ميانمار في قبضة العسكر
التاريخ والوقت :
الجمعة, 5 فبراير 2021
يونس السيد
سقطت ميانمار التي كانت تعرف باسم بورما سابقاً في قبضة الجيش مجدداً في انقلاب عسكري هو الثالث منذ استقلال البلاد عام 1948 بعد انقلابي عام 1962 و1988، وقبل أن تستكمل البلاد عملية التحول الديمقراطي التي بدأت قبل نحو عشر سنوات تخللها اتفاق على تقاسم السلطة عام 2015 في أعقاب انتخابات فاز فيها حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» بزعامة أونج سان سو تشي بالأغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان.
الذريعة المباشرة لتحرك الجيش هي الرد على وجود «تزوير» واسع النطاق بتعداد بنحو عشرة ملايين صوت لم يتم التحقيق فيها، في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي فاز فيها أيضاً حزب «الرابطة الوطنية» بنحو 83 في المئة من مقاعد البرلمان، ما شكل صدمة للجيش الذي يحظى بتعيين 25 في المئة من مقاعد البرلمان لا يخضع شاغلوها للانتخابات بموجب اتفاق لتقاسم السلطة، إلى جانب السيطرة على وزارات الدفاع والداخلية والحدود لتمكينه من لعب دور مهم في الحياة السياسية. ويبدو أن الانقلاب العسكري، الذي جاء قبيل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، لم يكن مفاجئاً، على الأقل بالنسبة للسياسيين المدنيين وعلى رأسهم رئيسة الوزراء سو تشي صاحبة جائزة نوبل للسلام والتي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة رغم عدم معارضتها لعمليات القمع والتنكيل وتهجير مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا، والموصوفة بأنها عمليات تطهير عرقي، إذ إن تحضيرات الانقلاب كانت واضحة إلى الحد الذي دفع سو تشي إلى كتابة رسالة مسبقة طالبت فيها الشعب ب «الرد بصوت واحد» والاحتجاج سلمياً على الانقلاب الذي يعيد ميانمار إلى «عهد الديكتاتورية» من جديد متجاهلاً حتى وباء كورونا.
وبطبيعة الحال، فقد لقي الانقلاب تنديداً واسعاً من واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم، ومطالبات بالإفراج الفوري عن المعتقلين وفي مقدمتهم رئيس البلاد ورئيسة الحكومة سو تشي، علاوة على تهديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات حاسمة وفرض عقوبات ضد الانقلابيين، فيما يلاحظ أن الصين التي تحظى بنفوذ قوي في ميانمار اكتفت بدعوة الجميع إلى حل الخلافات «في إطار الدستور» من دون إدانة صريحة للانقلاب. وحقيقة الأمر، أن رد الفعل القوي من جانب الغرب، تحديداً، لم يكن سوى تعبير عن مخاوفه من ضياع جهود بذلها لسنوات طويلة في عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي لتلك البلاد، لكن يبدو أن ميانمار التي خرجت قبل نحو عشر سنوات (منذ 2010) من نظام حكم عسكري استمر لعقود، لم تتمكن من الصمود طويلاً في ظل نظام حكم جديد ومركب يعطي هامشاً واسعاً للمؤسسة العسكرية المتنفذة، وآخر لحكومة «ديمقراطية» منتخبة برعاية غربية، إذ إن اتفاق تقاسم السلطة الذي طبق عام 2015 لم يراع الاختلالات والثغرات الكثيرة في الدستور، التي اعتمدها الجيش مرجعاً لتنفيذ انقلابه، كما أن هذا الاتفاق، بحسب بعض الخبراء والمحللين، «أنتج نظاماً هجيناً غير استبدادي تماماً وغير ديمقراطي تماماً، وقد انهار بفعل ثقل تلك التناقضات».