الشراكة عبر المحيط الهادئ | مركز سمت للدراسات

خطر تسليح التجارة على البيئة

التاريخ والوقت : الخميس, 10 ديسمبر 2020

كين هايدون

 

يتزايد الضغط في جميع أنحاء العالم لتطبيق تعريفات عقابية على الواردات من المتنافسين المتصورين الذين لا يعبأون بالأبعاد البيئية. لكن مثل هذه السياسات تشكل تهديدًا للتجارة ومن غير المرجح أن تساعد البيئة أيضًا. ولحسن الحظ، فإن هناك بدائل سياسية أفضل للتعامل مع الروابط التجارية والبيئية، بما في ذلك معالجة دعم الوقود الأحفوري.

ويدعو الاقتصاديون البارزون مثل “ويليام نوردهاوس” و”توماس بيكيتي” إلى فرض ضرائب حدودية على واردات الكربون من البلدان التي تسهم بدرجة كبيرة من التلوث. فقد تأسَّست هذه الدعوات على الخوف من أن الرسوم المفروضة على الإنتاج كثيف الكربون تدفع الإنتاج ببساطة إلى البلدان التي لا تخضع للضرائب. وقد يطالب أولئك الذين يفرضون مثل هذه الضرائب الحدودية أيضًا بالشرعية بموجب المادة السادسة من الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) التي تسمح بالتدابير اللازمة لحماية حياة الإنسان أو الحيوان أو النبات.

ومع ذلك، لا يوجد دليل على نمو ملاذات التلوث على نطاق واسع. فقد أفادت وكالة الطاقة الدولية بأنه بحلول عام 2019، ستكون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المتعلقة بالطاقة قد استقرت مع نمو قوي في مصادر الطاقة المتجددة في الصين والهند. كما حدَّدت كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، مؤخرًا، مواعيد مستهدفة لصافي انبعاثات الكربون. وتحمل العقوبات التجارية خطر الاستيلاء على الحمائية وكونها مقيدًا للتنمية الاقتصادية اللازمة لتمويل الانتقال إلى طاقة أنظف ولمعالجة الاضطراب الاقتصادي الناتج عن جائحة “كوفيد ــ 19” وما يرتبط بها من ضرورات لتسريع التحول الرقمي. وقد أصبحت تعديلات حدود الكربون من الضرائب المفروضة، على الواردات من البلدان التي ليس لديها آليات تسعير الكربون، جزءًا لا يتجزأ من السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي، كما أعرب الرئيس الأميركي المنتخب “جو بايدن” عن دعمه لها.

وربَّما تتخذ هذه العقوبات شكل إجراء أحادي الجانب من قبل أوروبا والولايات المتحدة، أو قد يتم تطبيقها من خلال اتفاقيات التجارة التفضيلية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأماكن أخرى حول العالم. وعلى سبيل المثال، تحتوي اتفاقية الاتحاد الأوروبي واليابان على الالتزامات التي يمكن أن يلجأ إليها الاتحاد الأوروبي للترويج لنهج أكثر عدوانية تجاه التجارة والبيئة، بما في ذلك أن تتعاون الأطراف لتعزيز مساهمة التجارة في الانتقال إلى انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة (المادة 16.4) )، فضلاً عن مواجهة أية مخاطر مماثلة متأصلة في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين أستراليا والاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد أوضح “جو بايدن” أن أي اعتبار لإعادة مشاركة الولايات المتحدة في إطار الشراكة عبر المحيط الهادئ سيعتمد على التزامات أقوى يتم التعهد بها بشأن البيئة والعمل. ويمكن أن تنطوي مثل هذه الالتزامات على عقوبات تجارية.

كما يجب دحض الدعوة إلى هذه الإجراءات في كل فرصة، ولكن لا يكفي مجرد أن نقول “لا” للعقوبات التجارية. فانتقال الطاقة غير مضمون، في حين أن هناك المزيد مما يتعين القيام به. وعلى الرغم من تحركهم في الاتجاه الصحيح، لا يزال كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية تقوم بتمويل غالبية محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم. ولحسن الحظ، فإن هناك تدابير أخرى ذات صلة بالتجارة يمكن اتخاذها لتحقيق أغراض بيئية يمكن أن تتضمن، بشكل مهم، تقليل التشوهات التي تتعرض لها التجارة بدلاً من زيادتها.

وقد كان اثنان من هذه التدابير على جدول أعمال منظمة التجارة العالمية لسنوات، ولكن ثبت أنه من الصعب بشكل محبط المضي قدمًا مثل محاولات تقليل إعانات الصيد والمفاوضات الهادفة لتحرير التجارة في السلع والخدمات البيئية. وبينما ينبغي الحفاظ على هذا العمل والتعجيل به، في إطار منظمة التجارة العالمية التي نأمل أن يتم تنشيطها، فإن ثمة إجراءان آخران قد يؤديان إلى نتائج فورية أكثر.

الإجراء الأول: هو العمل في منظمة التجارة العالمية لخفض دعم الوقود الأحفوري. ذلك أن إلغاء دعم الوقود الأحفوري، وفقًا لصندوق النقد الدولي، من شأنه أن يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة تصل إلى 23%. فقد استهدفت بعض النزاعات التي شهدتها منظمة التجارة العالمية الدعم الحكومي للطاقة المتجددة، مما أعطى أسسًا لاستهداف السياسات الداعمة للطاقة القائمة على الوقود الأحفوري. وفي مقابل ذلك، فإن ثمة اثنان من التحديات التي يتوقع أن يواجهها ذلك الغرض: أولاً، يجب إثبات الصلة بين الإعانات المحلية والتجارة. إذ يمكن القيام بذلك عن طريق اللجوء إلى اتفاقية مكافحة الإغراق لتحديد أن الصادرات المدعومة بالطاقة تشكل تصديرًا بقيمة أقل من القيمة العادية، وبالتالي تصبح عرضة للانتقام.

أمَّا الإجراء الثاني، فيتركز على تجنب الاضطراب الاجتماعي في البلدان النامية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، إذ يجب تنفيذ سياسات التخفيف من المساعدة الإنمائية بتنسيق من هيئة مثل مجموعة العشرين.

إن التخفيضات العالمية في دعم الوقود الأحفوري يمكن أن تحفز الإصلاح في أستراليا. إذ زاد دعم استهلاك الوقود الأحفوري بشكل كبير في أستراليا على مدى العقد الماضي، فتمَّ التخلي عن الإيرادات بما يعادل أكثر من 40% من الضرائب المتعلقة بالطاقة، وهي حصة عالية وفقًا لمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وعلى الجانب الآخر، فإن ثمة ضرورة للتأكد من أن الحرب التكنولوجية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين والسعي غير الحكيم لفصل الاقتران، لن يؤدي إلى مزيد من الأضرار الجانبية للتعاون الحيوي مع الصين في مجال الطاقة المتجددة. وهو ما يفرض ضرورة دعم تصدير أستراليا لخدمات التعليم في مجال الهندسة الكهربائية للطلاب الصينيين (وغيرهم) مع تطوير مصانع الألواح الكهروضوئية الشمسية في الصين من أجل دعم التصدير إلى أستراليا وبقية العالم. وبالتالي، فإن الانفتاح التجاري يبدو أمرًا حيويًا من أجل نقل الطاقة.

وبالنظر إلى المستقبل، ومع انتقال البلدان إلى سياسات “الطاقة الذكية” التي تعتمد على الشبكات الرقمية، ستصبح خبرة أستراليا في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلوم البيانات خدمةً ذات قيمة متزايدة قابلة للتداول. إذ تلعب التجارة دورًا مباشرًا في السعي إلى تحقيق الأهداف البيئية كمُيَسِّر وليس كسلاح يمكن أن يفيد جميع البلدان المعنية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: منتدى شرق آسيا

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر