سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد عبادي
على مدار عقود، شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا، توترات وفتورًا على الرغم من أسبقيتها، فالاتحاد السوفييتي أول دولة غير عربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية عام 1926م، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة، أبرزها الخلفية الأيديولوجية للنظام الروسي، ودعم الاتحاد السوفييتي للأنظمة الماركسية في إثيوبيا واليمن وأفغانستان.
انفراجة سريعة شهدتها الأحداث، عقب غزو العراق للكويت في عام 1990، ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات مرة أخرى، على خلفية الدعم الروسي للبرنامج النووي الإيراني.
وشهدت العلاقات تحسنًا ملحوظًا بعد عام 2003، وجاءت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الروسية في 30 من مايو الماضي، لتفتح أفقًا جديدًا للعلاقة بين المملكة العربية السعودية وروسيا.
ومثّلت هذه الزيارة إقرارًا من كلا الطرفين بالقوة التي يمثلها كل طرف في مسار القضايا الإقليمية والدولية، فقد أقرت المملكة بأهمية الدور الروسي الفاعل في المنطقة وانعكاساته على مسار القضايا الدولية الكبرى. وأقرت موسكو بأن السعودية هي الطرف الرئيس الذي يقود الوجهة العربية في ملفاته الكبرى، لا سيما المواجهة مع إيران.
تلك الزيارة عكست رغبة حقيقية بين الطرفين للمضي قدمًا في تأسيس مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية المُعمقة، لكن ثمة عقبات تقف حائلاً في وجه علاقة قوية وفاعلة بين الطرفين.
وشملت تلك العقبات، أبرز القضايا الشائكة في المحيط العربي والإقليمي، فالعلاقات بين إيران والخليج على صفيح ساخن، والأوضاع في سوريا متأزمة، والحدود السعودية اليمنية مشتعلة، والضغط بورقة النفط حاضر. كل هذه القضايا تشهد حالة من الاستقطاب، تقف المملكة في طرف منه، وعلى النقيض تقف روسيا في الطرف الآخر.
طهران.. عدوٌّ لدود
على مدار عقود، ومنذ إعلان الخميني انتصار الثورة الإسلامية في البلاد بعد طي حقبة الشاه في عام 1979م، كان الخط العريض لتلك الثورة هو تصديرها لدول الجوار، رغبة من طهران في السيطرة عليها. ولأن النهج السياسي في طهران، يقوم بالأساس على معتقدات دينية بحتة، فقد وجهت سهامها منذ اللحظة الأولى للمملكة العربية السعودية، لكونها تمثل قيادة “الإسلام السنّي” في العالم، وهو العدو الأول للمذهب الشيعي الحاكم في طهران.
وعلى مدار تلك العقود، حاولت طهران الاشتباك مع المملكة في كل نقاط التماس، بطرق غير مباشرة، عبر تأسيس كيانات سياسية وميليشيات مسلحة تجمعها قاعدة رئيسة هي العقيدة الطائفية، ولاؤها الأول للولي الفقيه، المرشد الأعلى في إيران.
غير أن الملف النووي الإيراني، هو التحدي الأبرز في تلك العلاقة المضطربة بين دول الخليج وطهران. فعلى الرغم من الاتفاق الدولي بين طهران ومجموعة (5+1)، الذي قيّد المشروع النووي في إيران، إلا أنه فتح في المقابل آفاقًا سياسية جديدة وأموالاً طائلة، استغلتها طهران في حربها ضد المملكة.
وبينما يمثل هذا الميراث خلفية الصراع بين الرياض وطهران، تقف روسيا جنبًا إلى جنب مع طهران، ما عدّه البعض شراكة استراتيجية بين البلدين.
سوريا.. شرار أزمة يتطاير
منذ اللحظة الأولى لاشتعال الثورة السلمية في سوريا، التي ما لبثت أن تعسكرت سريعًا، اتخذت المملكة قرارها، بحتمية رحيل الأسد، والشروع في بناء دولة حديثة، يمثل فيها رأي الشعب السوري القرار الأهم، بعيدًا عن حكم الوكيل الإيراني.
وكرست المملكة سياستها الخارجية في هذا الاتجاه، لتصطدم بالقرار الروسي المؤيد لبشار الأسد، والداعم له في قراراته كافة، وإمداده بترسانة من الأسلحة الفتاكة لقتل شعبه.
وعبر سنوات الصراع، تحوَّلت وجهات النظر والقرارات إلى معسكرات متناحرة، فدعمت المملكة المعارضة السورية، لتكسب أرضًا وتحقق انتصارات كبرى، إلى أن شكلت روسيا حلفًا سياسيًا وعسكريًا مع بشار الأسد، وطهران، وميليشيات طائفية كحزب الله، فرجحت كفة النظام وتغيرت المعادلة.
النفط.. كارت أحمر
في نهاية عام 2014، شهدت أسواق النفط هبوطًا في الأسعار، مثّل عنصرًا ضاغطًا على البلدين الحليفين: روسيا وإيران، ما فسَّره مراقبون على كونه ضغطًا محسوبًا مشتركًا من الحليفين في الكفة الأخرى: المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، رغبة في حلحلة الوضع المتأزم في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
ورغم الخطوة الجريئة والقرار الشجاع من المملكة، فإن طهران وروسيا تتمسكان بآرائهما والقرارات الناتجة عنها، على حين تواصل المملكة الضغط عبر رفع إنتاجها من النفط.
باحث مصري*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر