سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
رامي شفيق
تتسم العلاقات التركية الإيرانية بالتناقض، وعديد من الاعتبارات المركبة، التي صبغت تحركاتهما في الإطار الإقليمي، ومنسوب ارتباطاته بتوجهات القوى الدولية، هذه العلاقات صاحبها الكثير من التطورات خلال سنوات العقد الماضي، سيما مع استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في تركيا؛ إذ اعتبر طيف واسع في السياسة الإيرانية، أنّ ثمة مساحة للتوافق، يمكن أن تحتشد وراءها السياسة الخارجية لأنقرة وطهران، عبر الخلفية الإيديولوجية لكلا البلدين.
تاريخياً، جاء التنافس كعنوان رئيس للعلاقات فيما بين أنقرة وطهران، فكلاهما يحمل أجندة ومشروعاً إقليمياً، يطمح نحو الهيمنة والنفوذ في محيطه الاستراتيجي، والذي اضطرب إثر ثورات العام 2011، ما منح الأخيرتين مساحة حركة لتوظيف الفراغ السياسي، الذي نشأ من خلال سقوط الأنظمة الحاكمة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، ودفعهما نحو التعاون والتنسيق المتبادل فيما بينهما، والتحرك بعيداً عن أجواء الصراع، خاصّة في المساحات المشتركة سياسياً وميدانياً.
على خلفية تلك الثورات، انتقلت سوريا من خانة الفرصة الاقتصادية لأنقرة وطهران، إلى بؤرة توتر في علاقاتهما، وساحة حرب بالوكالة، غير أنّ الملاحظة الجديرة بالانتباه، حرص أنقرة وطهران على ضبط منسوب الخلاف فيما بينهما، بحيث لا تنفلت العلاقات التركية الإيرانية في بعض جوانبها، غير أنّهما في مستوى آخر يحرصان على التوافق، وبدا ذلك خلال ملاحظة موقف أنقرة، من تأييد الاتفاق النووي، الذي أبرمته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وكذا مسارعة طهران إعلان دعمها الصريح لأنقرة، إبان محاولة الانقلاب على رجب طيب أردوغان، في العام 2016، وربما تتجلى الأجواء المتفاوتة التي تغلف طبيعة علاقات أنقرة وطهران، سياسياً وميدانياً، عبر مسرح أحداث الشرق الأوسط، في تلك الطفرة في معدل التجارة البينية بين البلدين، والذي قفز من 2.4 مليار دولار في العام 2002، إلى 22 مليار دولار بحلول العام 2012.
إيران وتركيا والبحث عن فراغ سياسي
في إطار ذلك، ترى الدكتورة دلال محمود، أنّه من الصعوبة على أيّ متابع للشأن الإقليمي، أن ينكر الحضور القوي لكل من تركيا وإيران، كقوتين من دول الجوار الإقليمي العربي، وتأثيرهما الواضح داخل المنطقة العربية، للدرجة التي يذهب في تقديرها المتابعون إلى اعتبارهما من القوى الفاعلة في المنطقة. وثمة كثير من النظريات التي تم تقديمها؛ لتفسير طبيعة العلاقات بين الدولتين، وكونها تتراوح بين الصراع والتعاون، وواقع الأمر إنّ بداية تفسير هذه العلاقة المركبة، يكون بتعريف المصالح الأساسيّة للدولتين في المنطقة العربية، وأهم الأدوات التي تعتمد عليها سياسات كل منهما، ثم معرفة العوامل المؤثرة على سياسة كل منهما تجاه المنطقة.
ولفتت أستاذة العلوم السياسية، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، في حديثها لـ”حفريات”، إلى أنّ كلا الدولتين تمتلكان مشروعاً إقليمياً، يمتد في الكثير من أجزائه داخل المنطقة العربية، ولذلك فإنّ الانتشار وتمدد نفوذ كل منهما، يعتبر ضرورة لتفعيل هذا المشروع؛ فهناك مشروع الهلال الشيعي، الذي تتبناه إيران منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، هذا الهلال الذي يبدأ من العراق ومنطقة الخليج، إلى سوريا ولبنان، ثم قطاع غزة، حتى يصل إلى البحر المتوسط شمالاً، ثم ينتقل جنوباً إلى مضيق باب المندب بضفتيه، ويقابله مشروع إحياء الخلافة العثمانية، الذي تتحرك تركيا لتنفيذه، والذي يستهدف الوصول من وسط آسيا إلى المحيط الأطلنطي، ماراً بشمال العراق وشمال سوريا والشمال الإفريقي كله.
وتأسيساً على ذلك تعتمد الدولتان على عدد من الأدوات المشتركة، أهمها:
1- الاعتماد على المدخل الديني، لقوة تأثيره على الشعوب، وما يفرضه من تقييد مقاومة المشروع، تحت اعتبارات الطاعة، سواء للخليفة في المشروع التركي، أو للمرشد الأعلى بحسب نظرية ولاية الفقيه.
2- الاعتماد على الوكلاء، فإيران اتخذت من بعض الجماعات المحلية وكيلاً لها في الدول العربية، اعتماداً على المذهب الديني الشيعي، خاصة في الدول التي تشهد صراعات، أو انقسامات داخلية. وبالمثل اعتمدت تركيا على الوكلاء من الميليشيات المسلحة، سواء مرتزقة أو إرهابيين، وساعدها على ذلك العلاقة الارتباطية، بينها وبين والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان.
3- الاستخدام المتنوع لأدوات القوة والتأثير، سواء القوة العسكرية أو التمويل الاقتصادي، بالإضافة إلى التأثير الثقافي والأيديولوجي، وتقديم “النموذج” لدول المنطقة.
4- كل منهما تعتمد على الانتشار والتواجد في الدول العربية، التي تمثل مداخل أساسية للمنطقة العربية، مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان، بيد أنّ الاختلاف الرئيس، بحسب أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يكمن في علاقات كل منهما بالقوى الدولية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تشارك تركيا في عضوية حلف الناتو، ومع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، يظهر بعض التوتر في العلاقات بين الدولتين، سواء لتجاوزات تركيا في ملف حقوق الإنسان، أو لعلاقاتها المزدوجة مع روسيا، ربما يكون هذا التوتر مؤقت ومرحلي، فهناك دائماً مساحة للتفاهم بين تركيا والولايات المتحدة، وفي المقابل فإنّ إدارة بايدن تمثل بارقة أمل لإيران؛ لتحسين أوضاعها داخلياً وإقليمياً ودولياً، وربما يكون الاختلاف الظاهر حالياً تمهيداً لمرحلة من التفاوض، والوصول لنقطة تفاهم، سبق الوصول إليها بين الدولتين، أثناء إدارة أوباما.
وتختتم مديرة برنامج قضايا الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، حديثها لـ”حفريات”، مؤكّدة أنّه “رغم التشابه بين سياسات تركيا وإيران تجاه المنطقة العربية، فإنّه من الملفت للنظر عدم تصادم الدولتين، الأمر الذي يفسره البعض بالتوافق الضمني على مناطق النفوذ داخل الإقليم، بينما يفسره البعض الآخر، بأنّ الدولتين تدركان هذا التشابه بينهما، وتدركان وجود قوى إقليمية رافضة لكلا المشروعين، ومن ثم فالأولوية لمواجهة هذه القوى وليس لمواجهة بعضهما البعض”.
العلاقات المركبة وجدل التنافس والتوافق
يمكن القول إنّ العلاقة بين تركيا وإيران، علاقة مركبة ومتعددة الأبعاد، لا يظهر منها الكثير، ورغم جملة الأسباب التي تدفع تجاه الصراع الإقليمي، تتعدد المحاور التي يمكن من خلالها تحقيق نوع من التوافق، واقتسام مناطق النفوذ.
من جانبه، يذهب الدكتور رولاند بيجاموف، الكاتب الصحفي الروسي، وأستاذ العلوم السياسية، أنّه بالرغم من كون تركيا وإيران متجاورتين في الشرق الأوسط، الا أنّ العلاقات فيما بينهما تتراوح، تارة داخل أطر التعاون، وأخرى تغلفها سياقات التنافس، وفي كلتا الحالتين ينبغي النظر إلى أنقرة وطهران، في إطار سعيهما لممارسة دور متعاظم إقليمياً، استناداً إلى تحركاتهما في مناطق النفوذ، التي لاحت بناء على الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط، إثر المتغيرات العنيفة التي ضربت عواصم عربية عديدة، خلال العقد الأخير.
بيد أنّه ينبغي التأكيد على أنّ قيام الثورة الإسلامية في إيران، نهاية السبعينيات من القرن الماضي، صنع من طهران نموذجاً إسلامياً، يتناقض مع الوضع التركي حين ذاك، إلا أنّ استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في أنقرة، دفعها الى ترويج نموذجها، الذي يعتمد على الإسلام السياسي في توظيف سياستها الخارجية داخل الشرق الأوسط، الأمر الذي جعل كافة التحركات البينية لأنقرة وطهران، تتصف بالتباين والتناقض المركب، من التعاون إلى التنافس، الذي يصل في بعض الملفات حد الصراع، ويبدو ذلك واضحاً في تحركاتهما سياسياً وميدانياً داخل سوريا والعراق واليمن ولبنان.
وربما كانت البراغماتية الكاملة، هو الوصف الأمثل لطبيعة العلاقات التي تميز أنقرة وطهران، ما يدفعهما إلى غض كل طرف، عن التناقضات الحاضرة في بعض الملفات، والتي تظهر في صورة التنافس مرة، والصراع مرة أخرى، لصالح المنفعة الممتدة في الشرق الأوسط، والتي تنطلق في صورة خطين متوازيين، لن يلتقيا أبداً، غير أنّ ضرورات التوازن الإقليمي في توجهاتهما الاستراتيجية، هي ما يوجههما نحو الابتعاد عن التحرش ببعضهما البعض، ويعد ذلك في هو المفتاح الحقيقي لفهم طبيعة العلاقات المتناقضة والمركبة بينهما، فضلاً عن المصالح الاقتصادية المباشرة.
وتأسيساً على ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية، في تصريحاته التي خصّ بها “حفريات”، أنّ ثمة صعوبة للحديث حول تحقق تحالف ثابت ومستقر، يجمع بين أنقرة وطهران في المنطقة، نظراً للمواقف المتباينة، التي تتمركز حولها تركيا وطهران، حيال قضايا الشرق الأوسط، وارتباط ذلك بالقوى الدولية، وربما يستقر تفاعل واشنطن وروسيا، حول تحركات أنقرة في الشرق الأوسط نحو ضبط مكابح رجب طيب أردوغان، وضبط تحركاته السياسية، بحسب منسوب مصالح كل منهما، غير أنّ الأمر يختلف مع إيران؛ إذ إنّها في موقف صراع مع واشنطن، وتبدو حالياً في إطار علاقات جيدة نسبياً مع موسكو .
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر