العلاقات السعودية الروسية..90 عامًا من الصداقة رغم التوترات | مركز سمت للدراسات

العلاقات السعودية الروسية..90 عامًا من الصداقة رغم التوترات

التاريخ والوقت : الأربعاء, 4 أكتوبر 2017

نهى أبو عمرو 

 

تعتبر العلاقات السعودية الروسية، إحدى أهم العلاقات الدولية التي شهدت توترات وانفراجات، وصفها البعض بأنها علاقة كانت على قاعدة الخلاف، خاصة إذا كانت تجمع أشد الدول عداء للسعودية ألا وهي إيران. علاقة دبلوماسية قُدِّر عمرها بـ90 سنة بدأت في عام 1926م، إذ لم يمضِ سوى شهر وعشرة أيام على تأسيس المملكة، وبعد انتهاء الحرب الأهلية،حتى أبدت روسيا السوفيتية رغبتها في إقامة علاقات مباشرة مع دول شبه الجزيرة العربية. وفي نهاية عام 1922، في أثناء مؤتمر لوزان، التقى غريغوري تشيتشيرين وزير خارجية الاتحاد السوفيتي آنذاك ورئيس الوفد السوفيتي، ممثل الحجاز حبيب لطف الله، واستنادًا إلى الاتفاق الذي تم خلال هذا اللقاء اُفتتحت قنصلية سوفيتية في الحجاز عام 1924، وأول قنصل سوفييتي كان الدبلوماسي كريم حكيموف، وبعدها اتفق الطرفان على إقامة علاقات دبلوماسية. كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت بالمملكة العربية السعودية، وفي أعوام 1926-1928 كان حكيموف سفيرًا فوق العادة للاتحاد السوفيتي لدى مملكة نجد والحجاز التي شكلت في عام 1932 المملكة العربية السعودية، فأطلق عليه العرب لقب “الباشا الأحمر”، لأنه كان على اطلاع واسع بالدين الإسلامي، فدرس في مدرسة دينية، وكان يعزف جيدًا على آلة الكمان، مما جعله يحظى بصداقة مؤسس المملكةالسعودية عبدالعزيز آل سعود، الذي اعتبره صديقه الشخصي. فعندما نفتح صفحة العلاقة بين البلدين، نجد أنها ما زالت مستمرة، رغم الاختلافات الموجودة في المواقف ووجهات النظر بشأن الأزمة السورية والأزمات الدبلوماسية التي نشبت بينهما حيال ذلك، إذ أعلن قادة البلدين نيتهما عن تطوير هذه العلاقات في مختلف المجالات، فأصبحت الاتصالات السياسية أمرًا دوريًا وضروريًا بين المسؤولين في البلدين، مرورًا بالمصالح الاقتصادية التي ستشهد نموًا كبيرًا في العلاقات.

الأزمة السورية ومنذ انفجارها، أحدثت شروخًا في علاقة، بلغ عمرها عقدًا من الزمان. بدأ الخلاف واحتدم عندما تباينت المواقف بينهما، خاصة بعد تصويت روسيا، إضافة إلى الصين، ضد قرار كان مجلس الأمن ينوي إصداره ليؤسس موقفًا دوليًا تجاه النظام السوري، حيث عبَّر الملك عبدالله – آنذاك – عن استيائه تجاهذلك التصويت من الفيتو الروسي خلال اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الروسي،عبَّر فيه عن عدم جدوى الحوار بعد أن وصل العنف ضد المدنيين إلى مستويات غير مقبولة، إضافة إلى استغرابه من عدم تنسيق موسكو موقفها مع الدول العربية قبل اتخاذ القرار بالتصويت السلبي، مشيرًا إلى أن التصويت ضد القرار تسبب في اهتزاز الثقة بالأمم المتحدة، ويدفع للتفكير في البحث عن آليات دولية أخرى، تكون بديلاً عن مجلس الأمن، الذي تؤطر قراراته حسب درجة التنافس والتوافق بين القوى الكبرى الدائمة العضوية دونما اعتبار للمسائل الإنسانية.

أمَّا المناسبة الثانية، التي كشفت حدة الخلاف وتصاعد أوجها بين العاصمتين،فهي تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، اتهم فيه المملكة السعودية بدعم الإرهاب في سوريا، وأثار ذلك التصريح استياء الخارجية السعودية بشكل بالغ،إذ سارعت إلى إصدار بيان انتقدت فيه موسكو، ورأت في ذلك التصريح محاولة لتشويه الموقف السعودي. كما ألقى البيان المسؤولية على روسيا التي أعطت النظام السوري رخصة للتمادي في قمع شعبه، نتيجة مواقفها المعارضة لأي تحرك دولي جاد.

فقبل الوصول إلى درجة الخلاف بينهما، التي عبر عنها الجانبان في أكثر من مناسبة بشكل مباشر وغير مباشر، عبر مؤتمرات صحفية عقدت لوزراء خارجية البلدين، كانت العلاقات السعودية والروسية تشيربشكل واضح إلى حالة جديدة بينهما، خاصة بعد التطور النوعي في طبيعة العلاقة بينهما منذ عام 2000 التي تجسدت في اتصالات وزيارات على مستوى القيادة، وتوقيع اتفاقيات عدة للتعاون الشامل، وهو ما جعل بعض المراقبين يتنبأ بتشكيل شراكة استراتيجية بين الدولتين اللتين تعدان أكبر منتج للنفط في العالم، وتتنافسان على مرتبة صدارة تصديره.

“الحالة الراهنة” في العلاقات بسبب اختلاف المواقف تجاه الأوضاع في سوريا وبعض الملفات الإقليمية، حالت من الانتقال إلى مستويات استراتيجية متقدمة في التعاون، رغم ما تحقق من نمو في مستوى التبادل التجاري بينهما، وتشكيل اللجان المشتركة، واستمرار الاتصال الدبلوماسي. فالاحتكاك الراهن – إذا صحت تسميته بذلك – لم يكن ليحدث لو أن الرياض وموسكو ركزتا على الأبعاد الاستراتيجية التي تلتقيان حولها، بدلاً من الاقتصار على رؤية ضيقة لعلاقتهما وسعي كل طرف لتسخيرها لتحقيق مصالح مباشرة. ويأتي في مقدمة الركائز الاستراتيجية للعلاقة بين المملكة وروسيا، تقارب رؤيتهما لإشكالية توزيع القوة في النظام الدولي الراهن، إذإن مصالح الدولتين تلتقي حول ضرورة تشتيت القوة، بدلاً من تركزها في طرف واحد – الولايات المتحدة – مما يدفع إلى سياسات أحادية تضرر منها العالم خلال السنوات العشر الأخيرة. فالمملكة، رغم علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فإنها كقوة إقليمية مهمة وكقائد لتجمع إسلامي كبير، لا ترى مصلحة في بقاء النظام الدولي تحت هيمنة قوة تتصرف بشكل أحادي، وتسعى لتحقيق مصلحة ذاتية حتى لو تسبب ذلك في إلحاق الضرر بالأمن والاستقرار العالمي. أمَّا روسيا من جهتها التي تسعى إلى استعادة شيء من مكانتها الدولية التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي،فيؤمن قادتها بأن هذا الهدف – استعادة المكانة – لن يتحقق إلا من خلال تحول النظام الدولي نحو تعدد الأقطاب. والمؤكد أننا سنرى مزيدًا من التأكيد على هذه القناعة والتصرف تبعًا لها خلال السنوات القادمة، بعد أن عاد بوتين إلى الكرملين مرة أخرى، وهو من أجج هذا الشعور بعدم عدالة وتوازن النظام الدولي الراهن منذ هجومه الحاد على التصرفات الأحادية لواشنطن في مؤتمر ميونخ للأمن في 2007. موسكو والرياض، ولأسباب غير واضحة، انصرفتا عن هذا الأفق الواسع للعلاقات نحو رؤية تركز على سعي كل منهما إلى توظيف العلاقة لمصالح محدودة وخاصة. فمن جهة، نجد أن الرياض أصبحت تنظر إلى موسكو من زاوية موقف الأخيرة من البرنامج النووي الإيراني، ومحاولة إقناعها بتوظيف علاقتها مع إيران لثنيها عن السعي لتخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية. في المقابل، نلحظ أن روسيا لم تعد ترى في العلاقة المتنامية مع المملكة سوى مصدر للمزيد من المصالح الاقتصادية، سواء كانت في شكل عقود عسكرية، أو استثمارات سعودية. محطات مهمة وتاريخية برزت من خلالها تاريخ العلاقات السعودية الروسية وعمقها، فإضافة إلى الجوانب التاريخية المشتركة، يرى مؤرخون لها إمكانية عودتها بقوة من جديد، فيما لو تمَّ حل الوضع السوري الراهن، لتستأنف بين البلدين اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتوسيع التعاون في جميع المجالات، فكان أبرز الاتفاقات استثمار 10 مليارات دولار في إطار شراكة بين صندوق الاستثمارات العامة في المملكة والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة.

وبالقدر والأهمية التي توليها المملكة لتطوير العلاقات الثنائية مع روسيا في جميع المجالات، لا تُغفل المملكة العربية السعودية أن هناك أكثر من 20 مليون مسلم روسي يشكلون ما نسبته نحو 14% من إجمالي عدد سكان روسيا، وتحرص المملكة دائمًا على الاهتمام ورعاية الحجاج الروس إلى الأماكن المقدسة، الذين يبلغ عددهم ما بين 16- 20 ألف حاج روسي، إضافة إلى آلاف المعتمرين على مدار العام، ولا تقتصر هذه الجهود على رعايتهم داخل الحرمين الشريفين، أو حتى داخل المملكة فقط، بل تبدأ من سفارة المملكة في موسكو، التي تستقبل آلاف الطلبات للحج والعمرة كل عام، وتوفر لمقدمي الطلبات كل ما يلزم من مساعدة لإتمام الإجراءات بيسر وسهولة.

 

إعلامية فلسطينية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر