سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إبراهيم غرايبة
ستكون الحالة المفضلة للعمل الاجتماعي في مواجهة التطرف والكراهية هي أن تتحول البرامج والأنشطة الثقافية والتعليمية إلى مصالح مجتمعية واستثمارات تجارية قابلة للربح أو الاستمرار، وبعض هذه المشروعات مثل؛ دور النشر وقصص الأطفال، تخطو جيداً لتكون استثماراً ناجحاً، وبعضها يمكن دعمه أو شراء خدماته مثل؛ المسرح والأفلام والدراما والكتب والقصص والفنون والموسيقى ليتشكل حولها سوق ومصالح تجتذب الأجيال والجمهور.
إنّ الخلاصة الرئيسية لهذه المقالة مستمدة من ضرورة استقلال المجتمعات والمدن وضرورة مشاركتها الفاعلة مع السلطات والأسواق، فالإصلاح والاعتدال بيئة صحيحة وفاعلة للأسرة والسوق والثقافة والمؤسسات الاجتماعية والإدارات الرسمية لخدمات المجتمع والتعليم والشؤون الدينية، ويمكن الاستدلال على المجتمع الفاعل الذي يملك المناعة من التطرف ويخلو من الهشاشة بالمؤشرات التقليدية العامة في التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والمؤسسات الثقافية والجرائم، والشعور بالرضا والثقة بالأفراد والسوق والمؤسسات الوطنية والاستهلاك والإنتاج الثقافي والفني، وبرغم أنّها لا تدلّ مباشرة على الاعتدال والتقدم، لكنّها تدل على مجتمع فاعل وقادر وعلى أفراد أسوياء يشعرون بالرضا ومستعدين للمشاركة والاندماج في الدولة والمجتمع.
يصعب، إن لم يكن مستحيلاً، بناء الاعتدال ومواجهة التطرف من غير مجتمعات ومدن متماسكة ومستقلة تفكر وتبحث عن وعيها لذاتها، ولن يفيد هذه البرامج أن تكون تقدمية وأن تُخصَّص لها الموارد إذا لم تتقبّلها وتحملها المجتمعات، والمجتمعات أيضاً لن تكون قادرة أو مؤهلة لاستيعاب الإصلاح والاعتدال وحملهما إذا لم تكن تشعر بالحاجة إليهما، وتبحث بالفعل عن وعيها لذاتها وما تحتاج إليه وما لا تحتاج، وما تريده وما لا تريد، فالإصلاح ببساطة هو ما نحب ويجب أن نكون عليه.
وإذا كنا نقدّر أن الأسرة هي المؤسسة الأكثر حضوراً في العمل الاجتماعي في مرحلة الشبكية، وأنّها سوف تحمل جزءاً كبيراً من العمل التعليمي والرعاية الصحية والاجتماعية، فلا يمكن تصوّر أن تؤدي الأسرة دوراً إيجابياً في مواجهة التطرف إلا إذا كانت أسرة متماسكة وناجحة ولديها الوعي الكافي والمهارات اللازمة لإعداد الأطفال وحمايتهم من التطرف والهشاشة، ولا يكفي بالطبع أن تكون الأسرة متحمّسة لمواجهة التطرف إذا كانت مفكّكة أو لا تقدم الرعاية الشاملة لأبنائها في التنشئة والتعليم والرعاية والمنعة بشكل عام..
والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية التي تعمل في مجال الأطفال والأسر في حاجة إلى ملاحظة العلاقة بين التطرف والأزمات الأسرية والاجتماعية الاقتصادية، مثل؛ الفقر والتفكك الأسري، فإذا كان أولياء الأمور على درجة من الهشاشة أو عدم القدرة على إدراك المخاطر والمسؤوليات أو استيعاب الأطفال واكتساب ثقتهم، فهنا تكون مسؤولية المؤسسات الرسمية والمجتمعية والبلديات أن تبذل ما يمكنها من حماية الأطفال ومساعدة الأسر على أداء دورها.
يظل التعليم بطبيعة الحال هو المدخل الأساسي للإصلاح وتفعيل المجتمعات، لكن يجب الملاحظة أنّ المدرسة تفقد مركزيتها السابقة في مقابل صعود الأسرة، لكن تظل المدرسة حلقة أساسية وكبرى للتعليم وبناء شخصية التلاميذ الاجتماعية وصداقاتهم ومستقبلهم المهني، وفي الوقت نفسه فإنّ المدارس تشكل مسرحاً خطيراً للهشاشة، ويحدث بنسبة كبيرة أن يفقد الأطفال في المدارس مناعتهم الاجتماعية أو قدراتهم الإبداعية، لكن ماتزال المدارس هي الحلقة الرئيسة التي يقضي فيها الأطفال معظم النهار ويظلّون مرتبطين بها بعد عودتهم، وإن كان يتوقع أن تتغير في المستقبل العلاقة الفيزيائية بين التلاميذ والمدارس، وفي جميع الأحوال فإنّ المدارس يمكن أن تؤدي دوراً فاعلاً وحاسماً في بناء المناعة ومواجهة الهشاشة حتى مع اعتبارها مسؤولة عن حالات ليست قليلة من الهشاشة والتنميط وفقدان الإبداع والمهارات الحياتية الأساسية.
في رسالة المدرسة فإنّها يجب أن تشغل أو تزيد اشتغالها بالمواهب والمهارات الإبداعية والحياتية في الكتابة والفنون والموسيقى والمسرح والرياضة والعمل التطوعي وخدمة المجتمع، وتشجيع الفكر الناقد والحوار والجدل والنقاش بحرية واسعة. والاستماع إلى أفكار التلاميذ وآرائهم مهما كانت، والاهتمام بها، وتشجيع الفكر الإيجابي والتأكيد المتواصل على الاعتدال والتسامح والتعاون والاحترام لجميع الناس على اختلاف أوطانهم وأديانهم وثقافاتهم.
وصعدت المؤسسات الدينية في العقود الأخيرة سواء في حالتها الفيزيائية (دور عبادة ومؤسسات تعليمية ودعوية وإرشادية) أو فضائية وشبكية، ويبدو أنّها اليوم الحلقة الأضعف والأكثر خطورة في مواجهة التطرف والكراهية، ذلك أنّ المساجد والأنشطة الدينية تمثّل الساحة الأكثر أهمية وجاذبية للجماعات المتطرفة للبحث عن الأنصار والمؤيدين، كما أنّ جزءاً كبيراً من الفكر والمحتوى الديني المتاح والمتقبل والمتبع في الحياة الدينية والسياسية يمثل أيضاً مصدراً أساسياً للتطرف والدعوة والتجنيد للجماعات الإرهابية.
يمكن أن تؤدي المؤسسة الدينية دوراً فاعلاً ومهماً في مواجهة المتطرفين، وتقدّم للجمهور مصادر وحوافز دينية مهمة للردّ على المتطرفين ومواجهتهم، والحضّ على التسامح والاعتدال، ولكن ذلك يحتاج إلى وعي ديني متقدم، ويمكن القول إنّ كثيراً من الخطاب الديني الذي يُقدَّم في المساجد والمدارس والفضائيات برغم أنّه يقدم برعاية دول تحارب المتطرفين ويفترض أنّها ضد التطرف، ولكنّه خطاب يشجع على التطرف والكراهية.
يجب عدم الاعتماد بشكل رئيسي على الخطاب الديني المعتدل برغم أهميته، والتأكيد على ربط المواجهة بالمصالح الوطنية ومواجهة الأعداء أيّاً كانوا، والتصدي للمخاطر على الدولة ومواطنيها ومصالحها من أي مصدر كان، وثمة خوف كبير أن يتفوق المتطرفون في خطابهم الديني ذلك أنّهم أكثر دأباً وجهداً في توضيح أفكارهم وإسنادها بالأدلة المعتمدة في الخطاب الديني السائد والتقليدي.
والإعلام يواجه أزمة كبرى سواء في قدرته على التكيف مع الشبكية أو في المحتوى الذي يقدمه، لكن يظل الحديث عن رسالته وضرورة تطويره ضرورياً، وإن كنّا لا نعرف إلى أين تتجه المؤسسات الإعلامية، عدم اليقين هذا يربكنا ولكن لا يجوز أن يمنعنا أو يحبطنا أو يدفعنا إلى الانتظار؛ لأنّنا بالمشاركة في التطوير والمراجعة نحدّد المستقبل، ذلك أنّ مآلات المؤسسات الإعلامية ليست قدراً حتمياً، كما تتشكل اتجاهات ملائمة للشبكية مثل؛ الإعلام المتخصص في محتواه أو في الفئات المستهدفة، كما أنّ شبكات التواصل الاجتماعي تنشئ قنوات تواصل وتأثير جديدة بدأت تأخذ مكانة مهمة في الإعلام، وحتى المؤسسات الإعلامية الكبرى تلجأ إلى شبكات التواصل لزيادة وتفعيل خدماتها ورسائلها.
وتعاني خطط مواجهة التطرف من مشكلة العولمة بقدر ما تستفيد منها، ذلك أن العالم يجب أن يتضامن في مواجهة التطرف وأن تعمل كل دولة على حماية مواطنيها ومجتمعاتها من التطرف والجريمة والفقر، وتبنّي سياسات للمنعة من التطرف والهشاشة، ويمكن أن تكون أي دولة فاشلة ملاذاً آمناً للمتطرفين؛ فالعنف والتطرف ظاهرة متعولمة، ما يجعل مواجهتهما تحتاج إلى تضامن عالمي وتزيد الدول الخارجة عن هذا التنسيق أو الفاشلة صعوبة المواجهة.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر