سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تقدّم هذه الورقة لمحة عامة عن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، تتجاوز حدود مبيعات النفط والأسلحة. وتستهلّ بوصف نمو حجم الصادرات الأميركية إلى المملكة، وتدفق الطلاب السعوديين إلى الولايات المتحدة، وتأثير ذلك في الاقتصاد الأميركي. وتناقش استثمار الشركات الأميركية في المملكة العربية السعودية، ومشاركتها في القطاعات الاقتصادية الجديدة التي فتحت آفاقها إصلاحات رؤية 2030. وتختتم بنظرة على الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة عبر مجموعة متنوعة من المؤسسات المملوكة للقطاعين الخاص والعام.
خَلَصَ معدّو الورقة إلى نتيجة مفادها أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين هي أكثر تعقيدًا مما يُصوّر عادة. فعلى الرغم من هيمنة قضايا الطاقة والأمن على النقاش حول مسألة التحالف الأميركي السعودي، فإن تدفقات التجارة والاستثمار بين البلدين نمت بشكل مطّرد من حيث الحجم والتنوع في السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن تنمو هذه العلاقات أكثر في السنوات المقبلة نظرًا للمشاركة الواسعة للشركات الأميركية في قطاعي الترفيه والرياضة الناشئين في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن بناء مشاريعهما الضخمة. كما ازداد حجم مشاركة المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة؛ إذ استثمرت ثروتها في شراء الديون الأميركية، وتمويل مجموعة واسعة من الشركات الأميركية.
تستحوذ مبيعاتُ النفط والسلاح على قدر كبير من النقاش العام حولَ التحالف الأميركي السعودي. ولا شك أن هناك فوائدَ تعود على كلا البلدين من هذه المعاملات؛ فالولايات المتحدة تشتري النفط والغاز لتغذية اقتصادها، بينما يضمنُ شراء المملكة العربية السعودية لأنظمة الأسلحة أمنَيْها المحلي والإقليمي. وقد صار راسخًا لدى صانعي السياسات في الولايات المتحدة أن المملكةَ العربية السعودية تشاركهم مصالحهم في استقرار أسواق النفط؛ نظرًا لاستثمارات البلاد الواسعة في الاقتصادات الأميركية والأوروبية.
لكن يشوب العلاقاتِ الأميركية السعودية تعقيد أكثر مما يبدو للعيان من جوانب عدة، وكان هذا متحققًا منذ تأسيس المملكة؛ فقد أنشأت شركة بكتل الأميركية في الأربعينيات خطوط السكك الحديدية التي تربط عاصمة المملكة الموحدة حديثًا والشرق المنتج للنفط، كما أنشأت إحدى الشركات التابعة لشركة كوكاكولا أولَ محطة لتحلية المياه في المملكة في الستينيات؛ وهو ما مهَّد الطريقَ لعشرات المحطات للتخفيف من نقص مياه الشرب في المملكة.
وفي العقدين الماضيين، صار البلدان مرتبطين أكثر من الناحية الاقتصادية؛ فقد أصبحت المملكة العربية السعودية سوقًا لمجموعة متنوعة من السلع الأميركية، من سيارات وطائرات ومعدات طبية. وفي الوقت نفسه، استثمرت ثروتَها استثمارًا متزايدًا في الولايات المتحدة، وتنوعت مشترياتها بدءًا من سندات الخزانة الأميركية إلى شراء الأسهم في الشركات التكنولوجية الناشئة. وفي العقود اللاحقة، طور عددٌ مذهل من الشباب السعودي روابطَ اجتماعية وثقافية مهمة مع الولايات المتحدة عن طريق الدراسة وزيارة البلاد.
ولا شك أن للطاقة والأمن أهميةً في تحديد معالم العلاقات الأميركية السعودية. ومع ذلك، فهما لا يمثلان الروابط الوحيدة التي تربط البلدين معًا. وستتناولُ هذه الورقة العديد من الروابط الاقتصادية والثقافية الأخرى بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكيف تؤثِّرُ على كلا البلدين.
صارت المملكة العربية السعودية مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي فيها، سوقًا مهمًّا للبضائع الأميركية؛ فبينما كان إجمالي الصادرات الأميركية إلى المملكة لا يتجاوز 77 مليون دولار فقط في عام 1962م؛ فإنه بحلول عام 1982م -مرحلة الطفرة النفطية السعودية الأولى- ازدادت الصادراتُ إلى 7.3 مليارات دولار. وفي عام 2019م، وهو آخر عام كانت بياناته متاحةً، بلغ إجمالي صادرات الولاياتُ المتحدة إلى المملكة العربية السعودية من السلع والخدمات 23.9 مليار دولار. وقد وفّرت هذه الصادرات ما لا يقل عن 165000 وظيفةً أميركية.
أما مبيعات الأسلحة فهي لا تشكل إلا نسبةً قليلة إذا ما قورنت بإجمالي التجارة البينية بين البلدين. ففي عام 2019م -على سبيل المثال- صدرت الولايات المتحدة أسلحةً بقيمة 3.1 مليارات دولار إلى المملكة العربية السعودية؛ أي ما يعادل 13٪ من إجمالي الصادرات تقريبًا.
هذا وتشكل القطاعاتُ الصناعية الثقيلة الجزءَ الأكبر من الصادرات الأميركية إلى المملكة العربية السعودية. وتتمثل أهم ثلاث فئات من السلع غير العسكرية التي تصدرها الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية في: قطع غيار الطائرات والسيارات والمركبات، إضافة إلى الأجهزة والمعدات مثل التوربينات ومكيفات الهواء والأفران. وتشكل هذه الفئات مجتمعةً 6.4 مليارات دولار، أو ما يقارب 45٪، من إجمالي 14.3 مليار دولار؛ قيمة صادرات البضائع الأميركية إلى المملكة العربية السعودية في عام 2019م.
ولم يقتصر نمو الصادرات الأميركية إلى المملكة العربية السعودية على القيمة فحسب، بل ازدادت تنوعًا أيضًا؛ ففي عام 2001م -على سبيل المثال- شكَّلَت فئاتُ السلع الثلاث المذكورة أعلاه ما يقارب 60٪ من الصادرات. وعلى مدى العقدَيْن الماضيين، نَمَت قطاعات أخرى -مثل تصدير المنتجات الزراعية التي صارت تجارةً بلغت قيمتها مليار دولار وأربعمئة مليون- نموًّا كبيرًا من حيث القيمة.ونما تصدير الخدمات أيضا من ملياري دولار وثلاثمئة مليون دولار عام 2005م، إلى 9.4 مليارات دولار في عام 2019م، مدفوعًا بشكل خاص بزيادة السفر والخدمات التعليمية والمالية.
وتُعَدُّ صناعة السيارات أحد النماذج المفيدة في تقويم حجم وتنوع الصادرات الأميركية إلى المملكة العربية السعودية؛ فقد احتكرَت شركةُ فورد موتور تقريبًا مشترياتِ المملكة من السيارات في ثلاثينيات القرن الماضي؛ وكان البريطانيُّ سانت جون فيلبي، مستشارُ الملكِ، قد حصل في الأصل على رخصة حصرية لاستيراد السيارات في الثلاثينيات، قبلَ أن تنتقل الرخصة إلى أسرة علي رضا المقيمة في جدة عام 1940م. وتُمثِّل المملكةُ اليومَ خامسَ أكبر سوق للسيارات الأميركية والشاحنات الخفيفة في العالم، والأكبرَ في الشرق الأوسط.
في عام 2019م، بلغَت قيمةُ الصادرات الأميركية من السيارات وقطع غيارها ملياري دولار، أي ما يعادل ضعفَيْ قيمة عام 2001م البالغة مليارَ دولار. وقد حدث هذا النموُّ رغمَ خسارة أكبر الشركات المصنعة للسيارات في الولايات المتحدة حصتَها السوقية؛ إذ تستحوذُ أكبر شركتَيْن أميركيتين لصناعة السيارات في السوق السعودية؛ شيفروليه وفورد، على ما يقارب 10٪ من السوق مجتمعتَيْن.
مع تدفُّق البضائع الأميركية إلى المملكة العربية السعودية، توافد السعوديون على الولايات المتحدة. وهناك أعداد كبيرة من المواطنين السعوديين يتقدمون بطلبات الحصول على تأشيرات إلى الولايات المتحدة وينجحون في الحصول عليها؛ فقد حصل ما يقارب 59000 سعودي على تأشيرات عمل أو سياحة إلى الولايات المتحدة في عام 2019م، وتلقى أكثر من 19000 شخص تأشيراتٍ طلابية. وإجمالًًا زار أكثر من 150 ألف مواطن سعودي الولايات المتحدة في عام 2019م للعمل أو السياحة أو التعليم؛ وهو ما جعل المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى عربيًّا في هذا الصدد.
أما على مستوى العلاقات الشخصية، فإن الفئة الفرعية الأكثر أهميةً في هذه المجموعة هم السعوديون الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة لمواصلة تعليمهم؛ فمئات الآلاف من السعوديين تلقوا تعليمهم في جامعات وكليات أميركية على مدى العقدَيْن الماضيَيْن، وجلبوا معهم عشراتِ الآلاف من عائلاتهم.
ترجع جذور التوسع في أعداد الطلاب السعوديين الذين يستكملون تعليمَهم في الولايات المتحدة إلى الاجتماع الذي عُقد في 25 إبريل عام 2005م بين الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وولي العهد آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. وما زالت هجمات 11 سبتمبر 2001م تطغى إلى حدٍّ بعيد على آفاق العلاقة بين البلدَيْن؛ وهو ما أدَّى إلى تناقص كبير في أعداد الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة. وقد لعب قرار الحكومتين السعودية والأمريكية بتوسيع نطاق الابتعاث الخارجي دورًا محوريًّا في تحجيم المشاعر السلبية تجاه المملكة العربية السعودية في أعقاب الهجمات.
يُعَدُّ برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، الذي غُيِّرَ اسمه إلى «برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي»، أحدَ أكبر البرامج من نوعها في العالم. ففي العام الدراسي 2004/ 2005م، التحق 3035 طالبًا سعوديًّا بالجامعات الأميركية، وهو ما جعل المملكة العربية السعودية تحتل المركز السادس والثلاثين عالميًّا من حيث تعداد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة. وفي ذروة البرنامج في العام الدراسي 2015/ 2016م، ارتفع عدد الطلاب السعوديين إلى 61287 طالبًا؛ وهو ما أهَّل المملكة العربية السعودية لأنْ تحتل المركز الثالثَ عالميًّا في الولايات المتحدة. ولا تشمل هذه الأرقام الآلافَ من أفراد الأسر الذين رافقوا الطلاب السعوديين إلى الولايات المتحدة.
وعلى مدار العقدين الماضيين، كان مجموع الأعوام الدراسية التي التحق بها الطلاب السعوديون أكثرَ من نصف مليون عام دراسي في الولايات المتحدة. وفي عام 2019م، ضخ هؤلاء الطلاب نحو مليار وثلاثمئة مليون دولار في الاقتصاد الأميركي. ومنذ زيادة فُرَص الابتعاث الخارجي في عام 2005م، أسهم الطلاب السعوديون بقرابة 14 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي.
وعلى الرغم من انخفاض معدل الالتحاق السعودي بالجامعات الأميركية عن ذروته، فإنه لا يزال مرتفعًا. ففي العام الدراسي 2019/ 2020م، استكمل 30957 طالبًا سعوديًّا تعليمهم في الولايات المتحدة؛ وهو ما جعل المملكة تأتي رابعَ أكبر بلد لديه طلاب دوليون في الولايات المتحدة. من هذا العدد، درس 16839 طالبًا للحصول على درجة جامعية، والتحق 8362 طالبًا ببرامج الدراسات العليا، وكان الـ5762الباقون يدرسون في برنامج تدريبي غير جامعي أو برنامج عملي.
أما ما يتعلق بالعلاقة الأميركية السعودية، فلا يمكن التعبير عن قيمة هذا الجهد من منظور اقتصادي بحت؛ ورغم ذلك فقد تحقق الهدفُ الذي كانت ترنو إليه القيادة السعودية على الأرجح، وخلق التوسُّع في فُرَص الابتعاث الخارجي مخزونًا من الشباب السعودي ذوي الصلات الشخصية العميقة بالولايات المتحدة، ممن حازوا معرفةً بالثقافات والقِيَم الأميركية. وفي الحوارات التي أجريناها لإعداد هذه الورقة، سلَّط الدبلوماسيون ورجال الأعمال الأميركيون العاملون في المملكة العربية السعودية الضوءَ على هؤلاء السعوديين -الذين هم الآن جزءٌ لا يتجزأ من الحكومة والقطاع الخاص في المملكة- بوصفهم عواملَ حاسمةً في تمهيد الطريق للعمل بنجاح في المملكة.
ويمكن أن يُعزى انخفاضُ معدل التحاق الطلاب السعوديين بالجامعات الأميركية جزئيًّا إلى جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، إضافة إلى سياسات الهجرة الأكثر تقييدًا من جانب إدارة الرئيس دونالد ترمب، وقد أثَّرَت هذه التطوراتُ سلبيًّا في قدرة الجامعات الأميركية على جذب الطلاب من جميع أنحاء العالم؛ فقد انخفض معدل التحاق الطلاب الدوليين الجدد في السنوات الأربع الماضية، وانخفض العدد الإجمالي للطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة في عام 2019م لأول مرة منذ أكثرَ من عقد. وقد تكون زيادة عدد الجامعات الحكومية والخاصة داخلَ المملكة العربية السعودية قد أسهمت أيضًا في انخفاض عدد السعوديين الذين يدرسون في الخارج.
لكن العاملَ الأكثرَ أهميةً الذي أسهم في هذا التراجع هو انخفاض فرص الابتعاث الخارجي السعودي؛ فقد أدى انخفاضُ أسعار النفط في منتصف عام 2010م، والمناخُ العام للتشديد المالي في السعودية؛ إلى إجبار صانعي السياسات في المملكة على فرض المزيد من متطلبات القبول على المتقدمين، التي تربط في الأغلب الابتعاث الخارجي بالتوظيف والقدرة. وفي ذروة «برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي»، قدَّر المسؤولون السعوديون أن نحو 90٪ من طلاب الابتعاث الخارجي كانوا يدرسون في الولايات المتحدة بمنحة حكومية؛ وبالنظر إلى هذه الأرقام، فليس من المُستغرَب أن يكون لانخفاض الابتعاث الخارجي أكبرُ الأثر على إجمالي الالتحاق السعودي.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح عودة التحاق الطلاب السعوديين بالجامعات الأميركية إلى ذروته في المناخ المالي الحالي، فإن أعدادهم لا تزال أعلى بكثير من مستوياتها قبل عام 2005م. ويبدو أن صانعي السياسات السعوديين ملتزمون بالحفاظ على فرص الابتعاث الخارجي إلى أقصى حدٍّ تسمح به القيود المالية؛ ففي أكتوبر، أطلقَت وزارةُ التعليم برنامجَ الابتعاث الخارجي «مسار التميز» المصمم لزيادة فرص السعوديين لمواصلة تعليمهم في 32 مجالًا متخصصًا، تتنوع بين إدارة الأعمال، والفلسفة، والأمن القومي.
هذا، وتسيرُ العلاقاتُ المالية التي تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في اتجاهَيْن: فكما تبيعُ الشركاتُ الأميركية البضائعَ إلى المملكة، استثمرَت الحكومة السعودية والشركات الخاصة مبالغ ضخمة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الروابط بين الشعبين لا تزال في الأغلب تتخذ مسارًا أُحاديَّ الاتجاه؛ فرغم أن عددًا كبيرًا من السعوديين قد زاروا أو درسوا في الولايات المتحدة، فإن الذين سافروا إلى المملكة العربية السعودية من الأميركيين هم مجموعة صغيرة نسبيًّا؛ إذ تُقَدَّر أعداد الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية، أو يزورونها كلَّ عام، بنحو 80 ألف أميركي؛ أي ما يقرب من نصف عدد الزوار السعوديين إلى الولايات المتحدة، رغم أن تعداد السكان الأميركيين يبلغ عشرةَ أضعاف عدد السكان السعوديين.
وفي الوقت الذي سعى فيه المسؤولون السعوديون إلى جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030، فقد قدموا عرضًا مصاحبًا للمسؤولين ورجال الأعمال الأميركيين يهدف إلى معالجة عدم معرفة الأميركيين النسبية بالمملكة. وسيتناولُ الجزء الثاني من هذه الورقة استثمارات الشركات الأميركية في مجموعة متنوعة من القطاعات التي أتاحَتها الإصلاحاتُ السعودية الأخيرة.
يصف المسؤولون السعوديون اللحظة الحالية بأنها فرصة للشركات الدولية لفتح آفاق جديدة في سوق غير مستغلة. وأشاروا إلى أن المملكة العربية السعودية تذخر بعدد كبير من الشباب، ممن لديهم دخل قابل للإنفاق، وتفتح العديدَ من القطاعات الجديدة لأول مرة بمليارات الدولارات بدعم حكومي. ورغم أن بعض الشركات الأميركية الكبيرة لديها علاقة طويلة مع المملكة العربية السعودية تمتد لعقود -مثل بكتل وبوينج على سبيل المثال- لم تتمكن الشركات الأخرى من العمل في المملكة العربية السعودية إلا مع حدوث التحرير الاقتصادي الأخير؛ فـ«المملكة العربية السعودية تتغير بوتيرة غير مسبوقة»، على حد التعبير الوارد في عرض تقديمي قدَّمَته وزارةُ الاستثمار السعودية؛ وهو ما أدى إلى تغييرات شاملة في «دولة كانت يومًا ما دولةً خاصةً».
وقد كثفت وزارة الاستثمار السعودية جهودَها لجذب الاستثمار الأجنبي؛ ففي عام 2020م، بدأَت في نشر موظفين في جميع أنحاء العالم للترويج النشِط للمملكة بوصفها وجهةً تجارية، وقد أصبح لديها الآن مكاتب في كلٍّ من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وروسيا، وفرنسا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، واليابان، والصين. وقد استهدفَت مجالات عدة للنمو، مُصنِّفةً مجالات التعليم، والخدمات المالية، والإسكان، بوصفها «قطاعاتٍ ناشئةً».
وقد كان للشركات الأميركية دورٌ رئيس في هذا الانفتاح الاقتصادي؛ ففي عام 2019م، أصدرَت المملكة العربية السعودية أكثر من 1100 ترخيص استثماري جديد لشركات أجنبية، بزيادة تقدر بـ54٪ أكثر من العام السابق. من هذا التعداد، حصلت الشركات الأميركية على 82 ترخيصًا، لتأتيَ في المرتبة الرابعة على مستوى العالم. ويبلغ رأسُ المال الإجمالي المدفوع لأكبر عشرة استثمارات أميركية في المملكة العربية السعودية أكثر من 56 مليار دولار.
وقد بلغ المستوى التراكمي للاستثمار الأميركي في المملكة العربية السعودية 10.8 مليارات دولار في عام 2019م، وفقًا لبيانات مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة. ويمثل ذلك زيادةً ما نسبته 45٪ عن عام 2010م، ونحو 200٪ زيادة عن عام 2000م، عندما كان الاستثمار المباشر للولايات المتحدة يُقَدَّر بـ 3.7 مليارات دولار.
وغالبًا ما تطرح بياناتُ مكتب التحليل الاقتصادي العديدَ من التساؤلات الجديدة بالقدر نفسه الذي تجيب به على تساؤلات سابقة. فالإحصائياتُ الخاصة بالعديد من القطاعات تُحجَب بسبب متطلبات السرية؛ وهو ما يجعل من الصعب بناء فهم واضح لطبيعة الاستثمارات الأميركية. في بعض القطاعات، يكون وضع الاستثمار الأميركي سلبيًّا في الواقع، نتيجةً لمنهجية مكتب التحليل الاقتصادي، التي تحسب الاستثمار المباشر على أنه التكلفة التاريخية للأصول، إضافة إلى صافي المعاملات المالية والتغيرات الأخرى في التقويم. أخيرًا، يصنِّف مكتب التحليل الاقتصادي 7.9 مليارات دولار من الأسهم الاستثمارية الأميركية البالغة 10.8 مليارات دولار في عام 2019م على أنها مُستثمَرة في شركات قابضة غير مصرفية، وهو مصطلح يمكن أن يشير إلى الاستثمارات في مجموعة متنوعة من الصناعات. أكبرُ قطاعين آخرين للاستثمار الأميركي وفقًا لبيانات مكتب التحليل الاقتصادي، هما: تجارة الجملة (903 ملايين دولار)، والتعدين (844 مليون دولار).
قد يكون دورُ الشركات الأميركية في توسيع صناعات الفنون والترفيه والسياحة في المملكة العربية السعودية هو الجانب الأكثر وضوحًا للمشاركة الأميركية في التحرير الاقتصادي للمملكة؛ إذ خصَّصَت الحكومةُ 64 مليار دولار لتوسيع هذه القطاعات على مدى العقد المقبل.
ولا توجد قائمة تشمل جميع الشركات الأميركية التي شاركت في قطاعَيِ الترفيه والرياضة في المملكة. ومع ذلك، يمكن الحصول على معلومات حولَ العديد من المشاريع الرئيسة من التقارير المتاحة للجمهور. وقد ألقَت المحادثاتُ مع صانعي السياسات السعوديين في الهيئة العامة للترفيه ووزارة الرياضة الضوءَ أيضًا على كيفية عمل هذه الشَّراكات، وما تَربحه كلٌّ من المملكة العربية السعودية والشركات الأميركية منها.
في كلتا الحالتَيْن، يرى المسؤولون السعوديون أن الشراكاتِ مع الشركات الأميركية وسيلةٌ لجذب الانتباه إلى الفعاليات الكبرى، وإذكاء الاهتمام المحلي بالقطاعات المزدهرة، وبناء قدرات الشركاء المحليين. فيما يتعلق بالهيئة العامة للترفيه، التي تأسَّسَت في صيف عام 2016م، ساعد فنانو الترفيه الأميركيون في الارتقاء بالصورتين المحلية والدولية لقطاعٍ لم يكن موجودًا قبل بضع سنوات، وقد شهدت الهيئة مؤخرًا توسعًا كبيرًا في أنشطتها؛ فقد أقامت المملكة أكثرَ من 5000 فعالية مباشرة في عام 2018م؛ وهو ما أدَّى إلى تأسيس ما يقرب من 500 شركة ترفيهية جديدة. وفي عام 2019م، أطلقت الهيئة العامة للترفيه مشروع «مواسم» عبرَ مناطق ومدن مختلفة في البلاد، وقد اجتذب الحدثُ المميز «موسم الرياض» 10.3 ملايين زائر، وحقق إيرادات تزيد على 270 مليون دولار.
وتشترك خياراتُ الترفيه وعروض الشركات الأميركية مع تطلعات وبرامج هيئة الترفيه السعودية؛ ومنها العروضُ الأميركية المشاركة في موسم الرياض: عرضَيْ مسرح برودواي «الساحر أوز» و«بيتر بان»، وعروضًا موسيقية مثل: عروض فرقة إيماجن دراغونز وستيف أوكي، وفعالياتٍ ترفيهية برعاية شركة مارفل إنترتينمنت، وعروض المصارعة الحرة(دبليو دبليو إي)، ومونستر جام. ومن بين رعاة موسم الرياض شركاتٌ مثل: بيبسي، وماستر كارد، وفيزا، ودانكن، وليز رقائق البطاطس، وماكدونالدز.
وبالطبع لا يعكس موسم الرياض إلا جزءًا صغيرًا من مشاركة الشركات الأميركية في قطاع الترفيه في المملكة؛ فقد افتتحَت مسارح إيه إم سي أولَ سينما مرخصة في المملكة العربية السعودية في إبريل 2018م، ولديها حاليًّا خطة خَمسيّة لبناء ما مجموعُه 40 دارًا للسينما في جميع أنحاء المملكة. وفي سبتمبر 2020م، وقعَت نتفليكس شراكةً لمدة خمس سنوات مع أستوديو الرسوم المتحركة السعودي ميركوت لإنتاج أفلام وعروض لخدمة البث عن طريق الإنترنت. وربما الأهم من ذلك، أن ملاهي سيكس فلاجز تُنشئُ حديقةً ترفيهية تبلغ مساحتها 79 فدانًا في مشروع القدية الترفيهي العملاق، المُقرَّر افتتاحه في عام 2023م، وستكونُ أكبرَ حديقة تنشئها سيكس فلاجز في العالم، ووفقًا لما ذكره الرئيس التنفيذي لمشروع القدية، مايكل رينينجر، فإنها تمثل أيضًا أكبرَ استثمار أُجرِيَ في متنزهٍ تابع لسيكس فلاجز في جميع أنحاء العالَم.
عقَدَت وزارة الرياضة شراكاتٍ متعددة مع شركات دولية في القطاع الرياضي؛ لاستضافة «الفعاليات العملاقة» المصممة لزيادة الاهتمام المحلي بالرياضات المختلفة، مثل إقامة فعاليات سباقات السيارات (الفورمولا 1، ورالي داكار)، فقد أعطَت دورًا بارزًا للاتحاد السعودي لرياضة السيارات؛ وهي إستراتيجية تهدف إلى رعاية المواهب السعودية في مجال الرياضة. كانت هناك ستة فرق سعودية شاركَت في رالي داكار هذا العام، التي لم تتأهل إلّا بعدَ التنافس في العديد من الأحداث التي نظمها الاتحاد المحلي. وبهذه الطريقة، ساعدت الفعالية الدولية العملاقة في دعم سلسلة من المسابقات المحلية التي تقتصر على المواهب السعودية.
وفي الوقت نفسه، استقطبَ العديدُ من الفعاليات الكبرى رياضيين وشركات أميركية؛ ففي عام 2019م، جلبت وزارة الرياضة ملاكمَي الوزن الثقيل أنتوني جوشوا وآنديرويز جونيور للمشاركة في «صراع على الكثبان الرملية» في الدرعية. وتستضيف المملكة أيضًا هذا العامَ أولَ سباق للفورمولا 1، وهي بطولة لسباق السيارات مملوكة لشركة ليبرتي ميديا الأميركية. وحسبما أشارت التقارير فإن السباقَ، المعروف باسم سباق جائزة السعودية الكبرى، سيُقام في أول عامَيْن في جدة، ثم على مدى السنوات الثماني اللاحقة في القدية. ويوفر العقد للفورمولا 1 ما يقرُب من 65 مليون دولار سنويًّا لاستضافة السباق.
ولا يقتصر دور الولايات المتحدة في الإسهام في صناعة الرياضة والترفيه السعودية على الفعاليات فقط؛ بل أطلق معهدُ إعداد القادة، الذراعُ التعليمية لوزارة الرياضة، برامجَ مع جامعات أميركية، مثل جامعتَي هارفارد وجورج تاون؛ لتثقيف المحترفين الرياضيين السعوديين. وفي هذه الأثناء، تحاولُ الهيئة العامة للترفيه محاولاتٍ حثيثةً للاستفادة من علاقاتها لإقناع الشركات الدولية بتأسيس وجود في المملكة لتدريب جيل جديد من فناني الترفيه السعوديين.
وكما هو واضحٌ من الأمثلة أعلاه، فإنه ليس كلُّ مشاركة لشركة أميركية «استثمارًا» في المملكة العربية السعودية؛ إذ غالبًا ما تتدفق الأموال في الاتجاه المعاكس؛ فالحكومة السعودية تدفع لهذه الشركات مقابلَ إقامة الفعاليات في المملكة. وتَعُدُّ كلٌّ من الهيئة العامة للترفيه ووزارة الرياضة نفسَيْهما منظمتَيْن في المقام الأول لقطاعاتهما، بمنح التراخيص للشركات من أجل المشاركة، ومراقبة المعايير والملاءمة الثقافية، وإدارة الاتحادات والأندية السعودية المحلية. وفي الوقت نفسه، تضطلعان كذلك بدور مزدوج؛ فنظرًا لحقيقة أن هذه القطاعات جديدة، قال المسؤولون في كلتا المنظمتَيْن: إنهم احتاجوا إلى التعاون مباشرةً مع الشركات الدولية؛ لجلب الأحداث التي تُثير الاهتمامَ في قطاعاتهما.
قبلَ جائحة كوفيد -19، كان قطاع البناء السعودي في خِضم طفرة غير مسبوقة منذ أن تجاوز سعر النفط 100 دولار للبرميل. ففي عام 2019م، منحَت المملكة العربية السعودية عقودًا بقيمة 52.6 مليار دولار، أي ضعفَيِ المبلغ تقريبًا مقارنةً بالعام السابق. وجاءت هذه الزيادةُ مدفوعةً بالتزام الحكومة بالوفاء ببرامج تحقيق الرؤية؛ وهو ما أدى إلى زيادة الإنفاق على قطاعات مختلفة، راوَحَت بين الإسكان، والترفيه، وتطوير النفط والغاز.
وقد شاركت الولايات المتحدة مشاركةً كبيرةً في تطوير البنية التحتية السعودية منذ تأسيس المملكة. لكن وتيرة المشاركة والانضمام إلى تلك المشاريع لم تتسارع إلا في الوقت الحاضر؛ إذ أبرمَت الشركات الأميركية عقودًا لتطوير مشاريع في المملكة العربية السعودية تبلغ قيمتها أكثر من 700 مليار دولار. وتأتي على رأس الشركات الهندسية الأميركية التي حصلت على أكبر قدر من الأعمال في المملكة العربية السعودية: مجموعة جاكوبس الهندسية، وشركة فلور، وشركة كي بي آر، التي أنجزت أو تعمل على أكثرَ من 500 مشروع. وتعمل هذه الشركات الثلاث حاليًّا في مشاريع بقيمة تعاقدية إجمالية تبلغ 225 مليار دولار.
وقد أدَّى الوباءُ، كما هو مُتوقَّع، إلى تباطؤ النمو السريع لقطاع البناء السعودي؛ ورغم أن البيانات متاحة حاليًّا للأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020م فقط، فقد أُبرمَت عقودٌ تُقَدَّر بـ 16.9 مليار دولار خلالَ تلك المدة. وأدَّت التخفيضاتُ في الميزانية السعودية على الإنفاق الرأسمالي والإنفاق على البنية التحتية إلى انخفاض النمو كذلك؛ فقد سعت الحكومة لتقليص العجز عبر مجموعة من الإجراءات المالية. ومع ذلك، هناك سبب للاعتقاد أن الإنفاق سوف ينتعش بسرعة في حقبة ما بعد الوباء؛ إذ قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في نوفمبر: إن صندوق الثروة السيادية للمملكة سيضخ 40 مليار دولار سنويًّا في الاقتصاد المحلي في عامَيْ 2021 و 2022م، ومن ثمَّ أعلن في مبادرة الاستثمار المستقبلي في ينايرعن مشروع تنموي يدعى”إستراتيجية الرياض”؛ وهو ما يشير إلى استمرار مستوى عالٍ من الدعم الحكومي للإنفاق على البنية التحتية.
في السنوات الأخيرة، دعمَت المشاريعُ العملاقة في المملكة قطاعَ البناء، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مشروع نيوم، ومشروعُ تطوير البحر الأحمر ومشروع القدية، ومشروعُ أمالا؛ فقد أعلنَت شركة البحر الأحمر للتطوير في ديسمبر أنها أبرمَت أكثرَ من 500 عقد بقيمة تقارب 4 مليارات دولار. وأبرمت القدية عقودًا بأكثرَ من 500 مليون دولار، وصرَّح رئيسُها التنفيذي بأنها تخطط لمنح مليارَي دولار إضافية في المستقبل القريب. وقد أبرمت أمالا أكثرَ من 100 عقد بقيمة إجمالية تزيد على مليار دولار. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات معلنة متاحة حولَ الالتزامات التعاقدية الإجمالية لشركة نيوم حتى الآن، فإن التقاريرَ أفادت بأن المدينة العملاقة ستُموَّل تمويلًا كاملًا من خلال استثمار يزيد على 500 مليار دولار.
وقد أبرمت الشركات الأميركية بعض العقود الكبرى لتطوير هذه المشاريع العملاقة. وكما ذكرنا سابقًا، تلعب شركة سيكس فلاجز دورًا رائدًا في تطوير القدية. وفي الوقت نفسه، حصلَت شركة البناء العملاقة بكتل على عقد لتطوير نيوم؛ ففي أغسطس، أبرمَت عقدًا لتطوير البنية التحتية الأساسية للمدينة العملاقة، التي ستتضمن «نظامَ نقل متقدمًا للغاية».
وتمثل شركة أميركية أخرى، وهي شركة إير برودكتس آند كيميكالز، جزءًا من مشروع مشترك بقيمة 5 مليارات دولار في نيوم، سيُطَوِّر أكبرَ منشأة هيدروجين أخضر في العالم؛ وإذا ما وصلَت هذه المنشأةُ إلى أهدافها المُعلنة، فستكونُ أكبرَ 80 مرة من أقرب منافس لها. وقدَّمَت ثماني شركات معمارية وهندسية وشركات تصميم أميركية استشاراتٍ بشأن المشروعات التي تشكل جزءًا من مشروع تطوير البحر الأحمر؛ وربما تكون المساهمة الأكثرُ أهميةً من نصيب شركة إيكوم، التي أبرمَت عقدًا للإشراف على مطار المشروع، كذلك حصلَت الشركة على عقد لتقديم دعم البنية التحتية في نيوم.
وكان العديد من الشركات التي تضطلع بأدوار بارزة في هذه المشاريع العملاقة فاعلين بارزين بالمثل في المشاريع العملاقة في السنوات الماضية. على سبيل المثال، شاركت إيكوم في أكثر من 100 مشروع في المملكة العربية السعودية، من بينها تطوير مدينة الملك خالد الطبية بالدمام، والخطة الرئيسة لشبكة مياه الأمطار في جدة. وكان لشركة بكتل دور رئيس في تطوير مدينة الجبيل الصناعية، ومطار الملك خالد بالرياض.
على الرغم من أن قطاع التعدين لا يحظى بالجماهيرية نفسها التي يحظى بها قطاع الترفيه أو المشاريع العملاقة، فإنه قد شهد توسعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة؛ إذ وَضَع برنامـجُ تطويـر الصناعـة الوطنيـة والخدمـات اللوجسـتية في المملكة -وهو أحدُ برامج تحقيق الرؤية الـ 13 التي أُعلن عنها بوصفها جزءًا من أجندة رؤية 2030- خططًا للتوسع في قطاع التعدين.
كان قطاع التعدين مجالَ اهتمام خاص للشركات الأميركية، التي دخلت في شراكة مع شركة معادن السعودية في مجموعة متنوعة من المشاريع. تمثل هذه المشاريع المشتركة بعضًا من أكبر المشاريع التي تشارك فيها الشركات الأميركية في المملكة العربية السعودية؛ فثلاثةٌ مشاريع من أصل أكبر عشرة مشاريع أميركية سعودية مشتركة من حيث رأس المال المدفوع، هي في صناعة التعدين.
كانت الشركة الصناعية الأميركية ألكوا من أوائل الشركات التي دخلت هذه السوق، وقد أَطلقَت في ديسمبر 2009م مشروعًا مشتركًا بقيمة 10.8 مليارات دولار مع شركة معادن لتطوير مجمع للألمنيوم في منجم للبوكسيت بالقرب من مدينتَيْ بريدة وميناء رأس الخير. وتمتلك شركة معادن 75% من المشروع، بينما تمتلك ألكوا النسبة المتبقية البالغة 25 %؛ وعلى الرغم من تخلي الشركة الأميركية عن جزء من المشروع في صيف 2019م، فإنها لا تزال تحتفظ بحصة في شركتين من الشركات الثلاث التي تشكل هذا المشروع. وقد بلغت القيمة الدفترية لأصول ألكوا في المشروع 603 ملايين دولار في نهاية عام 2019م، وفقًا لتقرير الشركة السنوي المقدَّم إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات.
في عام 2013م، أنشأت شركةُ التعدين «ذا موزايك كومباني» مشروعًا مشتركًا بقيمة 8 مليارات دولار لمجمع لاستخراج الفوسفات وتحويله إلى منتجات أسمدة. وتمتلك شركة معادن 60٪ من هذا المشروع، بينما تمتلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) 15٪، وتمتك موزايك نسبة 25٪ المتبقية. ويُنتج المصنع سنويًّا 3.5 ملايين طن من الأسمدة المصنوعة من الفوسفات ومنتجات أخرى.
أخيرًا، استحوذت شركة الكيماويات الأميركية «ترونوكس ليمتد» في عام 2019م على أعمال الشركة الوطنية لثاني أوكسيد التيتانيوم المحدودة (كريستل)، وهي شركة مقرها جدة، مقابلَ مليار مليار وسبعمئة مليون دولار. وبعد الاستحواذ، أصبحت الشركةُ الأميركية ثانيَ أكبر مُنتِج لثاني أوكسيد التيتانيوم في العالم؛ إذ شغَّلَت تسعة مصانع تزيد مبيعاتها على ملياري دولار وخمسمئة مليون . واستحوذت ترونوكس كذلك على 90٪ من منشأة مصهر خبث التيتانيوم في جازان مقابلَ 36 مليون دولار.
مثلما تتدفق الاستثمارات الأميركية إلى المملكة العربية السعودية، تتدفق ثروة المملكة إلى الولايات المتحدة؛ فمنذ أن بدأت عائدات النفط تملأ الخزائنَ السعودية، رأى المسؤولون في المملكة الولايات المتحدةَ بيئةً آمنة ومربحة لأصولهم.
إحدى الطرائق الأساسية التي تستثمر بها المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة هي شراء الديون الأميركية؛ ففي ديسمبر 2020م، امتلكت المملكة العربية السعودية 134.4 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية؛ وهو ما جعلها تحتل المرتبة الـ 14 بين أكبر حائزي الديون الأميركية في العالم، والأولى في الشرق الأوسط بفارق كبير.
وقد انخفضَت الحيازاتُ السعودية عن بداية عام 2020م؛ إذ كانت تبلغ 183 مليار دولار. ومع ذلك، ففي حال توسيع النطاق الزمني، نَجِدُ أن مشتريات المملكة من الديون الأميركية قد زادَت زيادةً كبيرة في السنوات الأخيرة؛ فقد تضاعفت الحيازاتُ السعودية تقريبًا خلالَ السنوات العشر الماضية؛ إذ بلغت 67 مليار دولار في ديسمبر 2010م. وبالعودة إلى الوراء، فقد زادت أكثر من 500٪ منذ ديسمبر 2005م (22.1 مليار دولار)، وأكثر من 1000٪ منذ ديسمبر 2000م (11.7 مليار دولار).
وتُعَدُّ إتاحة البيانات المتعلقة بالحيازات السعودية للديون ونشرها للعامة تطورًا حديثًا نسبيًّا؛ ففي عام 2016م، بدأت وزارة الخزانة الإبلاغ عن الحيازات السعودية للديون لأول مرة، وقبلَ ذلك، كانت المملكة تندرج مع دول أخرى تحتَ تصنيف «الدول المصدرة للنفط»؛ وهو ما يجعل من المستحيل تحديد مقدار حيازاتها الفردية.
عندما بدأت المملكة العربية السعودية شراء ديون الحكومة الأميركية لأول مرة في عام 1974م، خاضت مواجهةً دبلوماسية متوترة مع واشنطن العاصمة. فقد كانت المملكة غاضبة من الدعم الأميركي لإسرائيل خلالَ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973م، ومن ثمَّ قادَت حظرًا نفطيًّا يستهدف الولايات المتحدة والدول الأخرى الداعمة لإسرائيل.
رأَت الحكومةُ السعودية فوائد شراء سندات الخزانة الأميركية، لكنها أرادت أيضًا تجنُّب انتقادات منافسيها العرب لعلاقاتها الوثيقة بواشنطن، واستباق الانتقادات الأميركية للسلطة التنفيذية بسبب تعاملاتها مع الرياض؛ لذلك تطلَّب الأمرُ أن تظل مشترياتها من الديون الأميركية «سرية للغاية». حافظَت وزارةُ الخزانة من جانبها على سرية الصفقة، وأحكَمت قبضتها المشددة كذلك على المعلومات؛ حتى إنها اشتكَت ذات مرة إلى وكالة المخابرات المركزية لشفافيتها الزائدة حولَ الحيازات السعودية.
أنشأَت الشركاتُ السعودية شركاتٍ تابعةً لها في الولايات المتحدة؛ وقد بلغَ الاستثمار السعودي المباشر في الولايات المتحدة ذروتَه في عام 2017م، ليصل إلى 14.9 مليار دولار، وبلغ 13.2 مليار دولار في عام 2019م. وقد وُظِّفَ ما يُقَدَّر بنحو 8500 عامل أميركي في شركات أميركية تابعة لشركات سعودية في عام 2018م، وهو العام الأخير الذي تتوافر عنه بيانات.
هذه الأرقامُ لا تمثل رؤيةً شاملة للاستثمار السعودي في الولايات المتحدة؛ فعلى الرغم من أن مكتب التحليل الاقتصادي يطلب من الشركات الأميركية استكمال المسوحات السرية السنوية والفصلية التي يستخدمها لإصدار إحصاءات عن الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن الحكومة السعودية لا تنشر أيَّ بيانات معادلة حولَ أنشطة شركاتها. ففي الولايات المتحدة، يسمح نظام تشكيل الشركات ذات المسؤولية المحدودة لأصحاب الأعمال -ومن بينهم رجال الأعمال السعوديون- بإخفاء الهوية عن النشر العمومي.
أحد الاستثناءات الملحوظة لهذا الافتقار إلى الشفافية هو أرامكو السعودية، التي أصدرَت معلوماتٍ مستفيضةً حولَ حيازاتها قبلَ طرحها العام الأَوَّليّ لعام 2019م. وتمتلك الشركةُ واحدةً من أكبر الأذرع الاستثمارية في المملكة العربية السعودية، ولديها أكثر من سبع شركات تابعة مقارُّها الولايات المتحدة.
وأهمُّ هذه الشركات التابعة هي شركة «موتيفا إنتربرايزز إل إل سي»، التي تمتلك وتدير مصفاةً للنفط الخام في بورت آرثر بولاية تكساس. وهي أكبرُ مصفاة من هذا النوع في أميركا الشمالية، قادرة على تكرير 635 ألف برميل من النفط الخام يوميًّا. وتُوظِّفُ ما يقرب من 2700 شخص، وبلغ إجمالي أصولها 13.8 مليار دولار في نهاية عام 2018م. في البداية كانت شركة أرامكو مشتركة مع شركة شل، ثم استحوذَت على الملكية الكاملة في مايو 2017م. ومنذ ذلك الحين، أجرَت شركة النفط السعودية العملاقة توسُّعًا قيمتُه 6.6 مليارات دولار لتوسيع إنتاج المصفاة من البتروكيماويات، رغم أن تلك الخطط قد تأخرَت، وفقَ ما أفادَته التقاريرُ؛ بسبب تراجع الصناعة الأخير. وفي أكتوبر 2019م، استحوذَت موتيفا على «فلينت هيلز»، التي تمتلك وتدير مصنعًا كيميائيًّا يقع في بورت آرثر، تكساس.
وقد وقَّعَت الشركةُ السعودية للصناعات الأساسية (سابك) مشروعًا مشتركًا بمليارات الدولارات مع شركة «إكسون موبيل» في يونيو 2019م لبناء منشأة للبتروكيماويات في تكساس. ومن المتوقع أن يُوفِّرَ المشروع أكثرَ من 600 فرصة عمل، وقَدَّرَت دراسةٌ مستقلة أنه سيُوَلِّد 50 مليار دولار من الناتج الاقتصادي في السنوات الست الأولى من تشغيله.
هذا، وتتجاوز الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة قطاعَ النفط والغاز؛ فعلى سبيل المثال، تمتلك شركة الألبان السعودية المراعي 14000 فدان من الأراضي الزراعية في أريزونا وكاليفورنيا. وقد وسَّعت الشركةُ استثماراتها في الولايات المتحدة بعدَ أن نفَّذت المملكة العربية السعودية تدابيرَ صارمةً للحفاظ على المياه لضمان حماية سلسلة التوريد الخاصة بها من مشكلات الطقس والنقل. وفي عام 2014م، أكملَت المراعي صفقةً بقيمة 47.5 مليون دولار لشراء أكثرَ من 9800 فدان في مقاطعة لا باز، أريزونا. واشترَت ما يقرب من 4000 فدان إضافي في العامَيْن التاليين في وادي بالو فيردي بكاليفورنيا.
وفي السياق نفسه، فإن لعدد من الشركات العائلية السعودية والتكتلات التجارية استثمارات كبرى في الولايات المتحدة؛ فعلى سبيل المثال، تمتلك مجموعة العليان مكتبًا في نيويورك يُشرف -وفقًا لموقعها على الإنترنت- على محفظة تتضمن استثماراتٍ في قطاعات مثل: الشركات المالية، وشركات الاتصالات، وشركات تصنيع المنتجات الاستهلاكية، والعقارات. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات محاسبية شاملة ومتاحة للعامة عن أصول الشركة، فإن النشرات الإخبارية للمجموعة تُسلِّطُ الضوءَ على بعض عمليات الشراء والمبيعات الرئيسة، ففي عام 2014م، دخلَت في مشروع مشترك استحوذ على تسعة مجمعات سكنية في ميريلاند وفيرجينيا مقابلَ 309 ملايين دولار أميركي، حسبَ ما أُعلِن عنه. وفي عام 2016م، دخلَت في شراكة مع شركة أوروبية لشراء ناطحة سحاب في وسط مانهاتن مقابلَ مليار دولار وثلاثمئة مليون، ومنذ ذلك الحين أعلَنت عن تجديد بقيمة 300 مليون دولار للعقار.
لا شك أن المستثمرين السعوديين الآخرين يمتلكون استثماراتٍ أميركيةً كبيرة. على سبيل المثال، أشارت شركةُ سدكو القابضة المملوكة لإحدى العائلات، في تقريرها السنوي الأخير، إلى أنها تُشرف على محفظة من الأصول العقارية الدولية التي تشمل عقاراتٍ أميركيةً. ولكن مع وجود القليل من متطلبات الإفصاح التي وضعتها الولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية، لا تُوجد بيانات محاسبية شاملة للاستثمارات السعودية.
ساعدَت المملكة العربية السعودية أيضًا في تمويل مجموعة واسعة من الشركات الأميركية؛ ففي أواخر عام 2018م، استثمرَت ما لا يقل عن 11 مليار دولار في الشركات الأميركية الناشئة؛ وهو ما يجعلها أكبرَ مصدر منفرد لتمويل هذه الشركات. وفي عام 2020م، تداوَلَ المستثمرون السعوديون العاملون من خلال وسطاء مرخصين من جانب «هيئة أسواق المال» في الأسهم الأميركية بقيمة 86 مليار دولار؛ بزيادة هائلة مقارنة بالسنوات السابقة.
ويُعَدُّ صندوق الثروة السيادي للمملكة، والمعروف باسم «صندوق الاستثمارات العامة» أبرز المستثمرين في أسواق الأسهم الأميركية. وقد كشفَت تقاريرُه ربع السنوية المقدمة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات عن حيازاته، التي زادت زيادةً كبيرة بمرور الوقت. ففي نهاية عام 2020م، أبلغَ عن حيازته ما يقرب من 12.8 مليار دولار من الأسهم الأميركية، بزيادة تتعدى 80٪ مقارنة بنهاية الربع الثالث من عام 2020م. وأكبرُ شركة أميركية يمتلكها هي أوبر تكنولوجيز، التي كان من أوائل المستثمرين فيها، وقد زادَت قيمةُ الأسهم بأكثرَ من مليار دولار أميركي مقارنةً بالربع السابق.
وغالبًا ما يجري التنسيق في عمليات الاستحواذ بين صندوق الاستثمارات العامة والقطاعات المحلية التي تأمل المملكة في تطويرها؛ فقد شملَت مشترياته الأخيرة ما يقرب من مليارَيْ دولار وخمسمئة مليون في أسهم شركات ألعاب الفيديو الأميركية «إلكترونيك آرتس»، و«أكتيفيجنبليزارد»، وهو يسعى كذلك لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية والرياضات الإلكترونية المحلية. وله استثمارات أخرى في أسهم الترفيه والسياحة؛ فهو لا يزال يمتلك أكثر من 900 مليون دولار من أسهم شركة الترفيه «لايف نيشن»، وأكثر من مليار دولار في «كارنيفال كوربرايشن»، أكبر مشغل لخطوط الرحلات البحرية في العالم. ولطالما سعَت صناديق الثروة السيادية إلى استخدام النفوذ المالي الذي تُوفِّرُه مثل هذه المشتريات لجذب الشركات للاستثمار في أسواقها المحلية.
كانت القطاعات المتعلقة بصناعة النفط والغاز أولى استثمارات المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة، ولا تزال هذه الاستثمارات قائمةً؛ فقد أطلقَت مشاريع أرامكو السعودية للطاقة في عام 2012م صندوقًا قيمته 500 مليون دولار للاستثمار في التقنيات ذات الأهمية لعملاق النفط، وأعلنَت مؤخرًا عن خُطَطٍ لإنشاء صندوق آخر بقيمة 500 مليون دولار. لكن التدخلات الأخيرة من جانب صندوق الاستثمارات العامة تُمثِّل تحولًا أكبرَ في إستراتيجية الاستثمار السعودية بعيدًا من هذه الصناعات الثقيلة، ونحوَ قطاعَيِ التكنولوجيا والترفيه.
يستثمرُ كلٌّ من الحكومة السعودية والمواطنين السعوديين في الشركات الأميركية عبر مجموعة متنوعة من الآليات الأخرى؛ فقد استثمر صندوق الاستثمارات العامة 45 مليار دولار في «صندوق فيجن» التابع لمجموعة «سوفت بنك»، الذي يستثمر بكثافة في أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية. في تلك الأثناء، استثمَرت شركةُ المملكة القابضة أكثرَ من 200 مليون دولار في شركة «ليفت» للنقل التشاركي. ولا تُوجَد تقارير شاملة عن مشتريات الأسهم التي أجراها مستثمرون سعوديون من القطاع الخاص؛ لذلك قد يكونُ الرقم أعلى من ذلك بكثير.
في عام 1969م، اضطلع عبدالمنعم شاكر -من أصول مصرية، ويعمل أستاذًا بكلية ريكر بولاية مين- بترتيب لقاء مع الملك فيصل بن عبدالعزيز. كانت لدى شاكر فكرة مفادها إنشاء برنامج لدراسة العالم الإسلامي في كليته الصغيرة للفنون الحرة، وكان يأمل أن تمدَّه الحكومةُ السعودية بالأموال لجعل ذلك ممكنًا. وقد تحقق ما كان يأمله؛ إذ قدم له الملكُ فيصل دعمًا ماليًّا قدره 50 ألف دولار (أي مايعادل350 ألف دولار اليوم)، واستمر البرنامج إلى أن أغلقَت كلية ريكر أبوابَها في السبعينيات.
ومن المحتمل أن يكون هذا التبرع هو أول منحة أجنبية تمنحها دولةٌ عربية لمؤسسة تعليمية أميركية. وعلى مدى نصف القرن الماضي، وسَّعَت المملكةُ العربية السعودية تبرعاتها للجامعات الأميركية توسيعًا كبيرًا؛ وذلك ضمنَ مساعيها لتطوير شراكاتٍ مع كبار الباحثين، والتأثير في الحوار الأكاديمي حولَ المملكة والشرق الأوسط.
قدَّمَت المملكة العربية السعودية أكثرَ من 390 مليون دولار على هيئة مِنَحٍ للجامعات الأميركية منذ عام 2000م، وهي نسبةٌ تتفوق فيها بفارق كبير على أيِّ بلد في الشرق الأوسط. وقد قُدِّمَت هذه المِنَح إلى 62 جامعةً. وكانت الجامعات التي حصلت على أكبر عدد من المِنَح هي بعض أبرز الجامعات في الولايات المتحدة؛ فقد تلَّقَت جامعة هارفارد تسعَ منح بقيمة إجمالية قدرها 19.5 مليون دولار، وحصلَت جامعة جونز هوبكنز على 45 منحة بقيمة 48 مليون دولار، وتلقى معهد ماساتشويستس للتكنولوجيا 18 منحةً بقيمة 94 مليون دولار.
وحين تكونُ إحدى هذه المِنَح في إطار عقود موقعة بين المملكة العربية السعودية والجامعات الأميركية، فإن هذا الرقم يزيد زيادةً كبيرةً. وقد بلغَت القيمةُ الإجمالية لهذه العقود أكثرَ من مليار دولار وثلاثمئة مليون منذ عام 2000م، معظمُها على هيئة دعم سعودي للمِنَح الطلابية في الولايات المتحدة. وبذلك يتجاوز إجمالي المِنَح والعقود التي قدمتها المملكة العربية السعودية للجامعات الأميركية مليار دولار وسبعمئة مليون.
هذه البياناتُ مأخوذة من وزارة التعليم الأميركية، وهي مطالَبة بالإفصاح عن المِنَح والعقود الأجنبية التي تزيد على 250 ألف دولار بموجب قانون التعليم العالي لعام 1965م. ومع ذلك، لم يحدث التزام كامل بهذا القانون منذ وقت طويل؛ فالجامعات مطالبة بالإبلاغ الذاتي، وقد أبلغَت المدارس البيانات بشكل مختلف، وفي بعض الحالات لم تُقَدِّمْ أيَّ بيانات على الإطلاق. وفي عام 2020م، اتخذَت وزارة التعليم إجراءاتٍ جديدةً لضمان الامتثال للقانون، بعدَ أن انتقد تقريرٌ من مكتب المستشار العام عدةَ جامعات لتجاهلها متطلبات الإبلاغ.
ومع ذلك، من المُرجَّح أن تستمر البياناتُ الرسمية في عدم الإبلاغ عن المِنَح والعقود الأجنبية للجامعات الأميركية، ومنها تلك التابعة للمملكة العربية السعودية. ويتضح هذا جليًّا عندما يتعلق الأمر بدعم المِنَح الدراسية للطلاب السعوديين؛ فبالنظر إلى ما نعرفه عن عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الولايات المتحدة، من المرجح أن الأموال التي تُنفقها الحكومة السعودية على تعليمهم أعلى بكثير مما أُبلغ عنه.
تأتي الشراكةُ الاقتصادية الأميركية السعودية لتُغَيِّرَ تمامًا الصورةَ النمطية الشائعةَ؛ فالعلاقةُ لا ترتكز على النفط والأسلحة فحسب، ولكنها تشمل أيضًا بيعَ السيارات والمعدات الطبية، والمشاريع المشتركة لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء، وتطوير البنية التحتية للمدن العملاقة الجديدة في البلاد، وتمويل بعض الشركات الأميركية الأكثر ابتكارًا. وتبلغ قيمة هذه الأعمال العديد من مليارات الدولارات، وتوفر آلاف الوظائف في كلا البلدين.
كذلك نمَت العلاقات الاقتصادية متعددة الأوجه مع مرور الوقت؛ فإلى جانب مشاركة الشركات الأميركية المستمرة في مجموعة واسعة من الأنشطة في المملكة العربية السعودية، فإن السلع التي تصدرها والخدمات التي تقدمها تزداد تنوعًا. ومع سعي المملكة لجذب الشركات الدولية إلى قطاعات جديدة، يصير من المرجح تزايد حجم الشراكات الاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن تأثير العلاقة الأميركية السعودية لا يقاس بالدولار والسنت فحسب؛ فقد كان لعلاقة المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة تأثيرٌ ثقافي كبير في مواطنيها. إن العدد الكبير من الطلاب السعوديين الذين درسوا في الجامعات الأميركية، وتدفُّق خيارات الترفيه الأميركية مع إطلاق رؤية 2030، ليَعِدُ بمزيد من التوسُّع في وصول الثقافة الأميركية إلى المملكة.
وفي الوقت نفسه، لا يزال التبادل الثقافي، إلى حدٍّ كبير، يسلك مسارًا أحاديًّا: فعلى الرغم من أن أعدادًا كبيرة من السعوديين قد تعرفوا إلى الولايات المتحدة، فإن نسبة الأميركيين الذين لديهم خبرة بالمملكة لا تزال منخفضة. وقد يؤدي نظام التأشيرات الإلكترونية الجديد في المملكة العربية السعودية وزيادة خيارات السياحة في المملكة في النهاية إلى زيادة عدد الزُّوّار الأميركيين، لكن جائحةَ فيروس كورونا قد وقفَت عقبةً أمامَ تحقيق ذلك حتى الآن. كما أنه على الرغم من عمل وزارة التعليم السعودية على خطة لجذب الجامعات الأجنبية كي تفتح فروعًا لها في المملكة، فإنه لا تُوجَدُ فعليًّا في الوقت الحالي فرص للأمريكيين الراغبين في الدراسة في المملكة.
هناك أيضًا فجوات كبيرة في البيانات المتعلقة بالعلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية، ويتضح هذا عندما يتعلق الأمر بالاستثمار الأميركي في المملكة العربية السعودية، لكنه يصبحُ أكثرَ وضوحًا عند النظر إلى الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة. ويجب أن تنظر الحكومة السعودية في تنفيذ مسح إلزامي وسري، مثل ذلك الذي تستخدمه وزارة التجارة الأميركية؛ لاكتساب فهم أفضلَ لاستثمارات الشركات السعودية في الخارج. ومن شأن خطوةٍ كهذه أن تُؤدِّيَ إلى مزيد من الشفافية للباحثين وصُنّاع السياسات على حدٍّ سواء، وإلى زيادة معرفتنا بالنطاق الحقيقي للعلاقات الاقتصادية الأميركية السعودية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر