رئيس اليابان | مركز سمت للدراسات

اليابان: “سوجا” يبدأ بقوة

التاريخ والوقت : الجمعة, 18 ديسمبر 2020

شاشانك ماتو

 

عندما تولى مقاليد السلطة قبل ثلاثة أشهر كان “يوشيهيديه سوجا” شخصًا غير معروف بالنسبة للمراقبين على مستوى العالم. ورغم أنه اكتسب سمعةً باعتباره سياسيًا ذكيًا في الخلفية من حياته المهنية الطويلة، فإن “سوجا” لم يكن لديه خبرة كبيرة في الشؤون الخارجية، وقد واجه أسئلة متكررة حول هذا الموضوع. ومع ذلك، اتسمت فترة ولاية “سوجا” القصيرة في المنصب بموجة من النشاط الدبلوماسي، من زيارات لفيتنام وإندونيسيا في أكتوبر، إلى استقبال رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون” في نوفمبر. وقد اتبعت السياسة الخارجية النشطة لـ”سوجا”، حتى الآن، المبادئ الأساسية لعقيدة رئيس الوزراء السابق “شينزو آبي” الاستراتيجية.

وفي خطوةٍ رمزيةٍ استراتيجيةٍ، كانت أول زيارة خارجية لـ”سوجا” إلى فيتنام. وخلال فترةِ رئاسةِ “آبي” للوزراء، كان جنوب شرق آسيا شريكًا أساسيًا لليابان، واستثمرت اليابان مليارات الدولارات في مساعدات التنمية وبناء البنية التحتية والاستثمار الأجنبي في محاولة لبناء علاقات أوثق. ومن خلال اختيار فيتنام لزيارته الخارجية، أشار “سوجا” إلى تصميمه على مواصلة هذا الارتباط. كما استخدم “سوجا” الزيارة للتأكيد على التزام اليابان بالحرية والانفتاح في المحيطين الهندي والهادئ. وتحدث “سوجا”، كما فعل “آبي” في كثير من الأحيان، عن “القواسم المشتركة الأساسية” بين اليابان ودول الآسيان فيما يتعلق بحرية الملاحة وسيادة القانون والاقتصاد، والانفتاح على المنطقة.

كما عكست زيارة فيتنام تعميق العلاقات بين البلدين بشكلٍ كبيرٍ. وعندما قدمت اليابان عرضًا مبالغًا فيه للشركات اليابانية للخروج من الصين في أعقاب “كوفيد ــ 19″، اختار حوالي نصف الشركات المشاركة الانتقال إلى فيتنام. وعلاوة على ذلك، برَزَت اليابان كثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي لفيتنام، حيث اقتربت الاستثمارات اليابانية من 60 مليار دولار أميركي، ووافقت على القيام باستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة في فيتنام. ومن الإنجازات الرئيسية الأخرى التي حققتها زيارة “سوجا”، الاتفاق من حيث المبدأ على تزويد اليابان فيتنام بالمعدات والتكنولوجيا العسكرية. إن العامل غير معلن، لكن المفهوم بوضوح، والذي يدفع كلا البلدين إلى التعاون عسكريًا، هو الصين. وقد عانت فيتنام، على وجه الخصوص، من طموحات الصين الإقليمية في جوارها مع مطالبة الأخيرة بأجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفيتنام وجزر سبراتلي وباراسل في بحر الصين الجنوبي. بدأ “سوجا” أيضًا يشعر بالدفء حيث دخلت السفن الصينية المياه الإقليمية بالقرب من جزر سينكاكو المتنازع عليها. وبعد أن قدَّمَ الملاحظات الصحيحة بشأن العلاقات مع فيتنام، انتقل “سوجا” نحو إندونيسيا.

وتشترك حكومة “ويدودو” في إندونيسيا في الكثير من نظرة فيتنام عندما يتعلق الأمر بالتعاون مع اليابان. لقد كانت إندونيسيا في موقع الطرف المتلقي للكثير من الهبات اليابانية، حيث استثمرت الشركات اليابانية أكثر من 4 مليارات دولار أميركي في البلاد العام الماضي، لتضع اليابان خلف الصين وسنغافورة فقط كأكبر مستثمر في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا. ومع تضرر الاقتصاد الإندونيسي بشدة من جائحة “كوفيد – 19″، وافق “سوجا” على تقديم قرض منخفض الفائدة بقيمة 473 مليون دولار أميركي لمساعدة إندونيسيا على التعافي الاقتصادي. وفي الأيام الأخيرة، خصَّصَت اليابان أيضًا 4 مليارات دولار أميركي لصندوق الثروة السيادي الجديد لإندونيسيا، الذي أصبح مفيدًا في مكافحة البطالة المتزايدة في بلاده.

وخلال زيارة “سوجا”، أعلنت اليابان عن عددٍ كبيرٍ من مشاريع البنية التحتية الجديدة مثل “شبكة مترو الأنفاق في جاكرتا، وتحديث خط سكة حديد جافا نورث لاين، وبناء وتشغيل ميناء باتيمبان، وتطوير ماسيلا بلوك، وتطوير الجزر الخارجية”. كما عرضت اليابان دعمها في مساعدة إندونيسيا على تنويع سلاسل التوريد وتقليل اعتمادها على الصين. ومثل فيتنام، واجهت إندونيسيا أيضًا ضغوطًا متزايدة من الصين.

وفي سبتمبر الماضي، اضطر خفر السواحل الإندونيسية لمواجهة سفينة بحرية صينية في المياه الإقليمية لإندونيسيا. وكما هو الحال مع فيتنام، وافقت اليابان على العمل بشكل وثيق في مجال الأسلحة وتكنولوجيا الدفاع. وعلاوة على ذلك، اتفق الجانبان على استضافة قمة 2 + 2 (وزيرا الدفاع والخارجية) في أقرب وقت ممكن. ومرة أخرى، تحدث كلٌّ من “شوقا” و”ويدودو” عن مزايا منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة مع تعهدات من كلا الطرفين للعمل معًا على تأمين نفس الشيء.

يتضح من خلال هذه الاجتماعات أن المبادئ الأساسية لعقيدة “آبي” لا تزال سليمة. ومثل سلفهِ، الذي زار جميع دول الآسيان بنهاية عامه الأول في منصبه، وضع “سوجا” المنطقة على رأس قائمة أولوياته. ومثل “آبي” أيضًا، قام “سوجا” باستثمارات استراتيجية في جنوب شرق آسيا من خلال قروض منخفضة الفائدة واستثمارات في البنية التحتية. وربَّما، وهو الأهم، أن “سوجا” قد أثبت أنه مستعد لمواجهة الصين. ذلك أن دفاعه المستمر عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، والتي دافع عنها “آبي” أول مرة وترددها الآن فيتنام وإندونيسيا، إلى جانب التعميق الكبير للالتزامات الدفاعية مع القوتين، يمثل استمرارًا في سياسة اليابان الخارجية الأكثر حزمًا.

لقد تُوِّجَ جدول “سوجا” الدبلوماسي المزدحم بزيارة من رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون”. وكما هو الحال مع فيتنام وإندونيسيا، أعرب كلا الجانبين عن رغبتهما المستمرة في دعم “التعاون والتعددية الفعالة من خلال الأطر والقواعد والمنظمات والمؤسسات الدولية”. ومع ذلك، كانت الصين في مقدمة محاور هذه القمة. وكما يبدو أن كلا البلدين ملتزمان بشكل متزايد باتخاذ موقف أقوى تجاه الصين، والبيان المشترك الصادر بعد القمة ذكر بشكل مباشر الإجراءات الصينية في هونغ كونغ وفي شرق وجنوب بحر الصين. وفي هونغ كونغ، شدَّدَت طوكيو وكانبيرا على أهمية احترام القانون الأساسي للجزيرة. وأثناء وجودها في بحر الصين الشرقي، شدَّدت القوى على أنها ستعارض الإجراءات الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن. ودعت الدول بشدة الصين على بحر الصين الجنوبي بإعلان معارضتها “استمرار عسكرة سمتين متنازع عليهما، والاستخدام الخطير والقسري لسفن خفر السواحل و(الميليشيات البحرية)، وإطلاق الصواريخ الباليستية، والجهود المبذولة لتعطيل الآخرين، وأنشطة استغلال موارد البلدان”.

وفي تأييدٍ مدوٍ آخر للمبادئ المتعددة الأطراف، دعت اليابان وأستراليا جميع الأطراف إلى العمل مع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لتسوية النزاعات البحرية وقبول قرارات تلك الهيئة. وعلى الجبهة الاستراتيجية، تم تحقيق مَعلَمٍ جديدٍ من خلال اتفاقية مبدئية بشأن اتفاقية الوصول المتبادل التي تتيح قدرًا أكبر من التشغيل البيني، والتدريب في أراضي القوة الأخرى، وحتى السماح لقوات الدفاع الذاتي اليابانية بالدفاع المحتمل عن الأصول العسكرية الأسترالية. وفي حين سيتعين على “سوجا” أن يضع اتفاقية الوصول المتبادل أمام البرلمان الياباني للموافقة عليها، فإن هذه هي المرة الأولى منذ 60 عامًا (منذ الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة) التي تسمح فيها اليابان بوجود قوات أجنبية على أراضيها. لكن الأمر اللافت للنظر هو أن الاتفاق كان عالقًا في المفاوضات مدة ست سنوات.

كما التزمت اليابان وأستراليا بالعمل معًا على توسيع الاستثمارات في الرعاية الصحية والبنية التحتية في دول جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ. ومرة أخرى، فقد كانت المخاوف بشأن النفوذ الصيني في هذه المناطق في طليعة المناقشات، كما أن التعاون المتزايد يسمح للقوتين بتقديم بدائل قوية للاستثمار الصيني. وفي جميع الاحتمالات، ربَّما تكون الصين قد دفعت أيضًا التركيز الذي وضعه كلا الطرفين على تعزيز الأمن الاقتصادي ومرونة سلسلة التوريد، حيث تمت مناقشة التعاون عبر شبكات الجيل الخامس والفضاء إذ اتفقت كلتا القوتين على الشراكة في تطوير هذه التقنيات نظرًا لأن “العنصر الرئيسي للتعاون الأمني ​​الثنائي هو تعزيز التنسيق في مجال الأمن الاقتصادي”. وأخيرًا، اتفق الجانبان أيضًا على توسيع العلاقات الأمنية مع القوى الأخرى من خلال الرباعية والحوار الاستراتيجي الثلاثي بين اليابان والولايات المتحدة وأستراليا.

لقد تحدى “سوجا” كل التوقعات بأن قلة خبرته النسبية في شؤون السياسة الخارجية ستُعِيقه. إذ كانت كافة تصرفاته في الأسابيع الماضية تسير على نهج المبادئ الأساسية لعقيدة “آبي”، مثل زيادة الاستثمار الاستراتيجي في جنوب شرق آسيا، وتوسيع العلاقات الدفاعية مع مجموعة من القوى ذات التفكير المماثل، وسياسة قتالية أكثر تجاه الصين. ومن المرجح أن تستمر الحرب الدبلوماسية الخاطفة التي قادتها اليابان خلال الأشهر القليلة الماضية والتي صاغها “آبي” تجاه الحلفاء، حيث كانت أكثر حزمًا وهو ما جعل “سوجا” يبدو أكثر قوة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر:  Observer Research Foundation

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر