سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يمثل اختيار رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا خطوة مهمة على طريق حل الأزمة الليبية والخروج بالبلاد من محنتها المتواصلة منذ نحو عقد من الزمان، ولكن هناك مجموعة من التحديات الكبرى
في هذا الصدد.
ينطوي اختيار رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه، ورئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا، على أهمية كبيرة لأسباب عدة؛ فهذا الأمر، كان أولًا أكبر عقبة واجهت مسار المفاوضات في ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة؛ وقد بلغت الخلافات حدًّا كادت تنتهي معه العملية السياسية، وحتى اتفاق وقف إطلاق النار الذي ساعد على تحقيق هذا التقدم. وثانياً، تبدو الشخصيات التي تم اختيارها توافقية إلى حدّ كبير؛ فهي لم تكن طرفًا مباشرًا في الصراعات السياسية التي كانت سببًا رئيسيًّا في الفشل الذي خيم على مجريات الحوار طوال أشهر. كما أن رئيسَي المجلس الرئاسي والحكومة من أصحاب الكفاءات؛ فرئيس المجلس، محمد يونس المنفي، خدم سفيرًا في اليونان، وعضوًا بمجلس الدولة، وعضوًا ورئيس لجنة الإسكان والمرافق بالمؤتمر الوطني العام سابقًا (أول برلمان بعد ثورة 2011)؛ ويحظى باحترام واسع؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة، عبدالحميد دبيبة، فهو رجل أعمال من مصراتة، ولديه خبرة كبيرة في مجال الاقتصاد؛ ويمكن له إذا اختار فريقًا من الكفاءات والخبراء، وابتعد بالحكومة عن التجاذبات السياسية، أن يحسن إدارة الوضع الاقتصادي المتردي. ثالثاً، القبول الداخلي لهذا الاختيار؛ حيث رحبت به معظم القوى السياسية، بما فيها الشخصيات المنافسة؛ وفي مقدمتها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، اللذان كانا من أبرز المرشحين لهذين المنصبين وفي قائمة واحدة، ويحظيان بدعم واسع. كما أن لترحيب الجيش الوطني الليبي أهمية خاصة؛ حيث يُمثل موقفه دعمًا كبيرًا ورغبة في فتح صفحة جديدة. رابعًا، يبقى الترحيب الإقليمي والدولي عاملًا مهمًّا أيضاً؛ فإقليميًّا كانت دولة الإمارات والسعودية ومصر، ومعها بالطبع الدول العربية الأخرى، بالإضافة إلى الجامعة العربية؛ وهذا أمر مهم جدًّا؛ لأنه يبعث برسالة واضحة بأن العرب يدعمون هذه الخطوة ويؤيدون كل الجهود الرامية إلى حل الأزمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى القوى الإقليمية، والدولية، وخاصة فرنسا، التي رحبت بهذا الاختيار وأكدت دعمها السلطة الجديدة.
لهذا كله فإن اختيار أرفع منصبين في السلطة الجديدة (رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة) يعد اختراقًا كبيرًا؛ ويمهد الطريق لتشكيل حكومة ممثلة لكل الشعب الليبي؛ حتى تتمكن من القيام بمهامها الرئيسية خلال الفترة الانتقالية التي من أهمها التحضير للانتخابات العامة المقررة وفقًا لما تم الاتفاق عليه من قبل ملتقى الحوار، يوم 24 ديسمبر المقبل.
بالمقابل، وبرغم وجود مؤشرات إيجابية إلى إمكانية نجاح السلطة الجديدة والمضي قدمًا في طريق الحل السياسي لإنهاء الأزمة، فإن هناك تحديات كبيرة تواجهها، وأهمها:
أولًا، وقبل كل شيء، عدم اكتمال الحكومة الجديدة؛ فقد تم اختيار رئيس الوزراء فقط، وهذا كما سبق ذكره، أمر أساسي؛ ولكن لا يزال أمام الحكومة ليس استكمال تشكيلتها أو توزيع المناصب داخلها فقط، ولكن أيضًا اجتياز الحصول على ثقة البرلمان. فكما أكدت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز، فإن أمام البرلمان 21 يومًا للنظر في منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة. وبرغم حالة التفاؤل السائدة، فهناك مخاوف وقلق من أن تحول الخلافات والانقسام داخل البرلمان دون عقد جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة؛ خاصة بعد صدور بيانين منفصلين: أحدهما من الكتلة البرلمانية في طبرق، والثاني من الكتلة البرلمانية في طرابلس؛ وكل منها طلب من أعضاء البرلمان الالتحاق بمقره، وذلك لمنح الحكومة المزمع تشكيلها الثقة ومراقبة عملها. وبرغم ترحيب حكومة شرق ليبيا بالسلطة التنفيذية الجديدة، فإنها أكدت أنها لن تتخلى عن السلطة إلا بموافقة البرلمان الذي يتخذ من الشرق مقرًا له. وهذا مؤشر إلى صعوبة الأمر.
وبالطبع إذا لم ينجح البرلمان في منح الثقة فهذا يعني، وفقًا لما أعلنته ستيفاني ويليامز، أن القرار سيعود إلى ملتقى الحوار السياسي؛ ولا يستبعد حدوث خلافات داخله بها الشأن أيضًا.
ثانيًا: التعامل مع الميليشيات والمرتزقة: قد يكون أكبر تحدٍّ بالفعل يواجه الحكومة الجديدة؛ حيث نص اتفاق وقف إطلاق النار الدائم على خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد في غضون 90 يومًا من الاتفاق الذي وقع أواخر أكتوبر 2020 في إطار اللجنة العسكرية (5+5)؛ وقد انتهت المهلة يوم 23 يناير دون تنفيذ هذا البند. وهذا الملف سيكون حاضرًا باستمرار؛ حيث يجب على السلطة الجديدة التعامل معه بشجاعة وجرأة لأنه يمثل مطلبًا داخليًّا وخارجيًّا، وخطوة ضرورية لتوحيد القوات المسلحة الليبية.
ثالثًا: العلاقات مع تركيا، تمثل الاتفاقيات التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، سواء المتعلقة بترسيم الحدود البحرية أو بالتعاون الأمني، تحديًّا آخر مهمًّا أمام الحكومة الجديدة؛ حيث يجب عليها الموازنة بين المطالب المتنامية داخليًّا وخارجيًّا بخروج القوات التركية من البلاد، والمعطيات التي فُرضت على أرض الواقع بعد تدخل تركيا لصالح حكومة الوفاق؛ فهل ستتمسك السلطة الجديدة بالاتفاقيات وتُكمل العمل بها، خاصة في ظل معارضة واضحة لها، ولاسيما في الشرق.
رابعًا: تحدي الوضع الاقتصادي، فقد جاءت هذه السلطة على وقع ظروف اقتصادية صعبة جدًّا في كل أنحاء ليبيا؛ وقد خرجت احتجاجات في الشرق، كما في الغرب على تدهور الأحوال المعيشية؛ وتفاقمت هذه المشكلة بسبب الخلاف بين المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي حول عائدات النفط. وبرغم توافق الفرقاء قبل نحو أسبوعين على المناصب السيادية الأخرى المهمة، وكذلك توحيد المصرف المركزي وسعر صرف الدينار، فإن مشكلة الولاءات المختلفة داخل هذه المؤسسات الوطنية المهمة، ستلقي بظلالها أيضًا على مهام الحكومة الأساسية، وهي تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس.
خامسًا: التحدي الأمني: يمثل هذا التحدي هاجسًا لكل الحكومات المتعاقبة، وقد يكون أكبر بالنسبة إلى السلطة الجديدة؛ خاصة في ظل الانفلات الأمني في العديد من المناطق؛ وسيطرة الميليشيات المختلفة الولاءات؛ وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت ستخضع للسلطة الجديدة أم تبقى مرتبطة بالأحزاب والتنظيمات السياسية التابعة أو تدين بالولاء لها.
سادسًا: تنازع المصالح الإقليمية والدولية، لا أحد يستطيع أن ينكر أن ليبيا أصبحت ساحة تصفية حسابات وأيضًا تنازع مصالح إقليمية ودولية؛ بل إن هذا أحد أهم أسباب تفاقم الأزمة وتعقدها. وبرغم الترحيب الكبير بالسلطة الجديدة من كل الأطراف الخارجية تقريبًا، وإعلانها استعدادها للعمل معها ودعمها، فلن يكون من السهل التوفيق بين المصالح المختلفة لهذه الأطراف، ولاسيما في ظل حاجة الحكومة لدعم الجميع؛ وسعي العديد من الدول إلى تغليب مصالحها الذاتية على حساب الآخرين؛ وهذا يمثل تحديًّا آخر للحكومة الجديدة.
سابعًا: الاستقلالية والعلاقة مع القوى والتنظيمات المسيطرة، برغم أن كلًا من رئيسي المجلس الرئاسي، محمد المنفي، والحكومة، عبدالحميد دبيبة، مستقلين من حيث المبدأ، فإن لهما ارتباطات وعلاقات مع القوى السياسية؛ فالأول من الشرق، ويعرف نفسه بأنه ليبرالي؛ وبرغم أن قبيلته، التي ينتمي لها المجاهد عمر المختار، تُعرف بتأييدها للجيش الليبي، ويوجد عدد من الضباط المنتمين لها في مراكز حساسة في قيادته، فإنه أكد أن من الضروري أن تكون المؤسسة العسكرية تحت سلطة مدنية؛ وهذا قد يضعه في مواجهة مع قيادة الجيش.
والثاني، مقرب من الإخوان وكذلك تركيا؛ وبرغم تأكيده أنه لا مجال للإقصاء في ليبيا، فإن الاستقلالية في القرار في ظل سيطرة ونفوذ القوى السياسية المختلفة لن تكون سهلة.
إذًا هناك بالفعل تحديات كبيرة أمام السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ولكي تتمكن من التغلب عليها أو على الأقل التعامل معها بأقل الخسائر، والعبور بالبلاد بأمان خلال الفترة الانتقالية، فهي تحتاج إلى تعاون كل الأطراف المحلية، وعدم تغليب مصالحها الذاتية أو المناطقية الضيقة، وأيضًا الأطراف الخارجية، التي يجب عليها إن لم تستطع دعم السلطة الجديدة، أن تكف يدها عنها.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر