الأمير محمد بن سلمان.. وإعادة الدفء للعلاقات السعودية الروسية | مركز سمت للدراسات

الأمير محمد بن سلمان.. وإعادة الدفء للعلاقات السعودية الروسية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 4 أكتوبر 2017

 

استطاع الأمير محمد بن سلمان، كسر حالة الصمت بين السعودية وروسيا عن طريق نجاحه في إعادة الاتصالات مع روسيا، التي شهدت مدًّا وجزرًا في السنوات السابقة، لأسباب مختلفة يأتي في مقدمتها الأزمة السورية.

وخلال العامين الأخيرين، تمَّ تنظيم لقاءات متوالية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كانت مثار اهتمام عالمي كبير، تمثلت في زيارة وفد سعودي للكرملين في عامي 2015 و 2017، بحث فيها الجانبان العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مع التأكيد على ضرورة توطيد الشراكة السعودية الروسية في عدة اتجاهات، وتجاوز الخلافات السابقة، والعمل على النقاط المشتركة بين البلدين.

تجمع البلدين مصالح مشتركة وعلاقات قديمة، حتى وإن مرَّت بمطبات، وتباينات، وفتور، وبرود، في مراحل مختلفة. لكن زيارة الأمير محمد بن سلمان، إلى سانت بطرسبورغ، أعادت إليها الدفء مجددًا، ورسمت ملامحها المقبلة.

فكان أول زيارة لمسؤول سعودي كبير، في عهد الملك سلمان لروسيا، في ظل رغبة القيادة السعودية الجديدة في كسب حلفاء جدد، وليس الاعتماد على تحالفات حصرية؛ ما يعني الجدية في فتح صفحة جديدة في علاقة البلدين، وهو ما من شأنه المساعدة في حلحلة عدد من الملفات الإقليمية، خصوصًا ملفي سورية واليمن، والحرب على الإرهاب.

وقد تجلَّت براعة السياسة السعودية في اختيار توقيت الزيارة، إذ تزامنت مع مؤشرات واضحة على استعداد موسكو لتغيير مواقفها في شأن سورية، مع أدلة على مرونة في موقفها حيال اليمن. ولا شك في أن تركيز الزيارة بشكل واضح على أولويات العلاقة بين البلدين، يضعها على مسار تعاوني جديد، ما يؤكّد رغبة الطرفين في المضي نحو التكامل في عالم يموج بالتحالفات والتكتلات والمصالح المتقاطعة.

لقد شهدت زيارة الأمير محمد بن سلمان، محادثات ونقاشات مطولة، ولقاءات عدة مع المسؤولين الروس المؤثرين، إضافة إلى توقيع اتفاقات مهمة، ومنها اتفاق للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، يقضي ببناء ١٦ مفاعلاً نوويًا سلميًا. كما أن الزيارة كانت فرصة للبحث المعمق في قضايا الساعة، وما تمرُّ به المنطقة، ونقاط الالتقاء، محققة مراميها، بسبب التفاهم والارتياح، الذي تبادله بوتين وولي العهد السعودي، منذ الوهلة الأولى.

وكان ذلك واضحًا في العبارات التي رحَّب بها كلٌّ منهما بالآخر، إذ أشار بوتين إلى العلاقات «الأخوية» بين الاتحاد الروسي والمملكة، وقال الأمير محمد بن سلمان، إن المملكة تنظر إلى روسيا باعتبارها «دولة مهمة في العالم الحديث»، وردَّ الرئيس الروسي بأنه لا يزال يذكر «الترحيب الحار» الذي قُوبل به عند زيارته للمملكة في عام 2007، وقال إنه قبِل الدعوة لزيارة السعودية «بكل سرور»، فكان ذلك كله تبادلاً يليق بعلاقات بدأت منذ عام 1926.

واللافت، أن الزيارة لم تُسلّط عليها أضواء إعلامية قبل حدوثها، وجاء وصول ولي العهد السعودي، إلى سانت بطرسبورغ مفاجئًا؛ ما أثار تساؤلات غربية حول تحالف محتمل بين الرياض وموسكو، في ضوء الدور المهم الذي يؤديه كلٌّ منهما في المنطقة والعالم، خصوصًا على صعيد النفط، وأزمات الشرق الأوسط، والتقارب المحتمل بين الغرب وإيران.

إن تطوير العلاقة، واستقرار المنطقة، ورفض «الفوضى»، والتعاون على العمل معًا، للمساعدة في إنهاء أزمات المنطقة الساخنة، كانت تلك القضايا، هي أهم القضايا التي شدَّد عليها كلٌّ من بوتين والأمير ابن سلمان، خاصة أن روسيا كان لها موقف إيجابي، تمثَّل في عدم استخدام «الفيتو» ضد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 في شأن اليمن، إضافة إلى رفضها لاستخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة، وهو ما يشير إلى أن المواقف الروسية، قابلة للتفهم والتغيير، لما فيه مصلحة المنطقة واستقرارها.

موسكو، وبعد زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أيدت ضرورة إيجاد تسوية سياسية للأزمة في سورية، بمشاركة جميع القوى الداخلية والخارجية، على أساس الواقع الموجود على الأرض، أي على أساس النجاحات العسكرية والسياسية لدمشق.

استطاع الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته، أن يتوصل إلى تفاهمات على نقاط الخلاف بين الرياض وموسكو، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تلك الزيارة، أن روسيا والسعودية تعملان معًا للتوصل لحل الأزمة السورية.

وتجري اتصالات على المستوى السياسي، وبين العسكريين، وهناك تعاون ومشاورات مع الأمير السعودي في مسائل تسوية الأزمات، ومنها أزمة سورية.

أمَّا على صعيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فقد استطاع الأمير محمد بن سلمان، أن يُوجِد تقاربًا اقتصاديًا سعوديًا روسيًا مشتركًا، وتحديدًا الاستثمارات في سوق النفط، وتعزيز التعاون في مجال النفط، الذي يعكس رغبة البلدين في المحافظة على استقرار أسعار النفط، مع العلم أن النفط، يمثل مصدرًا مهمًا للدخل في كلٍّ من روسيا والسعودية، متطلعًا إلى أن يتمَّ تحقيق الاستقرار في السوق العالمية للوقود؛ ما دفع بوتين إلى شكر السعودية، وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، على تلك الجهود.

روسيا تتخذ موقفًا يُعتبر فريدًا في الشرق الأوسط، لكونها الدولة الأجنبية الوحيدة التي تحافظ على علاقات عمل قوية مع جميع دول المنطقة، ولا تنوي إعادة ترتيبها، ولا تطمح إلى لعب دور الزعيم فيها، وهو ما يمكّن روسيا من القيام بدور الوساطة في الكثير من الأزمات التي تريد السعودية حلها. وبالتالي، فإن المصالح المشتركة بين البلدين، تجعل حاجة الرياض إلى موسكو لا تقل عن حاجة موسكو إلى الرياض.

لم يقتصر الأمير محمد بن سلمان، خلال زياراته لموسكو، على تعزيز العلاقات السعودية الروسية على جميع الأصعدة فحسب، بل تعداه إلى عقده العديد من الاتفاقيات بين روسيا والرياض، كصفقة السلاح التي شملت: دبابات تي90، وعربات مصفحة، وطائرات عمودية مقاتلة، ومنظومة أس400 دفاع جوي بعيد المدى، وسوف يجري تضخيمها لتتجاوز 10 مليارات دولار.

زيارة الأمير محمد بن سلمان لروسيا، التي وصفها كثيرون بأنها أعادت الدفء إلى علاقات لم تكن في أفضل حالاتها، كانت أفضل تمهيد لزيارة الملك سلمان إلى موسكو. والأكيد أن السعودية وروسيا، بلدان مهمان ومؤثران، وقادران على حلحلة القضايا المهمة، لتأثيرهما المباشر وغير المباشر في بعض دول المنطقة، وهو ما تسعى إليه الرياض، وتتفهمه موسكو.

 

وحدة الدراسات السياسية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر