سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في الشهور الأخيرة بدأ (داعش) يلتقط أنفاسه في بعض المناطق الرخوة في العراق ، مستغلاً انشغال الدولة العراقية بوباء كورونا وهلع الاهالي ،وتوجه الكثير من عناصر القوى الأمنية نحو واجبات تخص الصحة العامة،–
وتشير بعض الدلائل بأن خطابات التنظيمات الارهابية منذ تفشي وباء (كورونا) كانت بمثابة محاولة لتعويض الخسائر ، سواء بالعودة للمناطق التي خسرتها هذه التنظيمات أو بحشد عناصر جُدد ، والإيحاء بقوته الوهمية ،من تفجيرات متفرقة ، وانتقاء البعض من الأهالي مستخدما العنف بأقصى أشكاله ، لبث روح الحماس ، ورفع المعنويات في الاتباع ، كمحاولة لكسب المزيد من الأنصار مستفيداً من حالة الهلع والتخوف من كورونا ، موظِفاً الخرافة في تفسير هذه الجائحة ،
بالمقابل نلاحظ أن الحكومة العراقية وبالفترة الأخيرة ،اطلقت المزيد من العمليات والحملات الكبيرة وبمختلف صنوف القوى الأمنية ، لقطع الطريق أمام نشاطاته في أقصى المناطق التي اعتاد ( داعش) على ممارسة خروقاته فيها.
دائماً يوصف داعش بانه عدمي ، أي إنه في كثير من من الأحيان يمارس العنف من أجل العنف ولإشاعة الارهاب فقط ، فهو لم يكن لياْبه الى تجربة ( دولة الخلافة المخفقة)ودروسها الفاشلة فيها ، فمشروع ( داعش) لا يختلف عن ستراتيجيات الإرهاب بنماذجه القديمة والراهنة ، فعندما يقال عنه بانه بلا مستقبل ، أي إنه لا يملك تصور لنظام ما أو حتى يوتيبيا محددة ، فبرامجه لا تمضي الى الأمام ، وهاجسه الأصلي هو تدمير الآخر ،وإذا فشل فلتدمير الذات،–وهكذا داعش دمّر دولة (الخلافة) بالعنف ، ثم عاد اليوم بعلمليات عنفية مكتوب عليها الفشل مسبقاً ، ليتدمر ثانية.
فالإرهاب قوة منفعلة ،وليست مؤسسة ،أي مكتفية بالفعل المحض ولا منتجة لمشروع لاحق ، –الارهابيون الروس في القرن التاسع عشر مثلاً ،كما يكتب -ألبير كامو -في (الإنسان المتمرد) ،لم يفكروا بأي نظام سوف يخلف مقتل القيصر ، فهدفهم تدميره فقط، وإذا اخفقت هذه الخطوة،فسيكون تدمير ذواتهم الخطوة الثانية.
لا تختلف داعش كثيراً أو كل فصائل الإرهاب التي ظهرت في الاحقاب اللاحقة عن هذا التوصيف العمومي كثيراً، فظاهرة الحواضن الاجتماعية التي يتحدثون عنها ، ينبغي البحث عن مسوغاتها خارج فلسفة الإرهاب ،أي بمقاربات سياسية واجتماعية ، أو ردة فعل إزاء أنظمة تعسفية ،سيطرت عليها طويلاً وجعلتها تقبل حتى بالدعوات الخرافية ناشدة الخلاص ، أما انجذاب الأفراد من بلدان الغرب ل(داعش) فهذا يُعزى بالضرورة الى ما اّلت اليه الأيديولوجيات الكبرى ،وتفشي حالات اللامعنى وافتقاد القيم ، التي افرزت بعض شرائح الشباب الغربي المتأزم،–ونحن لا نملك إزاء هؤلاء المترفين سوى أن نندهش لتهافتهم نحو العمليات الانتحارية التي يقومون بها ،–
فإذا كانت داعش قد حققت موطِئاً لها بفضل مقدسها !! الخاص ،فان هذا الإنجاز الطارئ لم يستمر طويلاً ،فلقد شهدناانفصالاً بين مشروعها في (دولة الخلافة) ! وممارساتها الاجرائية العنفية ،فالداعشيون لا يمكن أن يبقوا أو يستمروا بلا عنف ،ناهيك عن كونهم انتحاريون بشفاعة متصورات اّخروية ،اقنعت البعض ممن تشوشت عندهم الرؤية ، وانتحاريتهم هذه شكلت مخالفة ومقاطعة للشريعة الإسلامية ومبادئها، فالعنف المفرط عند داعش بالامس واليوم يؤشر تماماً الى الافتراق مابين الدعوة والسلطة ، وهذا يتطابق مع أطروحة الفيلسوفة – حنة ارندت -في كتابها -في العنف-( إن عامل التفتت الداخلي الذي يواكب انتصار العنف على السلطة،يكون واضحاً بشكل خاص حين يتم استخدام الإرهاب من أجل الحفاظ على الهيمنة ، والإرهاب ملازم للعنف ،بعد أن دمرت السلطة الأولى.
وهكذا يكون العنف اللاحق بعد أن دمرت السلطة القائمة قد قاطع دعواته ومرجعياته ،كخطابات بغية التمهيد للهيمنة،–فيصبح عند ذاك ضرورة إعادة دورة إنتاج الهيمنة وتكريسها عبر أشكالها الحقيقية والرمزية، فالعنف في الصور القديمة التي ظهرت سابقاً على مواقع إعلام داعش في إعدام الكثير من العراقيين في محافظة -نينوى -وغيرها تصر على ممارسته دائما في إحداث الأثر العنفي الاستباقي – عند الرائي أو المتلقي.
فصور داعش العنفية كما كنا نشاهدها قبل سنوات وعلى نطاق واسع كانت تفرض حضورها ، فهو (داعش) أوغل في غرز فاعلية العنف المتوحش بقوة الصور التي تطوقنا ، إذ كانت تضع الرائي قبالة تهديد محتمل الوقوع ، وأكثر ما اعتقده أن الذاكرة العراقية ما زالت طافحة من مخلفاته، ومثلما تفوق (داعش) بالأمس في إنتاج وممارسة أبشع مشاهد العنف في التاريخ ، يظهر اليوم معانقاً وباء كورونا محاولاً توظيفه ليؤدي مشهداً من الهلع والعنف المزدوج.