العقوبات على ميانمار | مركز سمت للدراسات

عدم فاعلية العقوبات الاقتصادية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 3 مارس 2021

سارانش ميشرا

 

أثار الانقلاب الأخير الذي دبره جيش التاتماداو في ميانمار مخاوف وإدانات بالغة من جميع أنحاء العالم، حيث وصفته الدول بأنه “ضربة خطيرة للديمقراطية”. وفي أعقاب ذلك الانقلاب، سيطر الجنرال “مين أونج هلاينج” على البلاد، وتمَّ اعتقال القادة المدنيين، وحُجب الإنترنت، وفُرضت حالة الطوارئ لمدة عام.

وتماشيًا مع سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد ضد الأنظمة الاستبدادية، هدَّد الرئيس “جو بايدن” بإعادة فرض العقوبات على ميانمار التي تمَّ التراجع عنها تدريجيًا من قبل إدارة “أوباما”، وذلك بعد الشروع في الإصلاحات الديمقراطية في عام 2011. ويتوافق هذا التهديد مع الرواية الغربية التي حظيت بالترحيب الشعبي باعتبار أن ميانمار تمثل قصة “نجاح للعقوبات”. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة فاحصة على ميانمار والأنظمة الأخرى الخاضعة للعقوبات يسلط الضوء على عدم فاعلية العقوبات في تحقيق الأهداف المرجوة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدت العقوبات في كثير من الأحيان إلى تفاقم أوضاع حقوق الإنسان الموجودة مسبقًا، مما أدى إلى مزيد من المصاعب للشعوب، في حين ظلت الأنظمة سليمة.

تمثل العقوبات الاقتصادية أدوات لفن الحكم عندما يكون هناك استخدام أو تهديد باستخدام القوة الاقتصادية من قبل دولة أو منظمة دولية ضد دولة أخرى أو مجموعة دول لتغيير السلوك. وتتراوح هذه السلوكيات بين انتشار الأسلحة النووية، والإضرار بحقوق الإنسان، وإيواء الإرهابيين، والمشاركة في العدوان المسلح، واستبدال الحكومات القمعية الحالية. ويُفرض التهديد الاقتصادي في الغالب من خلال وسائل مثل: حظر الأسلحة، وتجميد الأصول والقيود التجارية، والتأشيرات وحظر السفر، إلى جانب وسائل أخرى.

ويكمن المنطق الأساسي وراء العقوبات في أنه نظرًا لأن الجهات الفاعلة معنية في المقام الأول بالنتائج الاقتصادية، فإنها ستضطر إلى الالتزام بمعايير سلوكية معينة نتيجة للتعبير عن الاستياء الرسمي من خلال العقوبات. وبالنسبة للغرب، تهدف العقوبات أيضًا إلى تعزيز فهم معياري للعالم، حيث يتم إنشاء الدوافع الأخلاقية من خلال العقاب أو التشهير لتثبيط الانخراط في السلوك المعاقب عليه. ومع ذلك، فمن المدهش أن دراسة تاريخية بقيادة الخبير الاقتصادي “غاري كلايد هوفباور” أظهرت أن معدل نجاح العقوبات بلغ 34% في 116 حالة تمَّ فحصها منذ عام 1914. وقد أعاد تحليل البيانات نفسها من قبل عالم السياسة “روبرت بابي” الرقم إلى مستوى سيئ عند 4%.

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ميانمار لأول مرة في عام 1988 للحد من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام العسكري، وتمت إضافة المزيد من العقوبات من خلال التشريعات والأوامر التنفيذية على مدى العقود التالية. ومع ذلك، فشلت العقوبات في تعزيز نتائج حكومة ميانمار بشأن تدابير الحريات المدنية والحقوق السياسية من 1990 إلى 2011. وقد واصلت الحكومة استخدام التعذيب والقتل والاختفاء لقمع المعارضة السياسية، والقمع المتكرر للأقليات العرقية خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن العقوبات المكثفة لم تمنع الهند وباكستان من الحصول على قدرات نووية، كما لم تمنع العقوبات المفروضة على روسيا التجاوزات في أوكرانيا أو الضم غير الديمقراطي لشبه جزيرة القرم. وبالمثل، أجرت كوريا الشمالية ست تجارب نووية على الرغم من فرض عقوبات اقتصادية متعددة الأطراف من قبل الولايات المتحدة في عام 2002 ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2006 فيما يتعلق بمواصلة برنامجها النووي.

وكثيرًا ما استشهد مؤيدو العقوبات بجنوب إفريقيا كمثال موثق لدولة شهدت تغييرًا سياسيًا بسبب الضغوط الاقتصادية الدولية. ومع ذلك، سيكون من الاختزال عزل تأثير العقوبات عن العديد من العوامل المحلية والدولية الأخرى التي ساهمت بنشاط في إنهاء نظام الفصل العنصري. يجادل “فيل ليفي” من جامعة ييل، بأن تأثيرات العقوبات قد تفوقت عليها بشكل مقنع عوامل أخرى مثل المعارضة السياسية القوية لأغلبية السود التي قادها “نيلسون مانديلا”، وعدم الكفاءة والتكاليف المتزايدة لنظام الفصل العنصري، بالإضافة إلى سقوط الاتحاد السوفييتي. كما يُعزى تخلي معمر القذافي عن البرنامج النووي الليبي عام 2003 واعترافه بتورطه في تفجيرات لوكربي عام 1988 إلى فرض عقوبات مطولة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن العوامل التي أدت إلى هذه التطورات تعدُّ قابلة للنقاش. وقد شدد العديد من مسؤولي إدارة “بوش” على غزو العراق عام 2003 وحظر سفينة متجهة إلى ليبيا مليئة بالمكونات المتعلقة بالمجال النووي كعوامل حاسمة. كما أرجع خبراء آخرون الفضل في استخدام الدبلوماسية من خلال التفاوض المشترك بدلاً من مجرد العزلة كعقاب كعامل حاسم. وتسلط الأمثلة المذكورة آنفًا الضوء بوضوح على عدم قدرة العقوبات على تسهيل التغيير السياسي بمعزل عن العناصر المحورية الأخرى.

تفشل العقوبات في المقام الأول بسبب العالم المعولم الذي نعيش فيه. ففي حين تؤدي العقوبات إلى إغلاق أحد الأسواق، فإن الدول المستهدفة يكون لديها الحرية في تحويل تركيزها الاقتصادي إلى أسواق أخرى وشركاء تجاريين من أجل الحفاظ على حجم تجارة جيد. ويتم التعامل مع اللاعبين الكبار مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي الذين يستخدمون العقوبات كفرصة من قبل الاقتصادات الناشئة الأخرى الكبرى مثل: الهند والصين وكوريا الجنوبية. وللاختلافات في السياسة الخارجية بين البلدان دور أساسي تلعبه في بقاء الاقتصادات الخاضعة للعقوبات. فعلى سبيل المثال، كانت سياسة الصين الخارجية طويلة الأمد، والمتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، ضرورية لصعود الصين كحليف اقتصادي مهيمن لميانمار منذ فرض العقوبات في حقبة الثمانينيات. فأرقام البنك الدولي تشير إلى أن ميانمار لديها تجارة بقيمة 5.5 مليار دولار أميركي مع الصين كل عام، وتشكل 33% من جميع الواردات والصادرات. وفي تناقض صارخ، كان التركيز المستمر للسياسة الخارجية الأميركية على انتشار الديمقراطية، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ليست من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين للبلاد. فقد واصلت الصين أيضًا إقامة علاقات اقتصادية كبيرة مع كوريا الشمالية التي تخضع لعقوبات شديدة، وقد زادت التجارة الثنائية عشرة أضعاف في الفترة ما بين 2000 – 2015؛ حيث بلغت ذروتها في عام 2014 عند 6.86 مليار دولار أميركي. وبالتالي، فإن العقوبات تبدو فاعلة بشكل أساس فقط ضد الأنظمة التي تريد التجارة مع أنظمة العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، تسعى العقوبات إلى دفع التغييرات السلوكية من خلال تشويه سمعة الدول التي تنتهك باستمرار المعايير السلوكية المقبولة عالميًا. ويمكن القول إن العقوبات نجحت بشكل معتدل في جنوب إفريقيا نتيجة لتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة طوال حقبة الحرب الباردة التي بسببها اهتمت بسمعتها. لكن من غير المجدي معاقبة أنظمة منبوذة مثل كوريا الشمالية وكوبا التي لا تتأثر بالرأي العام الدولي.

وباستثناء الفاعلية، فإن السوابق مثل العراق وكوريا الشمالية وإيران، تشهد أيضًا على الأزمات الإنسانية الهائلة التي تسببها مثل هذه العقوبات. ونتيجة للاعتماد المسبق على الواردات لثلثي إمداداته الغذائية، فقد أدى الحظر المالي والتجاري التأديبي المفروض على العراق في عام 1990 بسبب غزو الكويت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة كبيرة بلغت 1000 في% بين عامي 1990 – 1995؛ وهو ما أدى إلى زيادة معدل وفيات الرضع بنسبة 150٪، في حين توفي ما لا يقل عن 670 ألف طفل دون سن الخامسة بسبب ظروف الفقر المدقع.

وبشكل موازٍ، تُظهر تقديرات برنامج الغذاء العالمي لعام 2019 أن ما يقرب من 43.4% (11 مليونًا) من سكان كوريا الشمالية لا يزالون يعانون من نقص التغذية. ويشير التقرير إلى أن قيود التجارة الدولية لا تؤدي إلا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي القائم من قبل وسوء التغذية. ورغم الاستشهاد بإيران كقصة نجاح للعقوبات بسبب توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، فقد دفع العبء الاقتصادي لهذه العقوبات بالفعل 30% من السكان إلى الفقر المدقع بحلول عام 2017 – 2018. وتشير التقديرات إلى أن هذه الشريحة من السكان تعيش على 1.08 دولار أميركي في اليوم. كما قدَّر مركز أبحاث البرلمان الإيراني أن التضخم الناجم عن العقوبات سيؤدي إلى عيش ما يقرب من 57 مليون إيراني في فقر بحلول مارس 2020.

وتعتبر العقوبات بديلاً غير مكلف وسلمي للحرب، كوسيلة لفرض الانضباط وتعزيز السلام. ومع ذلك، فإن التكاليف البشرية المصاحبة تثير أسئلة ذات صلة حول جدواها. وفي عالم مترابط مثل عالمنا، فمن المحتم أن تفشل التدابير الانعزالية مثل العقوبات الاقتصادية الأحادية أو الثنائية ما لم يكن هناك تعاون دولي واسع النطاق وتوافق في الآراء. لذا، فإن المناهج المتميزة للسياسة الخارجية ضمنت عدم إمكانية الوصول إلى مثل هذا الإجماع. بالإضافة إلى ذلك، دفعت العقوبات الانعزالية الأنظمة الاستبدادية إلى مدارات أنظمة أخرى مماثلة، ويتضح ذلك من دعم الصين لجيش ميانمار، وكذلك حكومة كوريا الشمالية. وفي ضوء هذه العواقب، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة تأديبية من قبل القوى العظمى.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر