سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أنونديتا تشاكرابورتي
يُعتبر المثلث الذهبي والهلال الذهبي من أكثر الملاذات أمانًا لتصنيع وتجارة المخدرات غير المشروعة على هذا الكوكب. فالأول يضم بلدان لاوس وتايلاند وميانمار في جنوب شرق آسيا، بينما تقع الأخيرة عند مفترق طرق وسط وجنوب وغرب آسيا، متداخلة مع سلاسل جبال باكستان وأفغانستان وإيران.
الهلال الذهبي أقدم بكثير من نظيره الجنوبي الشرقي عندما يتعلق الأمر بصناعة المخدرات غير المشروعة. وقد بدأت بشكل أساسي عملها كقطاع لإنتاج الأفيون في الخمسينيات، مع إنتاج الجزء الأكبر من المواد الأفيونية في أفغانستان. وقد عمدت بشكل ثابت إلى زيادة إنتاجها من الهيروين “لمنافسة” المثلث الذهبي. وبعد عملية “الحرية الدائمة” والغزو الأميركي لأفغانستان في عام 2001، شهدت زراعة الأفيون انخفاضًا كبيرًا إلى حوالي 90٪ في أفغانستان. ولكن بعد عام 2002، انعكس الاتجاه، حيث أنتجت منطقة الهلال الذهبي الآن حوالي 8000 طن من إجمالي 9000 طن من إنتاج الأفيون في العالم، وبالتالي احتكرتها تقريبًا.
وهنا تعمل كارتلات المخدرات بشكل رئيس من خلال طريقين تجاريين مهمين:
الأول: عبر الطريق الشمالي، حيث يتم تهريب المخدرات من خلال طرق غير قانونية إلى بلدان آسيا الوسطى في طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وإلى روسيا.
الثاني: الطريق الجنوبي، عبر باكستان وإيران، حيث يستخدم بشكل أساسي لتهريب المواد الأفيونية والمخدرات إلى شبه القارة الهندية وإفريقيا وحتى في بعض مناطق أوقيانوسيا. وهنا، فإن وجود المحيط الهندي الشاسع يسهل العملية برمتها.
ويعدُّ هذا المثلث الذهبي ثاني أكبر منتج لزراعة الأفيون المحظورة، إذ إن ميانمار هي المنتج الرئيسي وذلك وفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ووفقًا للتقرير الذي نشره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، وفي أحدث مسح للأفيون في جنوب شرق آسيا لعام 2013، زادت زراعة الأفيون في المثلث الذهبي بنسبة 22٪ في عام 2013، بمعدل نمو 13٪ في ميانمار وحدها. وحتى قبل عقد من الزمان، كان نصف الهيروين الموجود في العالم يُنتج في المثلث. لكن عدم الاستقرار السياسي والتمرد المسلح في ميانمار أجبر أباطرة المخدرات هناك على البحث عن وسيلة رخيصة وسهلة لإنتاج المخدرات دون التعرض لخطر الانكشاف. وبدلاً من عملية إنتاج الهيروين الشاقة، بدت الأمفيتامينات والميثامفيتامينات الخيار الأكثر قابلية للتطبيق.
وبالتالي، يتم نقل هذه المواد من ميانمار إلى المناطق الحدودية المجاورة مع تايلاند، من أجل تصنيع المنتجات النهائية. كما أن بانكوك هي الوجهة الأخيرة في القائمة، حيث يتم توجيه هذه المواد الجاهزة إلى السوق الدولية الواسعة.
إن الموقع الجغرافي للهند، الذي يقع بين المثلث الذهبي والهلال الذهبي، قد جعلها أكثر عرضة لتهديدات تجارة المخدرات غير المشروعة. وقد اتخذ تعاطي المواد المخدرة في الهند شكلاً حادًا في العقود القليلة الماضية، كان معظمها في شمال شرق وشمال غرب إقليم البنجاب. ويعتبر القرب من منطقتي تهريب المخدرات الحمراء أحد الأسباب الرئيسية لتزايد تهريب المخدرات في هاتين المنطقتين في الهند.
وتُظهر البيانات الصادرة عن الوكالة الوطنية لمكافحة الإيدز العدد المذهل من الإصابات بفيروس نقص المناعة البشرية في الجزء الشمالي الشرقي من الهند، مما يشير إلى زيادة استهلاك الأدوية التي تُحقن عن طريق الوريد. ويعتبر ثاني أسيتيل المورفين وديامورفين (الهيروين) أكثر المخدرات المهربة في المنطقة، والتي أصبحت متوفرة في الغالب خلال منتصف السبعينيات. ومنذ ذلك الحين، كان هناك ارتفاع مقلق في استهلاكها. وعلى الرغم من تهريب الهيروين، فإنه لا يزال يقتصر على الاستهلاك المحلي. ونظرًا لكونها قريبة جدًا من ميانمار، فقد شهدت تجارة الأفيون غير المشروعة أيضًا زيادة كبيرة في الجزء الشمالي الشرقي. ويوفر عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، إلى جانب الحدود غير المربوطة بالثغرات، أرضية قوية للاتجار غير المشروع بالمخدرات.
ولكون الجزء الشمالي الغربي من الهند متاخمًا للهلال الذهبي، تشهد هذه المنطقة مخاطر تهريب المخدرات. فقد كان التأثير أكثر تدميرًا في ولاية البنجاب الهندية. هنا، فإن الأفيون أو الهيروين لا يُصَنَّعان محليًا، بل يتم تهريبهما عبر المناطق الحدودية مع باكستان. فمنذ الثمانينيات، أصبح ذلك الهلال الذهبي هو المصدر الرئيسي للاتجار بالهيروين والحشيش في الهند.
وتستخدم عصابات المخدرات العاملة في الهلال الذهبي إقليم البنجاب، باعتباره “البوابة” الرئيسية لتوسيع تجارة المخدرات، في جميع أنحاء البر الرئيسي للهند، حتى أقصى جنوب ولاية كيرالا. وتقع تاران وفيروزبور وفازليكا وأمريتسار في منطقة الحدود الهندية الباكستانية، وهي جزءٌ من طريق تهريب المخدرات الرئيسي الذي تستخدمه عصابات المخدرات الباكستانية والأفغانية لتهريب شحناتها. كما أن المحيط الهندي الشاسع، زاد من انتشارها بشكل كبير.
التأثير
وبسبب الوقوع بين الهلال الذهبي والمثلث الذهبي، تُعَد الهند مركزًا قويًا لتجارة المخدرات غير المشروعة. إذ إن تهريب المخدرات الخالي من المتاعب نسبيًا، عبر حدود الهند المختلفة، والذي يُظهِر فقط الافتقار إلى اليقظة المناسبة وطبيعتها التي يسهل اختراقها، يُمثِّل تحديًا كبيرًا للأمن القومي. وتعدُّ العلاقة غير المقدسة الموجودة بين الإرهابيين ومهربي المخدرات والشبكات الإجرامية بمثابة تهديد رئيسي آخر.
وقد اُستُخدمت الأموال التي تمَّ جمعها من مثل هذه التجارة غير المشروعة في المخدرات لتمويل الأنشطة الإرهابية على الأراضي الهندية.
وكان لدى المقاتلين المتطرفين في المنطقة الشمالية الشرقية وجامو وكشمير، كثير من عصابات مخدرات كبيرة كرعاة لهم. وفي المنطقة الشمالية الشرقية، غالبًا ما تنخرط منظمة مسلحة صغيرة في تهريب المخدرات لجمع الأموال بسرعة. ومن ناحية أخرى، تسعى المنظمات المتشددة الكبرى إلى الحصول على مبالغ ضخمة من أموال الحماية من مهربي المخدرات لتهريب شحناتهم بأمان عبر الأنفاق والطرق السرية، وذلك لخداع قوات الأمن. وفي كثير من الأحيان كان يتم تهريب الأسلحة غير المشروعة والأموال السوداء إلى البر الرئيسي للهند، وهي ضربة كبيرة أخرى للأمن الداخلي للجمهورية.
وقد كان رد الهند على مواجهة خطر تهريب المخدرات فاترًا. فالقانونان الأساسيان الوحيدان المتعلقان بالمخدرات في الهند، واللذان تمَّ تشريعهما لمكافحة تعاطي المخدرات هما قانون المؤثرات العقلية عام 1985، وقانون منع الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1988. وقد فشل كلاهما في تحقيق أي تغيير جوهري.
وقد أدى عدم وجود أي عمليات تفتيش ومراقبة، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي في بلدان المثلث الذهبي والهلال، إلى جعل الأمور أسوأ بالنسبة للهند. ومن أجل تنسيق أفضل لمكافحة خطر تهريب المخدرات، أبرمت الهند 37 اتفاقية ثنائية ومذكرة تفاهم مع دول مجاورة أخرى وبعض الدول الأجنبية التي لم يتم تقييم تأثيرها بعدُ. وبالتالي، هناك ضرورة ملحة لإعادة تحليل استراتيجية الهند في مواجهة خطر تهريب المخدرات. لذا، يجب تأمين الحدود البرية، وكذلك البحرية بشكل أفضل من خلال المراقبة القوية والدوريات. كما يجب أن يكون سن تشريعات شاملة لها أولوية أخرى. وأخيرًا، لا يمكن للهند أن تكسب هذه الحرب ضد خطر المخدرات دون دعم جيرانها. إن التنسيق والتعاون النشطين بين دول شبه القارة الهندية سيقطع شوطًا طويلاً لتقليل ومكافحة التهديدات المرتبطة بتهريب المخدرات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو Eurasia Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر