سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
رايان بيرغ ولوري تاتينين
كان عام 1994 عام التجارة في نصف الكرة الغربي؛ فقد دمجت الولايات المتحدة والمكسيك وكندا اقتصاداتها بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، حيث عقدت الولايات المتحدة مؤتمر القمة الأول للأميركتَين؛ بهدف إبرام اتفاق تجاري يغطي نصف الكرة الأرضية الذي عرف في ما بعد بتسمية (المنطقة التجارية الحرة للأميركتَين). وبعد أكثر من ربع قرن، حلَّت اتفاقية (USMCA) التي أُبرمت بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، محل الاتفاقية القديمة، إلا أن أجندة التجارة الحرة في نصف الكرة الغربي توقفت. في عام 2021 ستستضيف الولايات المتحدة مجدداً القمة الثلاثية لدول الأمريكتَين ويجب عليها إعادة التجارة الحرة إلى جدول أعمالها مباشرة.
من غير الواضح دائماً بالنسبة إلى واشنطن لماذا يجب عليها أن تولي اهتمامها للأميركتَين (باستثناء جارتَيها كندا والمكسيك) في المسائل التجارية. فقد كافحت المنطقة كي تحقق نمواً سريعاً كالذي تحققه دولٌ أخرى نامية. الناتج المحلي الإجمالي لدول نصف الكرة الغربي؛ بما فيها كندا والمكسيك، يكاد لا يساوي ثُلث الناتج المحلي للولايات المتحدة. ودائماً ما كانت الجائزة الكبرى من نصيب المفاوضين التجاريين الأمريكيين هي صفقات تجارية كبيرة متعددة الأطراف مع دول آسيوية وأوروبية بدرجة أقل.
إلا أن هذه الاستهدافات تبدو بعيدة المنال؛ فحتى لو تحررت من قيود إدارة ترامب، فإن إمكانية التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة أوروبية سوف تقف دونها عقبات؛ مثل الخلاف حول الإنفاق الدفاعي، والتوجه الأوروبي الجديد نحو تنظيم شركات التكنولوجيا الأمريكية بقوة. وفي آسيا، أضاعت الولايات المتحدة فرصة عقد صفقة تجارية كبرى عندما ألغت إدارة ترامب اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي في الأسابيع الأولى لتوليها زمام السلطة. وحتى لو رغبت إدارة بايدن في إحياء هذه الاتفاقية -ربما سيكون هنالك الكثير من العوائق في سبيل ذلك- فإنها لن تكون كافية لوحدها لوضع الولايات المتحدة في مكانة تنافسية مع الصين التي ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية.
وفي أحسن الأحوال، فإن الاتفاقية قد تسمح للولايات المتحدة بمجاراة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي وقعتها الصين مؤخراً مع رابطة دول جنوب شرق آسيا والعديد من حلفاء الولايات المتحد المقربين؛ مثل أستراليا واليابان. ومنذ توقيع هاتين الاتفاقيتين كانتا دائماً في موقع المنافسة، وسوف تكون عودة الولايات المتحدة إلى المشهد متأخرة جداً في العديد من النواحي.
وهذا يتيح للأمريكتَين لعب دور بارز في استراتيجية التجارة الكبرى للولايات المتحدة التي تستمد قوة لا تُقدر بثمن من نصف الكرة الغربي المزدهر والمتكامل والديمقراطي إلى حد كبير. ولكنها بحاجة إلى تعميق مشاركاتها بسرعة؛ كي تتجنب هزيمة محتملة قد تكون دائمة. الصين هي الآن الشريك التجاري الأكبر للعديد من دول أميركا اللاتينية والكاريبي، وهذا ما يعطيها تأثيراً يمتد إلى ما هو أبعد من العلاقات التجارية. حتى الشريكان التجاريان للولايات المتحدة، كندا والمكسيك، كانتا مترددتَين في اتباع خطوات الولايات المتحدة في موضوع شركة “هواوي” على سبيل المثال. لذلك يجب على الرئيس المنتخب جو بايدن، أن يعيد تقييم مكانة الأمريكتَين في استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى، وأن ينظر في الطرق التي من شأنها أن تجعل اتفاقية تجارة حرة موسعة تعزز العلاقة معها.
عندما تستضيف الولايات المتحدة قمة الأميركتَين في العام المقبل، هنالك أسباب للاعتقاد بأنها تستطيع أن تتجنب الأخطاء المأساوية والانحرافات التي وقعت فيها سابقاً في تعاطيها مع أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي. في 11 سبتمبر عام 2001 تم التوقيع على الميثاق الديمقراطي للدول الأمريكية في ليما عاصمة البيرو. وهو اتفاق رفيع المستوى أعلن أن “شعوب الأمريكتَين لها الحق في الديمقراطية وأن حكوماتها ملزمة بتعزيزها والدفاع عنها”. وكان من المفترض أن تكون اتفاقية التجارة الحرة هي الخطوة التالية الطبيعية في مسيرة تعزيز الديمقراطية في المنطقة، إلا أن أحداثاً أخرى فرضت نفسها على المشهد؛ فقد كانت الحملات الأمريكية الواسعة في الشرق الأوسط وأفغانستان عامل إلهاء وتشتيت كبير، وفي نهاية المطاف ألحقت سمعة سيئة بمشروع الترويج للديمقراطية. والآن حان الوقت لإحياء روح المشاركة السابقة.
ظروف المنطق أصبحت ملائمة أكثر من أي وقتٍ مضى؛ ففي الأيام الأولى من الألفية الجديدة انتقدت الأصوات القوية المناهضة للتجارة العالمية فكرة اتفاقية التجارة الحرة لنصف الكرة الغربي. كانت اتفاقية التجارة الحرة المقترحة للأميركتَين هدفاً لاحتجاجات صاخبة ومتكررة. ونصبت البرازيل نفسها في زعامة الدول المناهضة للاتفاقية. وفي أنحاء أخرى من العالم، شكلت أحادية القطب الأمريكية عائقاً آخر، وأثارت الشكوك حول الهيمنة الأميركية في أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي. وقد أبدت دول أمريكا اللاتينية فتوراً في رغبتها باللعب مع الولايات المتحدة وبدأت الأمريكتان بالنظر نحو الصين وأوروبا.
وعلى كل حال، فإن الديناميكيات المتغيرة في التجارة العالمية والجغرافيا السياسية المتبدلة تجعل من اتفاقية التجارة الحرة في نصف الكرة الغربي أمراً أقرب منالاً مما كانت عليه في الفترة السابقة. يجب على إدارة بايدن أن تدرك أن البرازيل، الخصم الرئيسي لاتفاقية التجارة الحرة للأمريكتَين، قد غيَّرت موقفها بشكل كبير. هنالك الكثير من المآخذ على أسلوب الرئيس البرازيلي خافيير بولسونارو، في الحكم؛ ولكن من الواضح أنه يريد فتح اقتصاد البرازيل ودمجه مع الاقتصاد العالمي. إن النهج الذي يركز على معاقبة بولسونارو على سياساته البيئية السيئة وسجله المثير للجدل في مسألة حقوق الإنسان، قد يفوت فرصة كبيرة على نصف الكرة الغربي بأكمله.
علاوة على ذلك، أثبتت اتفاقية (USMCA) الثلاثية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، أن الولايات المتحدة يمكنها أن تضغط باتجاه التجارة الحرة مع زعيم شعبوي؛ كالرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بينما تحصل في نفس الوقت على ضمانات قابلة للتنفيذ بشأن حماية البيئة ومعايير العمل الأكثر صرامة التي يرغب حزب بايدن الديمقراطي في تأمينها. في الحقيقة إن التقدم في اتفاقيات التجارة الحرة من المرجح أن يشمل أحكاماً صارمة بشأن البيئة والعمالة؛ مما يسمح للمتخصصين في التجارة بأن يصبحوا هم مَن يضع أجندات صنع السياسات في مواضيع كانت محرمة عليهم في الحقبة السابقة من المفاوضات التجارية. وفي الوقت نفسه، بالنسبة إلى المدافعين عن المناخ، فلا شيء يمكنه أن يزيد من مخاوفهم مثل قوة الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف التي تتضمن أجندات بيئية في الممارسة الفعلية.
إذا كانت أوتاوا ومكسيكو سيتي ترحبان بتكامل أكبر مع اقتصادات إقليمية أخرى؛ لتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة، وإذا كانت برازيليا منفتحة للانضمام إليها، فإن دولاً عديدة أخرى سوف تجد دوافع مقنعة للانضمام أيضاً. تشيلي، العضو في الاتفاقية التي خلفت اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، والدولة التي تمر بمرحلة خطيرة للغاية من عدم الاستقرار السياسي، يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في أية اتفاقية تدعم مسارها في التكامل مع نصف الكرة الغربي أو مع العالم. ويمكن للأعضاء الآخرين في تحالف المحيط الهادي؛ مثل كولومبيا والبيرو، الترحيب أيضاً بمبادرة تحقق طموحهم في التعاون الذي ينخرط فيه جيرانهم؛ مثل الإكوادور والأوروغواي بشكل متزايد. وإذا جرى تصور المفاوضات التجارية بشكل أكثر شمولاً، يمكنها أن تجتذب دولاً ديمقراطية ذات حكومات أقل صداقة للولايات المتحدة.
على الرغم من أن صفقة تجارية آسيوية شاملة ربما ستبقى الجائزة الكبرى؛ فإن الاتفاق في جوارها المباشر سيبقى هو الاتفاقية الأساسية بالنسبة إلى الاستراتيجية الأمريكية الشاملة. فالولايات المتحدة يمكنها أن تحد من تأثير منافسيها الاستراتيجيين في نصف الكرة الخاص بها، بينما ترسم مساراً ينقل سلاسل التوريد والشركات إلى التجارة الإقليمية. علاوة على ذلك، فإن دولاً في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ربما لا ترغب في شراكة عسكرية مع الولايات المتحدة، وهذا أمر مألوف في شرق آسيا والشرق الأوسط وحتى في أوروبا. وفي فترة ما بعد الجائحة، ومع الانخفاض المتوقع في الميزانيات الدفاعية، يجب على واشنطن أن تغتنم الفرصة السانحة.
في السنوات الأخيرة، وبينما ضجت عناوين الأخبار بالحروب التجارية والانعزالية، أصبح الأميركيون يقدرون مجدداً فوائد مشاركة الولايات المتحدة للعالم. ووفقاً لمعهد غالوب، هنالك دعم كبير ومتزايد للتجارة الحرة بين الجمهور الأمريكي، ومع أن هذا الدعم بحد ذاته لا يرسم سياسات الولايات المتحدة؛ إلا أنه يفترض أن يوجهها.
وفي غضون ذلك؛ فالجاذبية واضحة بالنسبة إلى ما تبقى من دول الأمريكتَين. فاتفاقية التجارة الحرة ستتيح الفرصة للاستفادة بشكل أفضل من الاقتصاد الأكثر فاعلية وتنوعاً في العالم. وسوف يكون لنقل سلاسل التوريد وتكاملها أثر حيوي على انتعاش اقتصادات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في مرحلة ما بعد الجائحة بالنظر إلى عمق الانكماش الاقتصادي المتوقع فيها. وعلاوة على ذلك، فإن الاندماج يعطي الأمريكتَين فرصة لأن تسمعا مخاوفهما للولايات المتحدة.
في العقدَين الأولين من القرن الحادي والعشرين، افتقرت التجارة الحرة في نصف الكرة الغربي إلى بروز الحروب الأمريكية الطويلة في الشرق الأوسط أو حتى محاولات عقد اتفاقيات تجارية عبر المحيط الهادي والمحيط الأطلسي. وهذا الأمر يجب أن يتغير بشكل كبير إبان عهد إدارة بايدن. والإشارة الأولى إلى جدية الإدارة الجديدة تجاه التجارة الحرة في نصف الكرة الغربي، ستظهر في مدى استفادتها من القمة القادمة لرؤساء دول الأمريكتَين في وضع هذه القضية في صدارة جدول أعمالها. والإشارة الأخرى ستكون في دعوة واضحة للكونغرس لتمديد صلاحية الإدارة في الترويج للتجارة، التي تسمح للرئيس بمتابعة الاتفاقيات التجارية والتي ستنتهي صلاحيتها في منتصف عام 2021.
إن تجاهل التجارة في الأميركتَين سيكون خطأً مصيرياً؛ لا سيما عندما تفكر الولايات المتحدة في احتمال الانفصال الاقتصادي الجزئي عن الصين. وعلى دول الأمريكتَين أن تبرهن أن المنطقة تطمح إلى تحقيق تكامل اقتصادي أكبر، وأن هذا الطموح يشمل على أقل تقدير نصف الكرة الغربي.
المصدر: كيوبوست عن فورين بوليسي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر