السعودية والمظاهرات ودعوات التغيير | مركز سمت للدراسات

السعودية والمظاهرات ودعوات التغيير

التاريخ والوقت : الجمعة, 15 سبتمبر 2017

علي يعقوب

 

على مرِّ تاريخها الطويل، لم تكن الدولة السعودية في جميع أطوارها – الأولى، والثانية، والثالثة – بمنأى عن دعوات التغيير وتأليب الشعب على حاكمه، سواء كان ذلك من خلال أنظمة بعض الدول: كعبدالناصر، وصدام، والقذافي، أو من خلال بعض الأفراد (المعارضين) كسعد الفقيه، ومحمد المسعري، وغيرهما.

والمتأمل في أصحاب هذه الدعوات ومآلاتها، يخرج بأمرين:
الأمر الأول: فيما يخص أصحاب هذه الدعوات:
فكلهم قد سقطوا واندثرت آثارهم، وأصبحوا أحداثًا على كتب التاريخ، ومشاريعهم التي كانوا ينادون بها، أصبحت عنوانًا للفشل، ورسمًا على الماء، فعلى سبيل المثال: جاء عبدالناصر بمشروع القومية العربية، ونادى به، وناكف السعودية، مهددًا لها تارة، ومتوعدًا أخرى بأخذ منطقتي جيزان ونجران.
ثم ماذا حدث؟ ذهب عبدالناصر، واندثرت تلك الدعوات والتهديدات التي كان يطلقها، وبقيت السعودية إلى يومنا هذا كما هو مشاهد، بل وقفزت قفزات مهولة، حتى وصلت لتكون إحدى أقوى عشرين اقتصادًا في العالم.

والحال ذاته مع صدام، حرك جيشه، وتجرأ على السعودية، متخذًا من (ستالين) – القائد الثاني للاتحاد السوفييتي – أبًا روحيًا له، وانطلق يبشر بمشروعه ويدعو له، ذلك المشروع البعثي.
ثم ماذا حدث؟ رحل صدام، ورحل مشروعه، وبقيت السعودية.
والقصة مع القذافي هي ذاتها، وفصولها قريبة لذلك لا داعي لذكر تفاصيلها، رحل هو وبقيت السعودية.

أما بالنسبة للأفراد، أو المنظمات – وإن كان يقف خلفهم دول، كما اعترف بذلك، حمد بن جاسم في تسجيله المسرب مع القذافي – فإن تأثيرهم، كما يقول الواقع، يصل للعدم، إذ إنهم طوال تاريخهم من التحريض، لم يستطيعوا أن يصلوا إلى بغيتهم، رغم ما يبثونه بشكل يومي من مواد تهدف إلى زعزعة ثقة المواطن السعودي بالدولة السعودية.

وبالرغم من كل هذه المحاولات، والسعي الحثيث والدؤوب، لمناوئي الدولة السعودية، في إحداث الاضطرابات، وزعزعة الأوضاع الداخلية، وعلى الرغم من بعض القضايا الداخلية التي يحاول أعداء الدولة السعودية اللعب على وترها، كالبطالة، والسكن، وغيرها من القضايا، يتمُّ تفويت كل دعوات للمظاهرات والاعتصامات – كدعوة ما يسمى مظاهرات حنين -، وهنا كان لازمًا أن أقف محللاً طبيعة العلاقة بين شعب المملكة وحكامه، والأسباب التي تجعل هذا الشعب عصيًا على أن يكون أداة في يد دعاة المظاهرات من دول وأفراد.

ومن وجهة نظري المتواضعة، أن ذلك يعود إلى العديد من الأسباب، سوف أقتصر على ذكر أهمها فيما يلي:
1- المبدأ الذي قامت عليه الدولة السعودية:
لم تقم الدولة السعودية على حزبيات، أو أفكار بشرية، أو دعوات قومية، وإنما قامت حين قامت على كتاب الله وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك، فإن كل ملوكها عندما يبايعون، فإنهم يبايعون على الحكم بشرع الله وسنة النبي، صلى الله عليه وسلم. ومن هنا يُعلم أن القوة الرئيسية لهذه الدولة، هي تمسكها بشرع الله الحنيف، يقول الملك سلمان بن عبدالعزيز في حديثه عمَّا قامت عليه الدولة السعودية: “قامت الدولة السعودية على أساس الكتاب والسنة، ولم تقم على أساس إقليمي، أو قبلي، أو أيديولوجي (فكر بشري). فقد تأسست على العقيدة الإسلامية منذ أكثر من مئتين وسبعين سنة، عندما تبايع الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمهما الله – على نشر الإسلام وإقامة شرع الله عزَّ وجلَّ”.
هذا المبدأ الذي قامت عليه البلاد السعودية، وعد الله من قام به أن ينصره، ويمكِّن له، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.
ولهذا، فمن الطبيعي أن تبقى الدولة السعودية، دولة عصية على تلك الدعوات، بل وقدرتها على العودة من جديد، كما حدث إبان الدولتين السعودية الأولى، والثانية.

2 – التزام عقيدة السلف:
لم يقتصر الحكم على الشرع في السعودية، يقول مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – طيب الله ثراه – متحدثًا عن عقيدته: “إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة…”.
وهذا المنهج السلفي – الذي هو الامتداد الحقيقي والوحيد للإسلام الصافي – يمثله في المجمل علماء الدولة السعودية، حيث إن الدولة السعودية ما فتئت منذ نشأتها تعمل على تقريب العلماء وإجلالهم والتواصل معهم في أمور الحكم والسياسة.

والعلماء في الدولة السعودية، كان لهم العديد من المواقف التي تبين حقيقة أمر هذه الدعوات للمظاهرات، أو الخروج على ولي الأمر، حيث بينوا حرمتها، وأفتوا بأنها من أفعال الخوارج، وطالبوا عامة الناس بعدم الانجرار خلفها، مستندين في ذلك إلى العديد من النصوص الشرعية، كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾، وكذلك العديد من الأحاديث النبوية التي تنهى عن الخروج على الحاكم وإن جار وظلم، كقوله صلى الله عليه وسلم: “ستكون أثرة وأمور تنكرونها”، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: “تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم”.
ولعل هذا ما يفسر حنق بعض دعاة المظاهرات على هيئة كبار العلماء في السعودية، حيث أطلقوا عليها العديد من الأوصاف التي تتهمها بالمداهنة، والعمالة، وغيرها من الأوصاف، التي تخرج من هنا وهناك، بسبب تحريمها الخروج على الحكام؛ ولأن الشعب السعودي متدين بطبعه، ومرتبط بعلمائه، كانت فتاوى مثل هذه، حجر عثرة في تمرير دعوات المظاهرات، واستجابة الشعب السعودي لها.
وعن هذا الشعب سيكون الحديث في النقطة الثالثة.

3 – العلاقة بين الشعب وقيادته:
يفشل كثير من المنظرين الذين يريدون أن يحللوا طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في السعودية، وعدم نجاح الثورات فيها، إذ يعزون ذلك إلى الخوف من القمع والاعتقال، أو إلى مستوى الحياة التي يعيشها الشعب السعودي في عمومه.
والحقيقة أن طرحًا كهذا – من وجهة نظري – المتواضعة طرح قاصر؛ لأن العلاقة بين الشعب السعودي وحكومته، ليست علاقة حاكم ومحكوم فقط، وإنما علاقة انتماء وأمشاج عائلية، وأواصر اجتماعية متينة. فالأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، لم تأتِ على ظهر مستعمر، ولا دبابة غازٍ، بل هي أسرة من ذات الشعب ونسيجه. وما يؤكد صحة هذا الرأي، هو: عودة الحكم للأسرة الحاكمة في السعودية مرتين، عقب سقوط الدولة السعودية الأولى، ثم عقب سقوط الدولة السعودية الثانية.
هذا الواقع لا يفهمه كثير ممن لا يعرف هذه الطبيعة، وعدم الفهم هذا، يعود – في رأيي – إلى أحد ثلاثة أمور:
1 – إمَّا لأن هذا الذي يحاول أن يفسر الواقع لم يعش في المجتمع السعودي، ولم يعرف طبيعته، وبالتالي فإن مقدماته خاطئة، فبطبيعة الحال ستكون نتائجه خاطئة.
2 – أو أن دولته شهدت العديد من أصناف الحكم، جاءت إما عن طريق انقلابات، أو نُصِّبت عن طريق مستعمر، فالذي نشأ في هذه الأجواء وأصبح أسيرًا لها، لا يستطيع أن يفسر كل ظاهرة، إلا وفق ما عايشه في بلاده.
3 – أو أنه لا يريد أن ينظر إلى الأمر بموضوعية، وإنما يرى الأمور وفق أهوائه، وما يتمناه هو، لا ما يعاينه من واقع.

4 – تماسك الدولة وقوة مؤسساتها:
تسقط الدول عندما تقسط هيبتها، وتقل كفاءة مؤسستها، ويتراخى القائمون عليها في مواجهة الأخطار المحدقة. وبالعودة إلى وقائع التاريخ، نجد أن والي الدولة الأموية في خرسان نصر بن سيار، قد حذَّر من بوادر تحركات للإطاحة بملك بني أمية – وهذا ما حدث -، ونظم في ذلك أبياتًا، قال في بعضها:
أرى بين الرماد وميض جمر… وأحرى أن يكون له ضرام
فإن النار بالعيدان تذكى… وإن الحرب مبدؤها الكلام
فقلت من التعجب ليت شعري… أأيقاظ أمية أم نيام
والمتابع يرى أن الحكومة السعودية، كانت حازمة جراء هذه الدعوات، وبعض الاستجابات التي قامت بها بعض المجموعات من هنا، أو هناك.
كما أن الملاحظ، أن طريقة التعامل من قبل الأمن في السعودية مع بعض هذه التجمعات، أصبحت أكثر دقة وحرفية، فمثلاً: التعامل الذي كان من قبل قوات العام في عام 1995 في المظاهرات التي قادها سلمان العودة ، يختلف عنه تلك الطريقة التي واجهت بها قوات الأمن تجمعات ما يسمى بـ(فكوا العاني).
والحال كذلك، مع تجمع قامت به بعض النسوة عام 1990، يطالبن بقيادة السيارة ، مع تجمع مماثل أمام وزارة الداخلية، قامت به بعض النسوة، من أجل الضغط لإخراج ذويهم من السجون.

5 – النظام الملكي:
نظام الحكم في السعودية نظام ملكي، وهذا النظام له نظير تاريخي من أيام الدولة الأموية، إذ الأنظمة الملكية ليست بمنتج مستورد كالأنظمة الجمهورية التي ينادي بها البعض تحت مسمى (الديمقراطية)، فالديمقراطية منتج غربي لا يناسب المجتمعات العربية، فضلاً عن حقيقته الشرعية، من حيث إنه يجعل البشر مشرعين من دون الله، هذا من حيث العموم.
وعلى صعيد آخر، فإن النظام الملكي يعطي ضمانة للاستقرار، والأمن الاجتماعي، إذ إن الأنظمة الملكية بقيت في منأى عَّما يسمى بالربيع العربي، ولم تتعرض لما تعرضت له الأنظمة الجمهورية ونظيراتها، على الرغم من الارتباط (الجيوسياسي) بين بعض الدول التي قامت فيها ما يسمى (بالربيع العربي)، فعلى سبيل المثال، نجد قرب سوريا من الأردن، وليبيا من المغرب، واليمن من السعودية.

6 – عدم وجود الأحزاب والجماعات:
من خلال المشاهدات التاريخية والحالية، نجد أن الأحزاب والجماعات، كانت (مكافيلية) في سبيل وصولها لسدة الحكم، فالحزب أيًّا كان، لا يرى بأسًا في أن يقوم بكل موبقة من أجل أن يحصل على أغلبية في البرلمان، أو أن ينال مرشحه منصب رئيس الوزراء.
وقد نجحت السعودية في أن تبقى في منأى عن كل تلك التجاذبات التي تقع بين الأحزاب المتنافسة، وما يترتب على تلك المنافسة من صفقات ومكائد، فكانت بذلك نموذجًا في الاستقرار الداخلي، وأغلقت باب الحزبيات، وما يترتب عليها من مناكفات وتجاذبات واستقطابات.

7 – المظاهرات ليست من ثوب الشعب:
للشعوب ثقافات وعادات تميزها عن غيرها، وهذه العادات والمكتسبات دائمًا ما كانت محل فخر واعتزاز للشعوب بمختلف ألوانها. وفيما يخص الشعب السعودي، فإن ثقافة المظاهرات والتجمعات ليست من عاداته، وإن حاول من حاول أن يدرب الشباب عليها، فإذًا، لا سبيل لإكساب هذا الشعب هذه الثقافة التي لا تمتُّ لموروثه من قريب، ولا من بعيد.

8 – من دون كاريزما ولا مصداقية:
كثير ممن ينادي بالثورات، ليس له الكاريزما ليكون قائدًا، فضلاً عن أن يكون رئيسًا، أو ملكًا فيما بعد، وهؤلاء الدعاة ليس لهم مصداقية عند الناس؛ ولذلك لا يُصغى لدعواتهم، وإن أُصغي لها، فإنه يُصغى لها على نطاق محدود وضيق جدًا، ربما لا يتجاوز أصابع اليد الواحد في دولة بلغ تعداد سكانها 30 مليونًا.
فمثلاً، بعض هؤلاء المنظرين للثورات في السعودية، يتهمونها بأنها تحالفت مع الدول الكافرة، وفي المقابل نجد أن هؤلاء يعيشون في تلك الدول التي يتهمون السعودية بالتحالف معها، بل ويدفعون الضرائب، ويساهمون – بشكل أو بآخر – في خدمة تلك الدول، فأي مصداقية يمكن أن يكتسي بها هؤلاء؟
ومما يدل على أن هؤلاء ليسوا أهلاً للقيادة: أن بعضهم – على سبيل المثال – يسمي تنظيم القاعدة، الذي فجر في بلاد السعودية، وأهلك الحرث والنسل، بالجهاديين، وربما أطلق على زعيم تنظيم القاعدة الهالك لقب (الشيخ)، ثم هو مع ذلك، يريد أن يثير هذا الشعب المكلوم من هذا التنظيم الإرهابي على حكومته! فأي عقل هذا؟! وأي منطق؟!!

9 – الاعتبار بحال الدول والأمصار:
جاء ما يسمى بالربيع العربي، واستبشر من استبشر به، ومضى هذا الربيع ليكشف عن وجه إعصار يأكل الأخضر واليابس. لم تحقق تلك الأحلام التي علقها البعض بهذا الربيع، والآن وبعد أن شاهد الجميع حقيقة هذا الربيع العربي، كيف يظن عاقل أنه بإمكان تحريك الناس من أجل ثورات أخرى؟، وقد قال العراقيون والسوريون وغيرهم: نحن نرضى أن نعود إلى ما قبل هذه الثورات مقابل الأمن والأمان.

10 – وعي مجتمعي:
يمثل الشباب في السعودية الفئة الكبرى من عدد السكان، هذه الفئة في مجملها قد درسوا وتعلموا، وكثير منهم يمتلكون الشهادات العليا في كثير من المجالات، وهذه الفئة هي ما يحاول دعاة الثورات استقطابها. وفي الواقع، فإن استقطاب هذه الفئة، عصي على دعاة الثورات لأمور عديد، من أهمها:
الوعي الذي تمتلكه هذه الفئة، وهذا يقاس من خلال مواقع التواصل التي تستطيع أن تعطيك صورة عامة عن حقيقة وتفكير هذا الشباب السعودي.
فالشباب السعودي، ليس مغيبًا عمَّا يجري حوله من أحداث، بل هو مواكب لها أولاً بأول، كما أنه ليس سهل الانقياد للأجنبي عنه؛ لما يمتلكه من موروث يعتز به، إضافة إلى ما ذكرته من حصوله على تعليم جيد، يمكنه من التحليل والتفسير، ويحصنه من الجهل الذي يشكل مرتعًا خصبًا لكل دعوة تطلق من هنا، أو هناك.

إذًا.. فالرهان على استقطاب هذا الشاب السعودي ليقوم بما ينادي به الداعون للمظاهرات، أراه أمرًا يقع في مربع الاستحالة، سواء من كان يقوم بذلك، ينطلق من منطلقات فئوية، أو دينية، أو مناطقية.
باحث في الدراسات الإسلامية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر