جائحة فيروس كورونا

المخاطر المحدقة بالتعافي وآثار التدابير النقدية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 10 مارس 2021

وليام رودس – ستيوارت ماكنتوش

 

على مدار العام الماضي، قدمت حكومات البلدان الغنية وبنوكها المركزية حوافز مالية ونقدية غير مسبوقة للمساعدة في التخفيف من الأثر الاقتصادي المترتب على جائحة فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19).

وسوف تتطلب العودة إلى الوضع الاقتصادي الطبيعي ــ أياً كانت الهيئة المعدلة التي سيتخذها في عامي 2021 و2022 ــ أن تبدأ الاقتصادات المتقدمة فطام نفسها عن الدعم الرسمي قبل أن يمر وقت طويل، وبالتالي تجنب التعقيدات الجديدة الخطيرة.

على جبهة السياسة النقدية، فعلت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم كل ما يلزم لتهدئة الأسواق المالية عندما اندلعت الجائحة في ربيع عام 2020. ومنذ ذلك الحين حافظت البنوك المركزية على موقف داعم بشدة، في ظل أسعار فائدة منخفضة تاريخياً وفي بعض الحالات سلبية. أعاد صناع السياسات النقدية استخدام وتوسيع الأدوات القائمة، وصمموا أدوات جديدة وفقاً للحاجة.

أدت هذه الجهود الحاسمة إلى تضخيم ميزانيات البنوك المركزية العمومية الكبرى إلى حد كبير. في شهر ديسمبر من عام 2020، كانت الأصول المجمعة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، وبنك الشعب الصيني، عند مستوى مذهل بلغ 28.6 تريليون دولار أمريكي.

واستحوذ البنك المركزي الأوروبي على 8.5 تريليونات دولار من هذا الإجمالي، والاحتياطي الفيدرالي على 7.3 تريليونات دولار، في حين بلغ إجمالي أصول بنك اليابان 6.8 تريليونات دولار، وبنك الشعب الصيني 5.9 تريليونات دولار.

على نحو مماثل، لاحقت حكومات الاقتصادات المتقدمة سياسات مالية عنيفة تاريخياً، فألغت القيود على الإنفاق لتوفير دعم واسع وغير مُـمَـيّـز إلى حد كبير للعديد من المحتاجين إليه والمستحقين له.

وتشير تقديرات مجموعة الثلاثين إلى أن الدعم المالي المباشر الموجه إلى الشركات والموظفين والعاطلين عن العمل خلال أزمة «كوفيد 19» يتجاوز الآن 12 تريليون دولار على مستوى العالم. وحالت هذه المساعدة، بدعم من إجماع سياسي واسع، دون الانزلاق إلى كساد عظيم ومشاق واسعة النطاق.

الواقع أن العديد من تدابير الطوارئ هذه كانت ضرورية ولا يمكن تجنبها. ولكن بينما يتطلع صناع السياسات إلى التعافي المحتمل خلال الفترة 2022-2021، يجب أن يتحروا اليقظة والحرص بشأن التأثيرات الجانبية المترتبة على التحفيز النقدي والمالي المطول. تواجه الولايات المتحدة والدول الغنية العديد من المخاطر أثناء محاولتها إعادة تأهيل وتشكيل اقتصاداتها.

بادئ ذي بدء، قد يتحول ارتفاع أسعار الأسهم الحالي بسرعة إلى صداع شديد مع انحسار التحفيز الرسمي. كانت الأسهم في ارتفاع سريع، مستفيدة من تدفقات السيولة الضخمة والأموال السهلة، مع إقبال المستثمرين المتعطشين للعوائد على تكديس الأصول الخطرة.

علاوة على ذلك، تدرك الأسواق ضمناً أن البنوك المركزية تقف حالياً وراء معظم فئات الأصول، مما يزيد من القدرة على تحمل المخاطر. ويساعد هذا في تفسير الارتفاع الأخير، والتراجع المتذبذب، والارتداد اللاحق الذي سجلته عُـملة البيتكوين، والموجة العارمة التي تحركها وسائط التواصل الاجتماعي.

والتي ضغطت على صناديق التحوط التي كانت تبيع على المكشوف شركة التجزئة GameStop. ويستمر بلا هوادة الاندفاع الجنوني من قِـبَل شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، التي تجمع رأس المال من خلال طرح عام أولي، ثم تبحث عن شركات خاصة لشرائها.

لكن من المشكوك فيه أن طفرة الأسهم الحالية والبحث عن العائد من الممكن أن تستمر إذا سحب صناع السياسات التحفيز النقدي والمالي. وربما يكون تصحيح السوق الناتج عن ذلك حاداً ومؤلماً، وسوف يتكبد العديد من المستثمرين ثمناً باهظاً.

يتعلق خطر ثان بألم الشركات، ساعد حجم الدعم الذي قدمته الدولة حتى الآن في الإبقاء على معدلات إغلاق الأعمال والإفلاس أقل من المعتاد في أغلب الاقتصادات المتقدمة. ولكن مع اتجاه الحكومات والبنوك المركزية إلى خفض وتقييد الدعم، كما ينبغي لها، ستستأنف عملية التدمير الـخَـلّاق عملها بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بل وحتى بعض الشركات الأكبر حجماً.

لن تتمكن العديد من الشركات المتعثرة التي ظلت قائمة حتى الآن بفضل السخاء الحكومي من الوفاء بديونها والاستمرار في اقتصاد ما بعد الجائحة. ويجب أن يسمح لها صناع السياسات بالإفلاس، أو الاستحواذ عليها، أو إغلاق أبوابها. وسوف يُـفضي هذا الإدراك والسماح لعمليات السوق الطبيعية بالعمل إلى إلحاق الأذى بالعديد من الشركات والموظفين، وتكبيل البنوك بالقروض المتعثرة. ولكن سيكون لزاماً على الاقتصادات أن تتحمل الألم، لأنه لا يوجد بديل.

يتمثل خطر ثالث في أن مصادر العدوى الأخرى ــ التي ربما يكون محافظو البنوك المركزية والمشرفون عليها غير مجهزين للتصدي لها ــ قد تطلق العنان لعدوى اقتصادية جديدة. على سبيل المثال، قد تأتي المخاطر من قطاع الظل المصرفي الهائل الحجم والمتزايد النمو، والذي يقدر مجلس الاستقرار المالي أصوله المالية في عام 2018 بنحو 50.9 تريليون دولار، بما يعادل %13.6 من الإجمالي العالمي.

والمخاطر الأخرى التي تهدد الاستقرار الاقتصادي وفيرة، من الهجمات السيبرانية وإخفاقات الذكاء الاصطناعي إلى الضغوط التي تفرضها أسواق السندات والعجز عن سداد الديون السيادية. مع تعافي الاقتصادات من الجائحة، لا يستطيع محافظو البنوك المركزية والجهات التنظيمية تحمل ترف تجاهل مخاطر جديدة ناشئة في الأسواق والتكنولوجيات المالية غير الخاضعة للإشراف، أو التخلي عن يقظتهم وحذرهم في القطاعات الخاضعة للإشراف.

أخيراً، هناك خطر الانتكاس. إذا فشلنا في تطعيم السكان بشكل كامل خارج الاقتصادات المتقدمة ضد فيروس كورونا، فإننا بهذا نخاطر بالسماح لمجموعات غير محصنة باحتضان سلالات جديدة من الفيروس، مما يؤدي إلى ظهور موجات جديدة من «كوفيد 19». وسوف يكلف تطعيم العالم لتفادي هذا السيناريو ما يقدر بنحو 38 مليار دولار ــ وهو ثمن ضئيل مقابل تعزيز التعافي الاقتصادي العالمي القوي. ويتعين على الدول الغنية أن تعمل على توفير الأموال اللازمة والتوقف عن تكديس واكتناز اللقاحات.

في مواجهة هذه المخاطر، يتعين على صناع السياسات في الاقتصادات المتقدمة أن ينتبهوا إلى الآثار الجانبية المترتبة على التدابير النقدية والمالية العنيفة. وسوف تكون مهمتهم أشد صعوبة إذا فشلت حكومات مجموعة العشرين ــ بقيادة الولايات المتحدة ــ في تسليم الموارد المتواضعة اللازمة لتحصين العالم ضد «كوفيد 19». ونحن ببساطة لا نستطيع تحمل الانتكاسات المتكررة، وتفشي الأوبئة، والجمود الاقتصادي.

 

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر