سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بانعقاد هذه القمة، تكون تركيا قد استنفدت المهلة التي منحها لها الاتحاد الأوروبي خلال قمته الاستثنائية في أكتوبر الماضي لمراجعة مواقفها التي لم يطرأ عليها أي تحول إيجابي، وهو ما عبّر عنه «نيكوس ديندياس» وزير الخارجية اليوناني خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الثلاثاء الماضي بقوله: «إن أعضاء الاتحاد الأوروبي كافة اتفقوا على أن تركيا لم تُحدث تحولًا إيجابيًّا بعيدًا عن سياستها الخاصة بالتنقيب في المياه المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط». وأكد للصحفيين أن الاجتماع كشف بشكل واضح عن أنه «يجب أن يكون هناك رد على تركيا».
وإن تكن هذه القمة تضع تركيا على مفترق طرق في مسارها الاقتصادي وعلاقاتها بالاتحاد الأوروبي، فإن الاتحاد الأوروبي ذاته على مفترق طرق؛ فإما أن تُظهر دوله عزمها على مواجهة الإجراءات العدوانية التركية، أو أن تستجيب لسياسات الابتزاز والتهديد والمراوغة التركية. وفي المقابل تراهن تركيا على الانقسامات والمشكلات الداخلية بين دول الاتحاد الأوروبي، وتعتمد على شبكة علاقاتها المتشعبة بين عدد من دوله ذات الثقل؛ مثل ألمانيا وإيطاليا.
فبينما تقود فرنسا تيارًا حريصًا على التصدي لسياسات تركيا الاستفزازية، وردع سياساتها التوسعية في كلّ من شرق البحر المتوسط ومناطق النفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن ألمانيا تقود تيارًا يفضل التفاهمات السياسية والوساطة الدبلوماسية على سياسة العقوبات؛ حيث تمثّل العلاقة بين وتركيا وألمانيا نمطًا مختلفًا وحساسًا، بسبب الجالية التركية في ألمانيا، التي يزيد تعدادها عن ثلاثة ملايين، وتحكُّم السلطات التركية في عدد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية والقومية التركية على الأراضي الألمانية، وهو ما يجعل «برلين» عرضة لمخاطر أمنية غير محسوبة.
وتكتسب القمة المنعقدة حاليًّا قوة إضافية، قد تدفعها نحو قرارات عقابية أكثر جرأة، وهي فوز الرئيس الديمقراطي «جو بايدن» بالرئاسة الأمريكية؛ حيث من المتوقع، حسب تصريحات متعددة له، أن يضفي ثقلًا على دور الاتحاد الأوروبي ويدعم مواقفه ضد السياسات التركية، ويكتب نهاية لسياسات «ترامب» المتماهية مع سياسات «أردوغان» الإقليمية والدولية.
وبرغم أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا أمر متوقع خلال هذه القمة، فإن تردد الاتحاد الأوروبي وقلقه من اتخاذ هذه الخطوة يأتي من اتجاهين: الأول اقتصادي ويتمثل في الانعكاسات والارتدادات المحتملة لهذه العقوبات على الدول الأوروبية ذات المصالح مع تركيا، والآخر سياسي يقوم على خشية أن تدفع العقوبات المشددة تركيا إلى انعطاف حادٍّ نحو روسيا والصين وإيران.
فبرغم أن الاتحاد الأوروبي يمكنه إلغاء عضوية تركيا في الاتحاد الجمركي القائمة منذ عام 1998، باعتبارها عقوبة مشددة قد تؤدي إلى انهيار تركيا اقتصاديًّا، ولاسيما في ظل أزمتها الاقتصادية الراهنة، فإن تكلفة هذا الإجراء ثقيلة على دول الاتحاد ذاته؛ حيث سيكون مضطرًا لمواجهة أعداد ضخمة من البطالة المهاجرة إليه، وكذلك إلى تقديم مساعدات إلى تركيا.
أما عقوبة فرض حظر على تصدير الأسلحة ومركباتها التقنية إلى تركيا، فقد تكون الخيار الأكثر تأثيرًا؛ حيث تعتمد تركيا بشكل أساسي على الأسلحة الأوروبية ومكوناتها في صناعاتها العسكرية. كما يتوقع أن تشمل العقوبات فرض حظر كامل أو جزئي على منح القروض والمعاملات المصرفية، وحظر تصدير واستيراد سلع محددة ذات تأثير في الاقتصاد والإنتاج التركي. ومن المرجح أن تسفر نتائج قمة زعماء الاتحاد الأوروبي عن عقوبات مؤثرة في الاقتصاد التركي، متحاشية الإضرار بدول الاتحاد الأوروبي، وأن تتراوح درجتها بين المتوسطة والخفيفة، دون أن تصل إلى درجة «الاستفزاز» التي تدفع تركيا إلى خيارات «حادة» في توجهاتها الدولية، و«خشنة» في سلوكها العسكري في شرق المتوسط.