مقدونيا الشمالية | مركز سمت للدراسات

الإخوان في البلقان

التاريخ والوقت : الأحد, 3 يناير 2021

يبحث تقرير حديث، صادر عن مشروع مشترك بين مركز جلوبسيك (GLOBSEC) ومشروع مكافحة التطرف (CEP)، من إعداد أندريا مارينكوفيتش، ومارتينا فالوشياكوفا، وفيكتور ساكس، أنشطة جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في كلٍّ من البوسنة ومقدونيا الشمالية. ويقدِّم التقرير مقارنة للتقدم الذي أحرزه تيار الإسلام السياسي في بلدين أوروبيين، يختلف فيهما وضع المسلمين اختلافًا تامًا: أغلبية ضئيلة في دولة، وأقلية كبيرة (حوالي الثلث) في الدولة الأخرى..

مقدونيا الشمالية

تضم مقدونيا الشمالية مجموعة متنوعة من السكان المسلمين، مقسّمة بين المجموعات العرقية الألبانية والتركية والسلافية. وتمثل الطائفة المسلمة رسميًا “الطائفة الدينية الإسلامية” التي نظّمت نفسها في 1991 بعد استقلالها عن يوغوسلافيا، واعترفت بها الدولة في 1994. ومن المنظمات البارزة في شمال مقدونيا المرتبطة بشبكة الإخوان المسلمين “منتدى منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبية” (FEMYSO)، ويبدو أحد مكوناته الفرعية المعروفة باسم “منتدى الشباب الإسلامي” (FRI) الذي يقع مقره في مدينة تيتوفو الأكثر انتماء إلى التيار الإخواني. لدى منتدى منظمات الشباب عددٌ كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة “يوتيوب” و”فيسبوك” و”إنستجرام”.

ويحاول منتدى منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبية، ومنتدى الشباب الإسلامي، توخِّي الحذر بشأن علاقاتهما بالإخوان. على سبيل المثال، كما يوضح المؤلفون، “يعرض موقع منتدى الشباب الإسلامي على شبكة الإنترنت مقالًا واحدًا فقط عن حياة وعمل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. وتتمحور أنشطة منتدى الشباب الإسلامي بشكلٍ أساسي حول التعليم والمساعدات الإنسانية، كما هو واضح في المواد التي ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي”. المحتوى السياسي الأكثر مباشرة على الموقع يدور حول “مسيرة الفخر التي ينظمها مثلانيو الجنس”، حيث تحذِّر المجموعة الشباب المقدوني من “اختلال التوازن بين المكونات الأخلاقية” في حياتهم.

لا تقتصر رغبة منتدى الشباب الإسلامي في التعتيم على صلاته بجماعة الإخوان المسلمين فقط، بل بتيارات الإسلام السياسي عمومًا، وهذا يتضح في تنظيم المنتدى مؤتمراً في أغسطس 2011 بعنوان “الإسلام في أوروبا (خطر أم إنقاذ)”، الذي حظي باهتمام عام كبير في ذلك الوقت -ليس أقله حضور هاني رمضان، شقيق المفكر الإسلامي البارز طارق رمضان وحفيد حسن البنا- ومع ذلك لم يُشر إليه على موقع المنتدى على الإنترنت.

كان أحد المشاركين البارزين في هذا المؤتمر هو منظمة ليجيس (LEGIS)؛ وهي منظمة غير حكومية مقدونية شمالية أسِّست في عام 2009 من قبل ياسمين ريدجيبي. وكانت ريدجيبي مشاركةً في أسطول الحرية في غزة في مايو 2010. والواقع أنها كانت على متن السفينة مافي مرمرة، وهي السفينة التي قُتل فيها تسعة من الناشطين الإسلامويين. ويوضح مؤلفو التقرير أن “علاقات الإخوان المسلمين بالمنظمة تأتي من خلال اثنين من أعضاء الإخوان المسلمين المصريين؛ الدكتور محمد البلتاجي والدكتور حازم فاروق، اللذين تم القبض عليهما على متن السفينة… بعد غارة الكوماندوز الإسرائيلية”.

كان أسطولُ الحرية مُدارًا من قبل جمعية “خيرية” تركية متطرفة هي “المؤسسة التركية لحقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية”. وقد تسببتِ الأحداث التي وقعت على متن السفينة مافي مرمرة في ضرر دائم في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، حيث تعمدت الحكومة التركية رعاية هذه الخطوة الاستفزازية. وتركيا ليست، كما يوضح المؤلفون، الصلة الخارجية الوحيدة بمنظمة ليجيس: فقد قامت بتقديم مساعدات كوسيلة على ما يبدو لإضفاء الشرعية على النشاط الدعوي، في البوسنة وبورما وغزة واليونان والصومال وسوريا.

العلاقة التركية بمنظمة ليجيس هي الأهم في علاقاتها عبر الوطنية. وفي هذا الصدد، كتب المؤلفون أنه “في جميع المحادثات”، يمكن وصف تأثير الحزب الحاكم المنبثق عن الإخوان في تركيا، حزب العدالة والتنمية، بأنه تأثير واضح وكبير بمنظمة ليجيس. تعمل تركيا على استغلال المكانة التاريخية والثقافية لها من خلال ارتباطها بالدولة العثمانية، والصلة العرقية لأقلية تركية كبيرة، والتبرعات المالية للطائفة الدينية الإسلامية التي تعاني ضائقة مالية، لتلميع صورة تركيا في مقدونيا الشمالية، وبسط القوة الناعمة لتركيا في الدولة.

علاوة على ذلك، فإن لتركيا نفوذًا سياسيًا قويًا أكثر مباشرة من خلال حزب “بيسا”، وهو حزبٌ سياسي ينتمي ليمين الوسط أُنشئ في عام 2014. ويرتبط بيسا بدار نشر تنشر كتبًا لمنظّر الإخوان يوسف القرضاوي ومؤسسها البنا. وفيما ينفي بيسا أن يكون مموَّلًا من تركيا، فإن إنتاجه الإعلامي يُظهر إعجابًا مستمرًا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتحالفًا مع مواقفه السياسية. وكون بيسا حزبًا ألبانيًا يدل على تغليب الحكومة التركية لهويتها الإسلامية على هويتها العرقية.

كانت حركة فتح الله جولن؛ الطائفة الإسلامية التي كانت متحالفة مع حكومة أردوغان حتى محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، تتمتع بنفوذ في قطاع التعليم في مقدونيا الشمالية. وما يؤكد النفوذ التركي القوي في مقدونيا الشمالية هو أن جهود ما بعد الانقلاب لإبعاد أنصار جولن من أجهزة الدولة التركية قد امتدت إلى مقدونيا الشمالية، مع ممارسة ضغوط على سكوبي، عاصمة الدولة، لإغلاق المدارس التي تديرها حركة جولن.

البوسنة والهرسك

دخلت المنطقة التي تضم الآن البوسنة والهرسك إلى الحكم الإسلامي لأول مرة في القرن الخامس عشر. استولت الإمبراطورية العثمانية على القسطنطينية، العاصمة المسيحية العظيمة، في عام 1453 واجتاحت البلقان، ودمجت البوسنة رسميًا كولاية في عام 1463. واحتلت البوسنة خلال الحقبة الأخيرة في إمبراطورية هابسبورج، النمسا والمجر، في عام 1878 وضُمت رسميًا في عام 1908. وفي هذا الوقت، وفي ظلِّ حكم هابسبورج، ظهرت إلى الوجود الهيئة التمثيلية الإسلامية الرسمية القائمة في البوسنة، التي تعرف باسم “الطائفة الإسلامية في البوسنة والهرسك”.

مع تفكك النمسا والمجر في عام 1918، دمجت البوسنة في “مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين” الجديدة، التي أعيد تسميتها “يوغوسلافيا” في عام 1929. وعقب فترة مروعة من الاحتلال النازي الذي امتد من عام 1941 إلى 1945، استولى الشيوعيون على يوغوسلافيا، وحكمت على هذا النحو حتى انهيار الاتحاد واستقلال الدول الأعضاء فيه في عام 1991.

كانت أسوأ حوادث الحرب التي أعقبت انهيار يوغوسلافيا في 1992-1995 هي تلك التي وقعت في البوسنة، إذ لم تقتصر على التشريد والقتل الجماعي، بل شملت أيضًا حوادث إبادة جماعية ضد المسلمين، مثل تلك التي كانت في سربرينيتشا. لكن الحرب منحت فرصة للإسلامويين. فلقد جاء آلاف المجاهدين إلى البوسنة خلال الحرب لدعم حكومة الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش، وكذلك فعل عملاء إيران، وساعد ذلك في ترسيخ تيار متطرف كان يتنامى في البوسنة، كما في أماكن أخرى، منذ السبعينيات كجزء من “عودة الإسلام“. وقد عزز تجنيس الجهاديين الأجانب بعد الحرب، ودخول الجمعيات الخيرية الإسلامية لإعادة بناء البلاد من هذه الدينامية.

وربما كانت جماعة الدعوة السلفية الأكثر بروزًا بعد الحرب هي جماعة “الشباب الإسلامي النشط”(AIO)، المؤلفة من أعضاء من “المجاهد”، الوحدة الرئيسة من الجهاديين الأجانب في الجيش البوسني، ومجلتهم التي تعرف باسم (SAFF). ويشير التقرير إلى أن “نفوذ إيران كان أيضًا بارزًا جدًا خلال التسعينيات”. لم يقتصر دعم النظام الديني الإيراني على الاستثمار في الناحية الإنسانية، ولكنه قدَّم مساعدات مالية وعسكرية كبيرة إلى البوسنة، “بما في ذلك الأسلحة والمدربين العسكريين وضباط الاستخبارات. وكان تأثير إيران والشيعة في فترة ما بعد الحرب كبيرًا، على الرغم من أنه جاء من مجموعة صغيرة”. وقد خفضت البوسنة إلى حد ما من علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية تحت الضغط الغربي، ولكن لا تزال هناك روابط ثقافية قوية، يتم تنظيمها في كثير من الأحيان من خلال المركز الثقافي لجمهورية إيران الإسلامية، وتشمل التبادل الأكاديمي -غطاء ملائم للتجسس- والمجلات الثقافية مثل “بهارستان”.

من المثير للاهتمام أنه على الرغم من أن قضية البوسنة في التسعينيات كانت قضية رئيسة في تركيا وضخَّتِ الحكومة التركية، بعد صعود حزب العدالة والتنمية في عام 2002، المزيد من الموارد بغية كسب النفوذ في البوسنة، خاصة من خلال مديرية الشؤون الدينية التركية (ديانت)، فإن تركيا دخلت اللعبة متأخرة في البوسنة، حيث تنافست مع العديد من الدول الأجنبية الأخرى، وكان لها خلافات كبيرة مع النخبة الحاكمة في سراييفو، وتضافرت كل هذه العوامل لتعني أن “العلاقة بين تركيا والبوسنة ليست وثيقة كما يُعتقد على نطاقٍ واسع”. وثمة سبب إضافي يجعل نفوذ تركيا في البوسنة أضعف مما قد يُفترض وهو أن الكثير من النفوذ قبل عام 2013 جاء من خلال المدارس والمؤسسات التي يديرها أنصار جولن، التي تم الآن اقتلاعها.

نفوذ الإخوان المسلمين في البوسنة قديمٌ يعود لفترة التأسيس. كان عزت بيجوفيتش؛ أول رئيس للبوسنة المستقلة، عضوًا في منظمة “الشبان المسلمين”، وهي منظمةٌ أسِّست على غرار جماعة الإخوان المسلمين عندما تم إنشاؤها في البوسنة عام 1939.

اعتقد معظم اليوغوسلاف أن الشبان المسلمين قد تفككت في فترة الأربعينيات، عندما حوكم معظم قادتها بتهمة التعاون مع النازيين. غير أن الجماعة بقيت وعملت تحت الأرض بجد لكسب الأتباع والنفوذ، وإنشاء شبكات تمتد إلى ما وراء يوغوسلافيا. وكان هذا العامل الأخير، أي تواصل الجماعة مع جمهورية إيران الإسلامية الجديدة في ذلك الوقت في أوائل الثمانينيات، هو الذي لفت انتباه الحكومة اليوغوسلافية، وأدّى إلى اعتقال عزت بيجوفيتش وغيره من قادة المنظمة.

عندما بدأت محاكمة الشبان المسلمين في يوغوسلافيا عام 1983، كانت صدمة لمعظم السكان في الدولة أن هذه المنظمة لا تزال موجودة أو حتى يمكن أن توجد في دولة شيوعية. ولا يمكن التنبؤ إلا قليلاً بأن الشيوعيين سوف يرحلون في أقل من عقد، وأن عزت بيجوفيتش سيكون في السلطة مع حزبه السياسي، حزب العمل الديمقراطي، الذي يسيطر عليه خريجو الشبان المسلمين.

كان من أول الأشياء التي قام بها عزت بيجوفيتش عندما بدأ الحكم الشيوعي في الانهيار وسُمح له بالخروج من السجن في عام 1990 إعادة نشر “إعلانه الإسلامي”، الذي نُشر لأول مرة في السبعينيات. وكما يشير المؤلفون، فإن هذه الوثيقة “تظل مثيرة للجدل حتى يومنا هذا” لأن محتوياتها -التي “تستند إلى أيديولوجية إسلاموية شبيهة بأيديولوجية الإخوان المسلمين”- تظهر زيف الصورة الأسطورية لعزت بيجوفيتش في الغرب.

إن جماعة الإخوان المسلمين في البوسنة، على الرغم من نفوذها في المناصب العليا، موضع خلاف عميق وموضوع جدل عام محتدم لأن الكثير من السكان، على الأقل في المدن، علمانيون سياسيًا حتى لو كانوا متدينين شخصيًا. وقد شوهد ذلك في عام 2014، عندما أوردت “صحف شعبية تقارير كثيرة” عن أن بكير، ابن عزت بيجوفيتش وخليفته، “رحّب بوفد من الإخوان المسلمين” في الرئاسة.

كما تضمنتِ المقالات صورة لبكير عزت بيجوفيتش عليها رمز “رابعة”، وهي إشارة معروفة من جماعة الإخوان المسلمين”. وتسبب ذلك في عاصفةٍ سياسية في البوسنة، واضطر بكير إلى الادّعاء بأنه لا يعرف أن الوفد ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وبالمثل، واجه بكير مقاومة في تقديم دعمه لحكومة الإخوان المسلمين، التي لم تدم طويلًا، في مصر في عهد محمد مرسي.

ويوثق التقرير أن “هناك مزاعم تربط شخصية بارزة أخرى في البوسنة والهرسك، هي الدكتور مصطفى سيريتش مفتي البوسنة السابق، بجماعة الإخوان المسلمين وقيادتها. ويضيف التقرير أن “سيريتش عضو في المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب القرضاوي وغيره من الشخصيات البارزة في جماعة الإخوان المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، فهو عضو في منظمة “المنهج الوسطي الراديكالي” التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها، التي أتاحت له الفرصة للتواصل مع العديد من العلماء المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين”.

خارج الحكومة والمؤسسات الرسمية، كان التأثير الإخواني الأبرز يتمثل في “جمعية الثقافة والتعليم والرياضة” (AKOS)، التي لها صلات بـ”اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” (FIOE)؛ وهي منظمة إخوانية مقرها في بروكسل. ورغم أن جمعية الثقافة والتعليم والرياضة هي منظمة صغيرة نسبيًا يقل دخلها السنوي عن 50 ألف دولار، وتمتلك موقعًا على شبكة الإنترنت يحصل على بضعة آلاف من الزيارات يوميًا، فإنها توفر بوابة لجلب الأشخاص إلى تيارات الإسلام السياسي.

الخلاصة

تلعب الرعاية الأجنبية التي تقوم بها تركيا وإيران في كل من مقدونيا الشمالية والبوسنة، دورًا مهمًا جدًا في انتشار الإسلام السياسي. ومن أبرز الاختلافات بين الدولتين أن نفوذ جماعة الإخوان المسلمين موضع خلاف علني في البوسنة، وليس في مقدونيا الشمالية، وأسباب ذلك جديرة بالملاحظة. إذ تحظى جماعة الإخوان بدعمٍ رسمي كبير في البوسنة، بطريقة لا تحظى بها في مقدونيا الشمالية، الأمر الذي يجعلها قضية سياسية ويحفّز المعارضة.

مكافحة التطرف الإسلاموي تتطلب تحديد بنيته الأساسية، المحلية وعبر الوطنية، وهذا التقرير المشترك بين جلوبسيك، ومشروع مكافحة التطرف، هو بداية ممتازة بالنسبة لدول البلقان.

 

المصدر: qpost

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر