت فيه حركة التجارة عبر البحار بنسبة 400% خلال الخمسة والعشرين عاما الأخيرة، والثالث: التفوق العلمي والتكنولوجي، صحيح أن هناك احتداما للتنافس في ذلك المجال وخاصة مع الصين ولكن تبقى هناك مجالات تمثل احتكاراً للولايات المتحدة الأمريكية.

وتأسيساً على ما سبق يلاحظ أن تغير النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة يحظى باهتمام بالغ لدى دول العالم كافة وخاصة تلك التي لديها نقاط تماس استراتيجي مع الولايات المتحدة في نقاط مختلفة من العالم، وفي ضوء ما تمت الإشارة إليه فإن ذلك يعد أمراً منطقياً، إلا أنه على الجانب الآخر فقد أكدت خبرة الأزمات الإقليمية أن الأمن الإقليمي كان له دور في تشكيل ملامح النظام الدولي في هذا الاتجاه أو ذاك، ابتداءً بالحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات؛ فعندما بدأت إيران في استهداف ناقلات النفط الخليجية قامت برفع أعلام الدول الغربية لحمايتها والتي تدخلت وفق «تحالف الراغبين» ولم يكن ذلك التدخل الغربي سوى بهدف الحفاظ على توازن القوى الذي يعد متطلباً للأمن الإقليمي، ومروراً باستمرار الأزمة السورية وتردد الدول الكبرى عن التدخل في تلك الأزمة كان فرصة لدور روسي في المنطقة والذي تعزز مع الاتفاقيات العديدة التي تم توقيعها بين روسيا وسوريا خلال السنوات الماضية، وانتهاءً بأزمة شرق المتوسط  التي لم تكن سبباً في احتدام التنافس الإقليمي والعالمي في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم فحسب بل ظهور تصدع داخل حلف الناتو ذاته من خلال احتدام الصراع بين دولتين من الحلف (تركيا واليونان).

ولا يعني ما سبق أننا إزاء جمود مزمن في هيكل النظام الدولي أو أننا بصدد تطور دراماتيكي للتحول في هذا الاتجاه أو ذاك، ولكن الأمر اليقين هو أننا بصدد احتدام التنافس على النفوذ ومصادر القوة إلى الحد الذي يمكن وصف المناخ الدولي بمقدمات حرب باردة جديدة سيكون لها انعكاس على الشرق الأوسط والمنطقة العربية وهو ما حذر منه السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بالقول: «إن العالم مقدم على شكل جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، وإن الصعود المتسارع في قوة الصين قد يدفع إلى حرب باردة لن تكون بالضرورة على نمط الصراع الأمريكي السوفيتي»، وأضاف: «على العرب الاستعداد لمواجهة أوضاع دولية ستشهد سيولة وسرعة في إيقاع التغيير». وبغض النظر عما ستؤول إليه التطورات الدولية ففي تصوري أن الاستعداد لتلك التحولات يتعين أن يؤسس على ثلاثة متطلبات؛ أولها: تغير مفهوم الأمن وطبيعة التهديدات بما يعني حتمية تغيير مضامين وآليات عمل استراتيجيات الأمن القومي ذاتها بحيث تكون من المرونة والشمول بما يمكن من خلالها مواجهة المخاطر وخاصة قدرة الدول على مواجهة الأزمات على غرار جائحة كورونا وتداعياتها غير المسبوقة، وثانيها: أهمية بل حتمية تطوير عمل مؤسسات الأمن الإقليمي ليس لتحقيق توازن القوى فحسب بل كونها ركيزة لآليات الأمن العالمي ذاته، وتؤكد ذلك استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه تهديدات الأمن الإقليمي وهي عدم الانخراط أو تجاهل الأزمات بل انتهاج مبدأ القيادة من الخلف، وفي ظل إعلان إدارة الرئيس بايدن أنها بصدد مراجعة الانتشار الأمريكي في الخارج فإن ذلك يعني أهمية ومحورية العمل الإقليمي، وثالثها: تنويع الشراكات والتحالفات وهو خيار انتهجته العديد من دول المنطقة منذ سنوات خلت في ظل التداخل الشديد بين الأمن الإقليمي ونظيره العالمي.

وفي تقديري أن دراسة تحولات النظام الدولي ليست بالأمر اليسير ولكن في ظل ما شهده العالم من تطورات وخاصة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وكذلك حقبة الحرب الباردة يمكن أن يقدم أطراً مهمة للتحليل ويدخل ذلك ضمن الدراسات الاستشرافية التي ربما تستغرق وقتاً في إعدادها ولكنها في النهاية سوف تتيح تحديد قدرات وتحولات النظام العالمي، فضلاً عن رصد التهديدات المحتملة، بالإضافة إلى تحديد الخيارات المتاحة لمواجهة تلك التحولات، بما يعني ليس فقط فهم ذلك النظام بل الاستعداد للتعامل مع تداعياته المتوقعة على المديين القريب والبعيد.

المصدر: مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر