سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بولينا سونغ
اتفق الرئيس الأميركي “جو بايدن”، ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” في دعوة لمواصلة “التعاون الوثيق، بتاريخ 8 فبراير 2021، على تعزيز حرية وانفتاح منطقة المحيطين الهندي والهادئ.” وقد تعزز التعاون الأميركي الهندي بشكل كبير في العام الماضي على خلفية الوضع الأمني المتوتر بشكل متزايد في جنوب آسيا وجمهورية الصين الشعبية.
وفي 27 أكتوبر 2020، التقى وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيين بنظرائهما الهنود في الحوار الوزاري السنوي الثالث (2 + 2)، وهي مبادرة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، وتعزيز التآزر في جهودهم الدبلوماسية والأمنية. وقد يُتوج الاجتماع بالتوقيع على خمس اتفاقيات، بما في ذلك اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية بشأن التعاون الجغرافي، واتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية بين وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية الأميركية ووزارة الدفاع الهندية، حيث تشمل الأخيرة أربع اتفاقيات تأسيسية للدفاع بين الولايات المتحدة والهند.
ويأتي توقيع اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية وسط تكثيف متزامن لثلاث منافسات في جنوب آسيا هي الولايات المتحدة والصين؛ والصين والهند؛ والهند وباكستان. ورغم أن الولايات المتحدة حاولت تاريخيًا موازنة العلاقات مع الهند وباكستان، من خلال الشراكة مع كليهما لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، إلا أن صعود الصين أدى إلى اضطراب هذا التوازن. ومع تصاعد التوترات الإقليمية وتداعيات اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية، قد تظهر الكتلتان القويتان المتعارضتان (الولايات المتحدة والهند) مقابل الصين وباكستان في جنوب آسيا، مما يزيد من تعقيد آفاق السلام والتعاون الإقليمي.
تكثيف الخصومات
وصلت التوترات بين الصين والهند إلى نقطة الغليان في يونيو 2020 بعد اندلاع القتال في وادي جالوان، وهو أسوأ اشتباك حدودي بين الصين والهند منذ أكثر من 40 عامًا. وقد أصبح موقف الهند تجاه الصين متشددًا بشكل متزايد، حيث أكد وزير الداخلية “أميت شاه” أن إقليم كشمير ;gi، بما في ذلك “أكساي تشين”، ينتمي إلى الهند، وأن الهند “ستضحي بالحياة من أجل ذلك”.
إلا أن النزاع حول “أكساي تشين”، الذي تطالب به الهند ولكن تديره الصين، حدث منذ عقود. ففي عام 1956، بدأت الصين في بناء طريق عبر “أكساي تشين” لربط التبت بشينجيانغ. وفي عام 1962، خاضت الصين والهند حربًا قصيرة على “أكساي تشين”، مما أدى إلى انتصار الصين. ومنذ ذلك الحين، نشر كلا البلدين قواتهما بشكل مستمر حول المنطقة المتنازع عليها. وقد وقعت الصين والهند اتفاقيات مختلفة بشأن إبقاء مستويات القوات عند الحد الأدنى وعدم إطلاق النار على طول الحدود المتنازع عليها كإجراءات لبناء الثقة. ومع ذلك، فشلت هذه الإجراءات في منع عقود من “التجاوزات” الحدودية من الغليان في وادي جلوان.
وفي سبتمبر 2020 ساءت الأوضاع عندما اتهمت الصين والهند بعضهما البعض بإطلاق النار على طول الحدود. وأظهرت الولايات المتحدة دعمها للهند بإرسال مجموعة حاملات طائرات إلى خليج البنغال لإجراء تمرين مع البحرية الهندية. ووصف “تانفي مادان”، مدير مشروع الهند في معهد بروكينغز، هذه الخطوة بأنها “رمزية” من حيث إنها “تشير إلى الصين وغيرها بأن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الهند.”
كما أعلنت الهند إعادة هيكلة جيشها بحلول عام 2022، بما في ذلك القيادة الشمالية التي تركز على الصين. وتصاعدت التوترات بين الصين والهند منذ أن اشتبكت القوات الصينية والهندية في مناوشات حدودية أخرى في 25 يناير 2021.
إن الصراع بين الصين والهند إنما هو مجرد واحد من ثلاث علاقات تنافسية تحدد المشهد الأمني المعقد في جنوب آسيا. والثاني هو العلاقة بين الخصمين المسلحين نوويًا في المنطقة، الهند وباكستان، اللتين انخرطتا في اشتباك حدودي في نوفمبر 2020 أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل. وقد واصلت الهند وباكستان تبادل إطلاق النار فوق خط السيطرة حتى يناير 2021. أمَّا الثالث، فهو المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والتي غذت الاستقطاب الإقليمي. ووسعت الهند تعاونها مع الولايات المتحدة في حين تدهورت علاقاتها مع الصين. وفي غضون ذلك، عززت الصين وباكستان علاقاتهما الثنائية في وقت تتدهور فيه العلاقات الأميركية الباكستانية. وتهدد هذه العلاقات المتغيرة توازن القوى الحساس في جنوب آسيا.
“جيف سميث”، من مؤسسة هيريتيدج، وصف الإشارات الودية للولايات المتحدة وتحركات الصين العدوانية تجاه الهند “بالقوى التكميلية” التي “تدفع الهند نحو نوع من أنشطة التوازن العلني والمزيد من الثقة في إقامة شراكة استراتيجية ذات مغزى مع الولايات المتحدة”. ويعدُّ توقيع اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية بين وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية الأميركية ووزارة الدفاع الهندية جزءًا من هذه البادرة.
يشير تحرك الهند نحو الولايات المتحدة إلى انفصال متزايد عن إحجامها التاريخي عن التحرك بعيدًا في فلك الولايات المتحدة. فخلال الحرب الباردة، دافعت الهند عن عدم الانحياز، على الفور من حصولها على الاستقلال بعد ما يقرب من 200 عام من الحكم البريطاني الاستعماري. وموقف الهند المناهض للإمبريالية جعلها تتماشى مع الاتحاد السوفييتي أكثر من القوى الغربية. وواصلت الهند سياسة عدم الانحياز في الوقت الحاضر تحت راية الحكم الذاتي الاستراتيجي، فيما “طفرة في الواقعية وموقف الهند التقليدي غير المنحاز”. ومع ذلك، بدأت المحادثة حول الحكم الذاتي الاستراتيجي في التحول حيث يرى المزيد من الخبراء الهنود بشكل متزايد الشراكة مع الولايات المتحدة كإجراء أمني ضد الصين.
الموافقة على عدم الاتفاق
وصف “مايكل كوجلمان” من مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين توقيع اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية بين وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية الأميركية ووزارة الدفاع الهندية، بأنها “تغير قواعد اللعبة”، إذ قال “لطالما قاومت الهند التوقيع عليها”. لقد كانت هذه الاتفاقية قيد التفاوض لأكثر من عقد. فبعد زيارة الرئيس “دونالد ترمب” للهند في فبراير 2020، قررت الولايات المتحدة والهند تسريع التفاوض بشأن الاتفاقية.
تسمح هذه الاتفاقية للولايات المتحدة بمشاركة بيانات الأقمار الصناعية والطبوغرافية الحساسة مع الهند لتحسين دقة أنظمة الأجهزة الآلية والأسلحة في الهند، مثل الصواريخ والطائرات بدون طيار. فقد تمَّ تصميم هذه الاتفاقية لزيادة قابلية التشغيل البيني للجيوش الأميركية والهندية وتسهيل التعاون الأميركي الهندي في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد على المحيطين الهندي والهادئ. إذ تتضمن بيانات الأقمار الصناعية المشتركة معلومات مهمة لتحقيق هذه الغاية، مثل البيانات المتعلقة بتحركات القوات الصينية في منطقة لاداخ المتنازع عليها. ووفقًا لمصدر دفاعي هندي، ستقدم الولايات المتحدة أيضًا “مساعدات ملاحية وإلكترونيات طيران متقدمة على الطائرات التي زودتها الولايات المتحدة بالهند”.
استعداد الهند للشراكة مع الولايات المتحدة إلى هذا الحد يظهر تحولاً واضحًا في التفكير الاستراتيجي الهندي وتوازن القوى الإقليمي. ومن ناحية أخرى، يوضح استعداد الولايات المتحدة للشراكة مع الهند التركيز المستمر على كبح النفوذ الصيني، كما يمكن فهمه من خلال الإطار الاستراتيجي للولايات المتحدة لعام 2018 لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. إذ ينص الإطار على أن “الهند القوية، بالتعاون مع الدول ذات التفكير المماثل، ستعمل كقوة موازنة للصين”. كما أنها توضح بالتفصيل الحالات النهائية المرغوبة لاستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، والتي هي شريك الهند المفضل في القضايا الأمنية. ويتعاون الجانبان للحفاظ على الأمن البحري ومواجهة النفوذ الصيني في جنوب وجنوب شرق آسيا ومناطق أخرى ذات اهتمام مشترك. ورغم أن الولايات المتحدة سعت منذ فترة طويلة إلى التعاون مع الهند بشأن القضايا الأمنية في المنطقة، فإن نفوذ الصين المتزايد قد سرّع من الحاجة إلى شريك إقليمي قوي.
شحذ الأخوة الحديدية
لم تصمت الصين وباكستان في مواجهة اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية في 30 نوفمبر، ووقعتا مذكرة تفاهم عسكري، وهي خطوة يعتقد الخبراء أنها تهدف إلى موازنة التعاون الدفاعي المعزز بين الولايات المتحدة والهند. وفي حين أن التفاصيل الدقيقة لمذكرة التفاهم لم يتم الإعلان عنها بعد، تشير تقارير وسائل الإعلام الباكستانية إلى أن مذكرة التفاهم تتضمن شروطًا بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا لتتبع تحركات القوات الهندية على طول الحدود المشتركة.
وقال السناتور الباكستاني “أنوار الحق كاكار”، إن مذكرة التفاهم “ستواجه هجمة الهند المدعومة من الولايات المتحدة وستعطي مزيدًا من الثقة لباكستان، وعند الحاجة ستقف بكين إلى جانب باكستان”. كما دعا رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” إلى “تعاون استراتيجي أوثق لرفع الأخوة الباكستانية الصينية المكسوة بالحديد إلى آفاق جديدة”. بينما لا يفل الحديد إلا الحديد، أعطت زيادة التعاون بين الولايات المتحدة والهند الصين وباكستان حافزًا أكبر لتعزيز تعاونهما العسكري.
إن أمن باكستان ذات أهمية خاصة بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة، ولا سيَّما من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي أُطلق في عام 2015، وهو عبارة عن مجموعة من المشاريع التنموية في جميع أنحاء باكستان تقدر قيمتها بحوالي 87 مليار دولار، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية. ووفقًا للصين، فقد وظفت المشاريع ما يقدر بنحو 75000 باكستاني، وقللت بشكل كبير من انقطاع التيار الكهربائي في باكستان من خلال محطات الطاقة الجديدة، وأدت إلى تحسينات البنية التحتية في الطرق السريعة والسكك الحديدية وميناء جوادار في أعماق البحار.
رئيس الوزراء “خان” وافق، أخيرًا، على الممر الاقتصادي الباكستاني باعتباره “تجسيدًا للصداقة الباكستانية الصينية” وتعهد بأن “الحكومة ستكملها بأي ثمن”. بل إنه أكد أن “مستقبل باكستان مرتبط بالصين. لذا، يجب أن نكون واضحين بشأن التنمية الاقتصادية التي أصبحت حاليًا مرتبطة بالصين؛ حيث يتم التركيز على “التصنيع والزراعة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية”، مع “التركيز بشكل خاص على المناطق الاقتصادية الخاصة”.
أمَّا على الصعيدين العسكري والاقتصادي، فترتبط مصالح الصين وباكستان ارتباطًا وثيقًا، ومن المرجح أن تستمر في التعمق في ضوء التطورات الأميركية الهندية.
الانقسامات الناشئة
يشير توقيع اتفاقية التبادل الاستخباري بين الولايات المتحدة والهند ومذكرة التفاهم العسكرية بين الصين وباكستان، إلى انقسام متزايد في جنوب آسيا، على الرغم من أن التحالفات الحالية لا تزال فضفاضة نسبيًا. فالولايات المتحدة تواصل الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع باكستان وتحتاج إلى مساعدتها في أفغانستان. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة والهند ليستا حليفين رسميين، حيث تتسبب مستويات الثقة المتفاوتة بين الجيشين في تشكيك الخبراء في المستويات الفعلية للالتزام المتبادل.
ومع ذلك، فإن الاتفاقيتين العسكريتين الموقعتين بين أزواج القوى العالمية والإقليمية في جنوب آسيا، مثلتا مؤشرات على تسارع التكتلات ثنائية القطب في المنطقة. إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه الكتل ستصلح في نهاية المطاف أم لا، وما هو تأثيرها على الأمن الإقليمي. بل لا يلزم تقسيم جنوب آسيا على طول خطوط الصدع بين القوى العظمى، وذلك على الرغم من أن هزات المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة بدأت بالفعل تشعر بها.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد بحوث السياسة الخارجية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر