سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. نضال شقير
ليس هناك أدنى شك في أن العالم بعد كوفيد-١٩ لن يكون كما كان من قبله. فقد نجح هذا الفيروس في تغيير طريقة عملنا بشكل جذري وبالتأكيد سيترك آثارًا خطيرة على حياتنا اليومية لفترة طويلة جدًا، إن لم يكن إلى الأبد. هذه التغييرات ستشمل كافة النواحي والمجالات وتأثير كوفيد سيكون في كل مكان، من طريقة تفكيرنا إلى طرق عملنا، وتعليمنا، ونظامنا الغذائي، وصولاً إلى نمط حياتنا الاجتماعية.
وفي هذا الإطار سؤال حيوي يطرح نفسه بقوة اليوم في مجالي العلوم السياسية والاجتماعية: ما هي التأثيرات التي سيحدثها هذا الفيروس على الدول أو الحكومات أو حتى على نظام الحوكمة العالمية الذي نعرفه اليوم؟
على المستوى الاستراتيجي، نلاحظ أيضًا نزعة قوية للدول للابتعاد عن العولمة والعودة إلى حدودها الداخلية وذلك في محاولة منها لضمان الاكتفاء الذاتي خلال هذه الأزمة. ويعد نقص الأقنعة والسوائل المعقمة وأجهزة التنفس وغيرها من المنتجات المرتبطة بهذه الأزمة مؤشرًا جيدًا وسبباً وجيهاً للدول للذهاب في هذا الاتجاه.
الأكيد أن هذا خطر حقيقي، ويمكن أن يؤثر على جزء أساسي من النظام العالمي الحالي. فمثلاً « منطقة شينغن » التي هي مصدر فخر ورمز للجغرافيا السياسية الأوروبية، تأثرت عن غير قصد بالفيروس مع إغلاق الحدود بين دول هذه المنطقة. كما انه خلال الأسابيع الأولى من شباط (فبراير) ومارس (آذار) 2020، كان الأشخاص المتأثرون بشدة بالوباء مثل الإيطاليين يفقدون الثقة أحيانًا في الاتحاد الأوروبي. وهذا التوجه او الانكفاء الجيوسياسي لم يقتصر على الدول فحسب، بل تغلغل داخل البلدان نفسها، وتخطى المدن الكبرى ليصل إلى المدن الصغيرة وحتى إلى المناطق الأكثر عزلة.
وهذا يقودنا إلى العديد من الأسئلة: ما مدى فعالية السياسات الحكومية ضد الفيروس؟ لماذا نجحت بعض الدول دون غيرها في إدارة هذه الأزمة؟ ما هي استراتيجية التطعيم الأفضل؟ أو حتى ما هو نظام الحوكمة الأفضل أداءً؟ اما السؤال الرئيسي فهو: ما هو تأثير الفيروس على المفهوم الحالي لمبدأ « الدولة العظمى »؟
إذا ألقينا نظرة على قائمة البلدان الأكثر تضررًا من فيروس كورونا، نلاحظ أن « الدول العظمى » مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا أو حتى الدول المتقدمة للغاية مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا تحتل المرتبة الأولى في هذه القائمة.
وفي الحقيقة، غالبًا ما يتم تقييم مفهوم مبدأ « الدول العظمى » من خلال منظور القوة العسكرية وخاصة الطاقة النووية. لكن هذا الأمر تغيير مع كوفيد-١٩، حيث أظهرت الدول التي تمتلك القنبلة الذرية وترسانات عسكرية ضخمة، أظهرت عجزها في مواجهة هذه الأزمة الصحية. فقد انتشر كوفيد-١٩ هناك دون أي مقاومة حقيقية، والمشاهد المدمية للمستشفيات الإيطالية خلال هذه الازمة هي خير دليل على ذلك. أضف الى ذلك أن هذه« الدول العظمى » والدول المتقدمة للغاية تعتبر حتى الساعة متأخرة جداً في عملية تلقيح مواطنيها مقارنة مع دول حديثة وشابة مثل إسرائيل أو الإمارات العربية المتحدة.
وفي النهاية، نعيد التذكير بأن العالم بعد كوفيد-١٩ لن يكون كما قبله. ونشدد بأن بينما يكون التغيير سريعًا بالنسبة للأفراد، فعادة ما يكون بطيء بالنسبة للبلدان والحكومات، وبالتالي فإن آلية النظام العالمي ستتأثر عاجلاً أم آجلاً. وعليه، نعتقد أن المفهوم الحالي لمبدأ « الدولة العظمى » سيتم تعديله بسبب هذه الأزمة الصحية، لأن تعريف مبدأ « الدولة العظمى » مرتبط إلى حد كبير بالقدرة على مواجهة التحديات والمخاطر. والاكيد أن أبرز تحديات ومخاطر المستقبل القريب هي بلا شك الفيروسات والأمراض.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر