سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ريبيكا ثورن
جني فنانون كميات من الأموال من شأنها تغيير مجرى حياتهم بشكل كلي عن طريق بيع الرسوم والأعمال الفنية الرقمية، وهو مجال عجيب ينمو بسرعة مذهلة.
فقد سجّل الفنان بيبل مؤخرا رقما قياسيا عالميا في مجال الفنون الرقمية عندما باع أحد أعماله بشكل رمز غير قابل للاستبدال (NFT)، الذي هو عبارة عن وثيقة ملكية تتم مداولتها من خلال سلسلة أجهزة كومبيوتر مؤمنة عصيّة على الاختراق والسرقة.
وتقول دار كريستي للمزاد إن بيبل أصبح “واحدا من أغنى ثلاثة فنانين في العالم” – وهو سياق يقول كثيرون إنه “غير مجرى حياتهم”.
“كنت أعيش من راتب إلى الآخر”
تقول الفنانة ألانا أجينتون إنها كانت “تغرق في الدَين” قبل أن تكتشف عالم الرموز غير القابلة للاستبدال.
فقد كانت تمارس الفن بشكل سطحي وغير جاد طيلة حياتها، ولكن لأنها إنطوائية المزاج لم تجرؤ على عرض أعمالها في أي من المعارض الفنية بل ركزت جهودها على تربية أطفالها الثلاثة بينما كانت تعمل في مجالات شتى وتدرس لنيل شهادة في البستنة.
وقالت “مثلي مثل معظم الناس، كنت أعيش من راتب إلى الآخر، وكنت لدي ديون لشركات بطاقات الائتمان. لم أكن أعرف كيف أخرج من الدائرة المفرغة لأسعار الفائدة المرتفعة”.
ولكن عندما اكتشفت ألانا أن بمقدورها بيع نسخ من رسومها الزيتية عن طريق الإنترنت، كانت تأمل في أن تجني “500 دولار”.
إلا أنها فوجئت بأن سعر الرسوم التي باعتها في أول مزاد إلكتروني تشارك فيه كان بآلاف الدولارات. فقد باعت في ذلك المزاد 16 من أعمالها بمئة ألف دولار كندي – وهي تجربة تصفها بأنها كانت “مذهلة”.
ومضت الفنانة الكندية ذات الـ 35 عاما والتي تسكن في أونتاريو للقول “كانت رؤية الناس وهم يتدافعون لشراء أعمال تجربة سريالية تماما، وهو أمر لم أتمكن من استيعابه إلى الآن”.
وأدى النجاح الذي حققته في “تغيير حياتها بشكل جذري”، فقد تمكنت من الوفاء بديونها لشركات بطاقات الائتمان ودفع أجور دراستها الجامعية وابتياع منزل كبير في منطقة ريفية انتقلت إليه الأسرة من الشقة التي كانت تسكنها في المدينة.
أما النجاح الأكبر، فقد تمثل في تمكنها أخيرا من دفع أجور علاج ابنها رون الذي يعاني من مرض التوحّد، وفرط الحركة وتشتت الانتباه، ومتلازمة توريت.
كما تأمل في يمهّد نجاحها الطريق للمزيد من الفنانات التي تقول إنها كانت تكافح من أجل مساعدتهن في اقتحام عالم الرموز غير القابلة للإستبدال “الذي يهيمن عليه الذكور”.
وقالت “إن الأبواب مشرعة بشكل كامل، وهناك إمكانيات لا محدودة، أما بالنسبة لي، فقد تحسنت نظرتي للحياة بشكل كبير وبدأت أنظر إليها بإيجابية – فأنا أطرح روحي في هذا المجال وأجني الأموال جراء ذلك. لم أكن أتخيل بأن ذلك ممكن”.
وختمت حديثها بالقول “إنه بالتأكيد نهار جميل وأكثر بريقا”.
ما هي الرموز غير القابلة للاستبدال وكيف تعمل؟
الرموز غير القابلة للاستبدال عبارة عن شكل من أشكال الوثائق الرقمية تؤكد ملكية الشخص لأصل ما – وفي عالم الفن الرقمي، يمثل كل رمز غير قابل للاستبدال ملكية عمل فني أصيل.
وهذه الرموز موجودة في سلاسل أجهزة كمبيوتر، مستخدمة نفس التقنية التي تعتبر أساس العملات الرقمية كبيتكوين، وهي تتضمن تفاصيل العمل الفني مثل هوية الفنان وتاريخ بيعه وهوية المشتري.
ويعني هذا أنه بينما يمكن لأي شخص مشاهدة العمل عن طريق الإنترنت، لا يمكن لأحد أن يدعي ملكيته إلا مشتريه الشرعي.
ويمكن إعادة بيع الرموز غير القابلة للإستبدال وتداولها ونقل ملكيتها إلى شخص آخر – ولكن الفنان يحتفظ بحقوق الملكية الفكرية للعمل الفني المرتبط بالرمز، وبإمكانه الحصول على عوائد كلما بيع الرمز.
“كنت مفلسا…ثم جنيت 250 ألف دولار”
يقول داريوش بويا، وهو فنان في مجال الخيال العلمي والأبعاد الثلاثة، إنه كان “مفلسا من الناحية العملية” عندما رأى أصدقاء له يبيعون أعمالهم “بمبالغ خيالية”، ولذا قرر الولوج في عالم الفن الرقمي بنفسه.
وقال داريوش البالغ من العمر ثلاثين عاما والذي يسكن في مدينة كارلسروهه الألمانية “كنت تواقا لخوض هذه التجربة من أجل اكتشاف قيمتي أولا ولرؤية ما إذا كنت سأتمكن من جني المال. ولكن لم تكن توقعاتي كبيرة أول الأمر”.
ولكن، وفي غضون أسبوعين من مشاركته في عدد من منصات بيع الأعمال الفنية الألكترونية، بدأ داريوش – المعروف أيضا باسم باكاآرتس – بجني الأموال.
فقد بيعت أولى رموزه غير القابلة للاستبدال، الموسومة “أكروفوبيا”، بـ 12,497 دولارا.
وقال “كنت مذهولا، فلم أكن أتوقع أن يبلغ السعر ذلك الحد. اتصلت بصديقتي قائلا: أترين ماذا يحصل؟ هل هذا يحصل بالفعل؟””.
واصلت الأسعار التي تباع بها أعمال داريوش الفنية الارتفاع، وهو أمر يصفه الفنان بأنه “جنون حقيقي”.
وقال “كنت أعاني ماديا قبل عشرين يوما فقط، أما الآن فلدي 250,000 دولار”.
وأضاف “أصبحت أعرف في قرارة نفسي أني إذا أردت شيئا ما أصبح بإمكاني الآن شراءه، وهو أمر ساعدني من الناحية الذهنية”.
وقال داريوش، الذي تبرع بقسم من أرباحه لجمعيات خيرية تعنى بالصحة العقلية، إنه رغم المبالغ الطائلة التي يمكن جنيها في عالم الرموز غير القابلة للاستبدال، فإنه اكتشف أن لهذا العالم “بيئة صحية ونافعة”.
وقال “أظن أن سبب ذلك يكمن في أن الفنانين يحظون بالتقدير، وأنهم يحصلون أخيرا على ما يستحقونه”.
“تمنحنا فرصا متساوية”
البيع بصيغة الفن الرقمي ليس حكرا على الرسوم والصور، فالفنان الأرجنتيني برونو ناصيف يبيع الرسوم الإلكترونية المتحركة (GIF) منذ مدة، وأنفق المال الذي جناه في نصب معدات توليد الطاقة الشمسية في المزرعة التي يعيش فيها.
وقال برونو ذو الأعوام الـ 37، والذي بدأ مسيرته الفنية عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، إن هذا المجال “المثير والذي ينمو بسرعة” يتيتح التواصل بين “جامعي الأعمال الفنية والفنانين والعديد من الناس الذين لم يكن بالإمكان ربطهم ببعضهم البعض في الماضي”.
وتتفق سايبر شاكتي، وهي فنانة ومصورة هندية تبلغ من العمر 32 عاما، مع ما ذهب إليه برونو، وتثني على مجال الرموز غير القابلة للاستبدال لأنه منحها “الأمل بالفوز باستقلال مالي قابل للديمومة”.
وقالت “بينما يميل عالم الفن التقليدي إلى الانغلاق على حساب الفنانين الذين يعلمون أنفسهم، يمنحنا هذا المجال فرصا متساوية. ففي الأشهر الخمسة التي مضت منذ ولوجي هذا المجال، ارتفعت اسعار أعمالي من 80 إلى 800 دولار في المتوسط”.
من الذي يشتري الرموز غير القابلة للإستبدال؟
يقول راغافيندرا راو، أستاذ العلوم المالية في جامعة كمبريدج، إن الاهتمام الكبير الذي حظيت به الرموز غير القابلة للاستبدال مؤخرا قد يكون نتيجة قلة مجالات “المتعة” المتاحة للناس خلال فترة انتشار وباء كوفيد.
ولكنه يتوقع أن المبيعات التي يحققها معظم فناني الرموز “ستواصل الارتفاع ثم تختفي”، ولن يرى إلا كبار الفنانين طلبا مستمرا على أعمالهم “لفترة أطول”.
وقال “دأبنا على رؤية ظواهر من هذا النوع مرة إثر الأخرى كفقاعات حيث لا تناسب بالمرة بين السلع والأسعار التي تباع بها”.
وأضاف “قد تجني أموال طائلة، ولكن ليس هناك أي ضمانات. وقد تخسر الكثير من الأموال أيضا”.
ويصف نيلسون رورباخ، وهو من المتحمسين للرموز غير القابلة للاستبدال ومن جناتها، حركة الفن الرقمي بأنها “تمرد وعصيان” ضد أولئك الذين حاولوا “تجريد الفنان من قيمته”.
وأنفق نيلسون، وهو مدير مبيعات في مدينة شيكاغو الأميركية يبلغ من العمر 26 عاما، نحو 20 ألف دولار في شراء الأعمال الفنية الرقمية منذ شهر كانون الثاني / يناير الماضي، ويعتقد بأن الرموز غير القابلة للاستبدال تمثل “فرصة قوية للاستثمار” ستشكل جزءا أساسيا من كيفية إجراء التبادلات في المستقبل.
وقال “لدي الكثير من الاهتمام بدعم الفنانين ودعم المجالات التي تمنحهم الحرية المادية وتتيح لهم الإحتفاظ بالمزيد من الحقوق المتعلقة بأعمالهم”.
ولكنه أضاف “الأمر عبارة عن مخاطرة بالتأكيد، ولكنها مخاطرة أنا على استعداد لمواجهتها بالتأكيد”.
المصدر: BBC Arabic
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر