سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مها الوابل
مرَّت علينا – مؤخرًا – أحداث جدًا مفرحة .. الاحتفال باليوم الوطني المجيد لتوحيد المملكة تحت قيادة المؤسس، ملك الموحدين، عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه – الذي أظهر فيه الشعب كافة، وحدتهم والتفافهم حول ولاة أمرهم؛ مما لاقى استحسانًا محليًا وإقليميًا ودوليًا. وكذلك الحدث الهام والمؤثر في مملكة المستقبل.. وهو صدور الأمر الملكي السامي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، أسوة بأشقائها الرجال، وهو قرار تاريخي صدر في يوم تاريخ .. يوم السادس والعشرين من سبتمبر هذا العام 2017م.
إن الأمر الملكي، الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – حفظه الله – فيه من التفاصيل الموجزة، والمسوغات الكافية التي أدت إلى خروج هذا التوجيه في هذا الوقت وبموعد مؤجل إلى حين استكمال الإجراءات اللوجستية لتنفيذه. قيادة المرأة، أمر قد طال انتظاره، وها هو قد خرج إلى العلن؛ ليكون لبنة أخرى من لبنات قادمة لتدعم النهوض بهذا المجتمع الفتي لمواكبة عصر التقدم والرقي باقتصاديات وسمو مجتمعه.
قيادة المرأة، كانت من الأمور التي طالها الكثير من الشد والجذب بين معسكرين: أحدهما رافض، والآخر مرحِّب بها. وقد شابَها الكثير من مشكلات مجتمعية طالت الأسرة السعودية وخصوصيتها، واقتصادية أثرت في موارد الدولة على مرِّ الأعوام، وإلى حدٍّ بعيد أثرت في سمعة المملكة في مجال حقوق الإنسان.
المملكة لها مكونها الشعبي الضخم، بمناطقها الإدارية الثلاث عشرة، فحسب الإحصائيات لعام ٢٠١٦م، يتكون المجتمع السعودي من فئات شبابية من الجنسين، بلغت قرابة ٤٥ بالمئة من مجمل تعداد السكان، وهذه الفئة الهامة هي اللبنة الأساسية لبناء مملكة المستقبل ورؤية المملكة ٢٠٣٠. وإن السماح بقيادة المركبات للمرأة، لسوف يحلُّ الكثير من المشاكل اليومية، سواء في المواصلات، أو البطالة، أو الحفاظ على إيرادات الدولة من التحويلات الخارجية.
المواصلات كانت – ولا تزال – الشغل الشاغل لرب الأسرة، وبغياب حلول النقل العامة، اضطررنا إلى استقدام السائقين الأجانب ليؤدوا وظيفة بسيطة الجهد، ولكنها ذات كلفة اقتصادية. وبحسب الإحصائيات، لدينا ما يربو على المليون من السائقين الأجانب الذين يكلفون رب الأسرة والأجهزة الحكومية، ما يربو على المليار ونصف المليار سنويًا. ناهيك عن المشاكل المتعلقة ببعض المستقدَمين، أخلاقيًا وانضباطيًا. قد يقول البعض، إن قيادة المرأة لمركبتها بنفسها، سوف تجلب من المصاريف المماثلة – وهي طبعًا أقل بكثير – ولكن من وجهة نظر أخرى، هذه المصاريف سوف تكون داخل المنظومة الاقتصادية المحلية والقضاء على التحويلات الأجنبية المكلفة.
البطالة، وخاصة للفئة العمرية الشابة، أطلت برأسها لسنوات عدة، ولها من الأسباب ما هي ليست بموضوعي هنا. ولكن، وكما هو معروف، أن الحكومات السعودية المتعاقبة، بذلت الكثير من الجهود لحل هذه المعضلة بسنِّ القوانين لتوطين الوظائف ولمنح العقود حسب نسب السعودة، وتطوير البرامج المختلفة لمساعدة الشباب والشابات على ممارسة الأعمال الحرة. وحريٌّ بنا أن نعي كلمات ولي العهد، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الأمير محمد بن سلمان، حين تحدث عن المحاور والمرتكزات الأساسية لرؤية المملكة ٢٠٣٠، وقال “وفي المحور الثاني الاقتصاد المزدهر، نركّز على توفير الفرص للجميع، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وتنمية الفرص للجميع من روّاد الأعمال والمنشآت الصغيرة إلى الشركات الكبرى. ونؤمن بتطوير أدواتنا الاستثمارية، لإطلاق إمكانات قطاعاتنا الاقتصادية الواعدة وتنويع الاقتصاد وتوليد فرص العمل للمواطنين”. ولذا، فإن فتح باب القيادة للنساء، فيه من الدعم الحكومي والتوجه الحميد؛ لتمكين المرأة من ممارسة مثل هذه الأعمال الحرة من إدارة وقيادة فعلية للمركبات. ومما يشجع على نجاح مثل هذه المشاريع، هو أن جلَّ عملائها، سوف يكونون من النساء اللاتي لا يردن القيادة، أو ليس لديهن الاستطاعة المادية لتملك المركبة.
ومن ناحية السلامة الشخصية، وبحسب الإحصائيات، فإن نسبة الحوادث بالمملكة لعام ١٤٣٦هـ، كانت أكثر من ٥٠ ألف حادث أدت إلى أكثر من ٨ آلاف حالة وفاة، وكانت النسبة الكبرى المسببة لهذه الحوادث، هي فئة الشباب من الفئة العمرية ١٩-٣٠ سنة لدواعي السرعة غالبًا. (الهيئة العامة للإحصاء). وبالنظر والمقارنة إلى تقرير الاتحاد الأوروبي – على سبيل المثال – لعام ٢٠١٥ للحوادث المرورية، فإن النساء اللاتي ارتكبن حوادث مميتة، كانت نسبتهن أقل بكثير من الرجال الأوروبيين، وبخاصة الشباب، ناهيك عن نسبة حوادث القيادة الأخرى؛ لأن النساء يعتنين بسلامة مركباتهن أفضل، ولديهن قدر من التركيز أكبر عند القيادة، ولعل ذلك نابع من الإحساس الفطري لدى المرأة بالحفاظ على الأرواح والأسرة، بدلاً من التهور والطيش. هذا ليس أمرًا للمناكفة، أو المشاكسة، ولكنه حقيقة موجودة وبالأرقام في عالم نعتبره من الدول المتقدمة، وهو دليل على قدرة المرأة على استخدام مركبتها بأفضل وجه، وهو ما سيؤدي إلى خفض نسبة الحوادث المميتة والمقعدة في بلدنا.
ومن الأمور المسلم بها، أن مثل هذه القرارات التي تمس الجانب الأنثوي في المجتمع السعودي، لها من الحساسية التي أصبحت عند البعض من الأمور المستدامة، وكيف لا، ونحن شعب قد جبلنا على التقوقع داخليًا في أمورنا من دون النظر إلى من حولنا، وإلى ما آلوا إليه من تحسن في مستوى الدخل للفرد، والرقي بالخدمات الأساسية المختلفة. ولقد جبلنا بسبب هذا التقوقع المرير على الخوف من التغيير وكل ما هو آتٍ ليغيِّر نمط حياتنا، ولم نسمح بأي محاولة لكسر هذا الجمود، حتى لو كنا نحفر قبورنا بأيدينا. عجبت لقوم يشككون ويكسرون الثقة بشبابهم وشاباتهم، وكأن المجتمع السعودي فيه من الذئاب المسعورة التي لن تفوِّت فرصة اغتنام الفرص بحيل وتصرفات دنيئة، وهذا هو عين الإجحاف للأكثرية الشريفة في مجتمع فيه من الخصال الحميدة ولا تزال. ألم نمر بالماضي القريب بمسألة عمل المرأة في المحال التجارية، وصوِّر الأمر كما لو أنه نهاية العالم وقيام الساعة! وفي الماضي القريب، حيث الأمر بافتتاح دور الدراسة للبنات، كان مرفوضًا لدى الكثيرين! ماذا حدث بعد ذلك، لم يوازِ ذلك التضخيم والتهويل البتة. وإن الأخذ على الأكثرية بجريرة البعض، لهو قمة في الجهل والتخلف الفكري، حيث إن الأصل في الأمر، هو الإباحة، وولي الأمر أتبع قراره التاريخي، بالأمر بإيجاد البرامج والضوابط التي تضمن نجاحه، وتزيد من استقرار الأسر السعودية.
كاتبة رأي وناشطة اجتماعية *
mahalwabel@
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر