تمدد الإخوان المسلمين | مركز سمت للدراسات

كيف اخترق الإخوان أندونيسيا.. وماذا تريد تركيا؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 15 فبراير 2021

حسين خليل

 

تعتمد استراتيجية التمدد الإخوانية على استغلال أجواء الديمقراطية، والتسلل الناعم إلى السلطة، والتمكين البطيء لأنصارها في كل مفاصل الدولة، مع ركوب موجة أيّ حدث ثوري، من أجل الدعاية والانتشار.

في إندونيسيا، التي تعد أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، زعم الإخوان المسلمون منذ حرب الاستقلال، انخراطهم في النضال تحت لواء أحمد سوكارنو، قبل أن تعمل الحركة على اختراق المجال السياسي، وذلك عبر عقود طويلة تالية، الأمر الذي تكلل بظهور حزب العدالة، في تسعينيات القرن المنصرم، كامتداد تنظيمي لحركة الإخوان المسلمين، قبل أن يتغير اسمه إلى العدالة والرفاهية الإسلامي في العام 2002 ، ويترأسه محمد هدايت نور، رئيس مجلس الشورى الشعبي الإندونيسي، كذراع تنظيمي تابع لجماعة الإخوان المسلمين.

البدايات الصعبة

ثمة جذور تاريخية ربطت بين الإخوان المسلمين وإندونيسيا، منذ عهد المؤسّس حسن البنا، حيث قام قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، منذ تكوينه في العام 1944 بالاهتمام بإندونيسيا، وأعلن البنا تضامنه في برقيتين إلى الأمم المتحدة، مع حركة الاستقلال الإندونيسي، في مواجهة الاحتلال الهولندي، وكان الحضور الإندونيسي قوياً في هذا القسم، وعن ذلك يقول الشيخ محمد الصواف: “أسّسنا بالمركز العام للإخوان المسلمين قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، بالتعاون مع الأخ عبد الحفيظ الصيفي من مصر، والأخ الفضيل الورتلاني من الجزائر، والأخ إسماعيل مندا من إندونيسيا”.

من جانبه يؤكد الباحث المصري، طارق أبو السعد، أنّ تواجد الإخوان في إندونيسيا، يعود إلى أيام المؤسس حسن البنا، “ففي البدايات كان البنا يسعى تجاه نشر فكرته في تجمعات المسلمين في كل مكان، لتكوين ظهير شعبي لحركته، تصبح من خلاله بديلاً عن الأزهر، عوضاً عن فشله في الوصول إلى الحكم، هذا التواجد كان برضا الإنجليز، لكن النظام الشيوعي الذي جاء في أعقاب الاستقلال، لم يسمح للإخوان بحرية الحركة”.

ويضيف الباحث في الحركات الإسلاميّة، في حديثه لـ”حفريات”: “مع فترة الثمانينيات، وظهور ما عرف بالصحوة الاسلامية، تُرجمت أدبيات الإخوان إلى اللغة الإندونيسية، مع قيام الجماعة باحتضان الدارسين الإندونيسيين في الأزهر، ومع الوقت تكونت معسكرات للإخوان في إندونيسيا، بدعم من بقايا الإخوان القدامي، ومع سقوط نظام سوهارتو، أخذ التنظيم دفعة قوية، حيث كشف الإخوان عن وجودهم، تحت مسمى جماعة التربية، وسرعان ما كونوا حزباً باسم حزب العدالة في العام 1998”.

ولفت أبو السعد إلى “الارتباط بين فرعي التنظيم في تركيا وإندونيسيا، حيث تزامن الظهور القوي لحزب العدالة والتنمية في تركيا، من تحت عباءة حزب الرفاة، مع تجديد الإخوان لدماء حزب العدالة الإندونيسي، ليخرج حزب العدالة والرفاهية، من رحم حزب العدالة، في العام 2002”.

ويتابع “ولا يمكن فصل الحالة الإندونيسية، عن واقع التنظيم الدولي، وهناك شبهات متعددة تدور حول مشاركة بعض من قيادات الإخوان في اندونيسيا، في استقبال الفارين من إخوان مصر، وكذلك التورط في تدوير شبكات مالية، تُستخدم لتمويل الجماعة”.

تركيا وتوظيف أذرعها في إندونيسيا

يحاول حزب العدالة والرفاهية، رغم هبوط أسهمه، خلق حالة وظيفيّة، يمكن من خلالها استقطاب إندونيسيا تجاه المحور الإسلامي، الذي تحاول تركيا تشكيله في آسيا، من خلال تكتل يضم: باكستان وماليزيا وإيران، وكان انضمام جاكرتا إلى محور كوالالمبو، حدثاً مهما للسياسة التركية، لما تمثله من ثقل على الصعيد الإسلامي، قبل أن يعرقل انسحاب الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدوودو، المخطط التركي في اللحظات الأخيرة.

على الرغم من هذا، واصلت أنقرة استهداف الدولة الإسلامية الكبيرة، حيث تعددت زيارات المسؤولين، بهدف زيادة التعاون المتبادل، حيث استقبل وزير الدفاع الإندونيسي، برابوو سوبيانتو، وزير الخارجية التركي، مولود تشاوس أوغلو، في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، في مقر وزارة الدفاع في العاصمة جاكرتا، بكل ما يحمله ذلك من دلالات، على صعيد التعاون العسكري.

كما تجري ترتيبات لزيارة مرتقبة، يعتزم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان القيام بها إلى جاكرتا، في العام الجاري، للدفع تجاه توقيع اتفاقية شاملة للتعاون بين البلدين.

من جانبه، صرّح وزير الخارجية التركي، أنّ “العلاقات بين أندونيسيا وتركيا، ليست بالمستوى المرغوب فيه، من حيث حجم التجارة والاستثمار”، مشدداً على أنّه يتطلع إلى مستوى أكبر من العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بهدف “الوصول بحجم التبادل التجاري مع إندونيسيا إلى 10 مليارات دولار”.

ويمكن فهم الدور الذي يلعبه حزب العدالة والرفاهية الإندونيسي، في تمهيد الأرض أمام التمدّد التركي في إندونيسيا، من خلال تصريحات، سوراهمان هدايات، عضو البرلمان عن الحزب الإخواني الداعم لسياسات الرئيس التركي، ففي تصريحات لوكالة الأناضول، إبان الدعاية التركية التي صاحبت تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، أكّد هدايات، أنّ “القرار الذي اتخذته تركيا بشأن آيا صوفيا، هو حق سيادي لها ويجب احترامه”، زاعماً أنّه “ينبغي على الجميع احترام الجهاز والسلطة القانونية في تركيا، واحترام سيادتها وتاريخها الطويل”.

يؤكّد المفكر المغربي، سعيد ناشيد، أنّ “هناك أشياء في غاية الأهمية بالنسبة للوضع الإندونيسي، وعلاقته بالإخوان المسملين، أو الإسلام السياسي، وأنّه لا بد من التذكير أنّ إندونيسيا تتميز بقدر هائل جداً من التنوع الديني والثقافي والعرقي، لدرجة أنّ أيّ أيديولوجيا قائمة على الدين أو العرق، لن تستطيع أن تحكم إندونيسيا؛ لأنّ هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفكك وحدة الجمهورية، ومعروف أنّ الشعار الأساسي في الدستور الإندونيسي، هو الوحدة في التنوع، فهو موضوع مركزي ومهم، في دولة تتألف من عدة آلاف من الجزر المتنوعة”.

ويبين الباحث في الفلسفة والإصلاح الديني، في تصريحه لـ”حفريات”، أنّ “الإسلام السياسي عموماً، استفاد بشكل كبير من فترة حكم الديكتاتور سوهارتو؛ لأنّ صعوده تزامن مع ظروف الحرب الباردة، وقيامه باضطهاد التيارات والأحزاب اليسارية في ذلك الوقت، والتي كانت متحالفة مع الرئيس السابق سوكارنو، فاحتاج سوهارتو، إلى دعم من القوى الدينية، من أجل القضاء على المعارضة اليسارية، خلال هذه الظروف انتعشت جماعات الإسلام السياسي كلها، وعلى رأسها الإخوان المسلمون”.

يتابع: تمكن الإخوان المسلمون وكذلك حزب التحرير والسلفيين، من اختراق الكثير من مفاصل الإدارة في إندونيسيا، حيث يمكن ملاحظة الحضور اللافت لهذا التيار، خاصّة في مهاجمة بعض المسؤولين، مثلاً: الحاكم السابق لجاكرتا، والذي لعب دوراً كبيراً في تنمية العاصمة، بخلق ثورة صناعية هائلة، هاجمه الإخوان لكونه ينحدر من أصول صينية، ويعتنق الديانة المسيحية، واستغلت الجماعة فرصة خطابه الاستنكاري لها، باستعمال الخطاب القرآني في الانتخابات، فزعموا وروجوا للناس أنّه يعادي الإسلام، فخرجت مسيرة حاشدة ضده، فقدم استقالته على الفور، وكانت الانتخابات الإخيرة في العام 2019، قد شهدت صراعاً محتدماً بين الرئيس السابق، ووزير ينتمي إلى الإسلام السياسي.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر