سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فيجاي شانكار
تعرّضت قصة النمو المبهر في الصين للاضطراب بسبب جائحة “كوفيد – 19″، وما ترتب على ذلك من فوضى أدت إلى انهيار النظم الاقتصادية العالمية. ومن المفارقات، خلال الفترات السابقة، أن النمو الصيني كان قادرًا على التخلص من تداعيات مذبحة “ميدان تيانانمن” على الرغم من المأساة الإنسانية الواضحة التي تسببت فيها بجميع أنحاء العالم.
وحتى الأزمة المالية التي شهدتها العالم في 2008 فشلت في أن يكون لها أي تأثير كبير على الصين بسبب نظامها المالي المغلق، والحافز الاقتصادي الهائل الذي قدمته لتشجيع الاستهلاك الداخلي والاستثمارات الخارجية، ونهجها الأحادي في تعزيز تراكم التقنيات بجانب الأيديولوجيات المختلة والاتفاقيات الدولية.
وتواجه بكين معضلة اقتصادية معقدة لن تنحسر ولن تستسلم لأي حافز مالي كما فعلت في عام 2008 بسبب حجمها الهائل وروابطها المعقدة مع أنظمة عالمية أكبر. وإلى جانب ذلك، أدَّى افتقار الصين إلى الشفافية في منشأ وظروف انتشار الجائحة العالمية إلى تراجع الطلب العالمي على الصادرات الصينية. وقد برز اتجاه عدائي ومختلط في بعض الأحيان تجاه أعماله واستراتيجيات الاستيلاء على الأراضي للقرض مقابل التأجير.
يجادل هذا المقال، بأنه “يمكن أن يأتي أحد أكبر المخاطر طويلة الأجل للاقتصاد الصيني في شكل اقتصادي”. فعلى مدار عام 2020، تصاعدت التوترات بين الصين والهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة بشأن عدد من القضايا، التي تشمل: لاداك، وجزر سينكاكو، وهونغ كونغ، وتايوان، والحرب التجارية الطويلة، وزيادة التنافس التكنولوجي. كما أدى اضطراب العلاقات بين هذه الاقتصادات الكبيرة إلى ضغط هبوطي على النمو. وفي الواقع، بدأ النمو الاقتصادي الصيني في الانخفاض في عام 2010. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين من 9.5% في عام 2011 إلى 7.3% في عام 2014؛ ومن المتوقع أن يستمر المعدل في الانخفاض إلى 1.85% في نهاية عام 2020. ولكن من المتوقع أن يرتفع فيما بعد.
وفي غضون ذلك، شرعت الصين في اتخاذ تدابير عسكرية للاستمرار في المطالبات ضمن “خط الفواصل التسعة ” في بحر الصين الجنوبي، مما عجَّل بتورط إقليمي مع الهند. وقد تم الضغط عليه بخطة خاصة بالبنية التحتية العالمية الضخمة تسمى “مبادرة الحزام والطريق”. وقد أعادت الصين تنظيم جيشها بشكل جذري وبأسلوب أكثر حداثة. كما فرضت إطارًا أيديولوجيًا في المدارس ووسائل الإعلام، يتصل برؤية الصين المتجددة.
وفي ظل هذه الظروف، قد يحمل المستقبل احتمالين:
الاحتمال الأول: عزَّزت بكين وجهة النظر القائلة بأن اقتصادها يبرز باعتباره “أكثر مرونة وتنافسية” من أي اقتصاد آخر من خلال بناء “نظام جديد للاقتصاد المفتوح وبمعايير أعلى”. لكن هذا يبدو على خلاف الحقائق على الأرض. وتعتبر أستراليا مثالاً على ذلك، حيث أدى حظرها لشبكة الجيل الخامس الصينية إلى رد فعل متبادل، إذ قامت الصين بحظر ممنهج على استيراد المنتجات الأسترالية، بالإضافة إلى الشروع في حملة إعلامية وذلك كرد فعلٍ على تورط أستراليا في الحرب الأفغانية.
وفي العديد من المنتديات، أوضح الرئيس الصيني “شي جين بينج” أن العالم يحتاج إلى الصين أكثر مما تحتاج الصين إليه. وكما يجادل هذا المقال، أن الثقة المكتشفة حديثًا في معنى العولمة ذات التوجه الصيني تبدو أكثر وضوحًا؛ حيث تعمل بكين على إنشاء نظامٍ يكون فيه الخضوع للمنتجات الصينية على قدر كبير من مقاومة أي نزعات منشقة لأنها تعيد كتابة مجموعة جديدة من القواعد للنظام الاقتصادي الدولي. وهنا يثار التساؤل: هل العالم “ينجرف” لهذا النظام الجديد؟
الاحتمال الثاني: ويتعلق هذا الاحتمال بطبيعة عالم ما بعد الوباء وتأثيره على الأنماط الصينية. أي: هل سنرى المزيد من الإقليمية المجزأة وعولمة أقل، أو سنرى استجابة عالمية لقومية “شي” التخريبية؟ ذلك أنه من أجل استجابة عالمية أو على الأقل صد قوي وهادف، ينبغي تنحية المصالح التجارية قصيرة الأجل جانبًا.
وبشكل أكثر جدية، فقد لاحظنا أن أستراليا، وعلى الرغم من معاقبتها من خلال الحظر الصيني الذي فرضته على صادراتها والذي يقدر بقيمة 6 مليارات دولار أميركي بشكل غير عادل، فإنها خرجت عن مسارها الخاص بالانخراط في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. وهو ما قد يكون أشبه باستجابةٍ مناسبةٍ في الفكر الواقعي الجديد الذي يمثل محاولة لإدخال الصين إلى مجموعة الوضع الراهن. ومع ذلك، ألم يكن هذا هو الهدف خلال العقود الثلاثة الماضية، عندما تمَّ فرض هيمنة للأمن العسكري على الأرض أمام اهتمام أكبر بالأجندات الاقتصادية والبيئية؟ إذًا، فالطريقة الأكثر تعقيدًا بالنسبة لهيمنة جديدة لمواجهة المعارضة هي مواجهة المنافسة المفككة.
هل نشهد غير مجرد وصول هيمنة إقليمية جديدة على نظام متغير للنظام الدولي، فقد كتب وزير الشؤون الخارجية الهندي الدكتور “س. جايشانكار” في كتابه (طريقة الهند: استراتيجيات لعالم غير مؤكد): “على مدى عقدين من الزمن، كانت الصين تفوز دون قتال، بينما كانت الولايات المتحدة تقاتل دون فوز”، أم أن الوباء وضع منعطفًا آخر لهذه القصة؟
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد دراسات السلام والصراع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر