صفقة قرة باغ | مركز سمت للدراسات

ممر “ناختشفان” الناشئ

التاريخ والوقت : الأحد, 29 نوفمبر 2020

إميل أفدالياني

 

مع الكشف عن ملامح صفقة قرة باغ، أثار الشرط الخاص بالممر الجديد عبر الأراضي الأرمينية جدلاً كبيرًا. بخلاف الموقعين على الصفقة، حيث تشعر إيران وجورجيا بالقلق بشكل خاص؛ لأن أي تغيير ذي مغزى في أنماط الاتصال في جنوب القوقاز قد يضر بقدرات العبور.

لقد انتهت حرب قرة باغ عام 2020 بنجاح دبلوماسي روسي كبير في 9 نوفمبر عندما تمَّ توقيع اتفاقية ثلاثية بين أرمينيا وأذربيجان وروسيا. وكان من المقرر إعادة المناطق السبع المحيطة إلى “باكو”، بينما ستضمن قوات حفظ السلام الروسية أمن “ناغورنو قرة باغ” المقطوعة. وعلى الرغم من أن الدور الدقيق لم يتأكد بعد، بناءً على خطاب أنقرة وباكو، فمن المحتمل أن يتحقق نوع من التدخل العسكري التركي المباشر على الأراضي الأذرية.

وأهم من ذلك، أن تركيا حصلت على ممر بري إلى معبر “ناختشفان” وهو الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي في أذربيجان والمنفصل عنها جغرافيًا رغم تبعيته لها. إذ يقر النص الوارد في الوثيقة بما يلي: “تضمن أرمينيا أمن روابط النقل… لحركة المواطنين والمركبات والبضائع دون عوائق في كلا الاتجاهين”، بين البر الرئيسي لأذربيجان وممر “ناختشفان”، اللذين تفصلهما الأراضي الأرمينية. علاوة على ذلك، “تمارس مراقبة النقل من قبل دائرة الحدود التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي لروسيا. وبالاتفاق بين الطرفين، سيتم توفير بناء اتصالات نقل جديدة تربط بين جمهورية “ناختشفان” المتمتعة بالحكم الذاتي والمناطق الغربية لأذربيجان.”

ويعتبر هذا الشرط اختراقًا كبيرًا لتركيا لأنه سيسمح للبلاد بترسيخ نفوذها على بحر قزوين وربَّما، على المدى الطويل، النظر إلى أقاربهم في آسيا الوسطى.

ومن شأن ذلك أن يخلق معضلة كبيرة لإيران وروسيا، حيث كانت طهران وموسكو تنظران تاريخيًا إلى بحر قزوين على أنه مجمع مشترك بينهما، (بالإضافة إلى الدول الساحلية منذ نهاية الاتحاد السوفييتي). ويمكن للتدخل التركي المحتمل أن يعطل هذا التوازن، وخاصة مكانة إيران. ومع ذلك، فإن ذلك يعدُّ حتى الآن أمرًا افتراضيًا للغاية. فبعد كل شيء، سيحتاج الأمر إلى سنوات، إن لم يكن عقودًا، حتى يتحقق هذا السيناريو. وحتى في هذه الحالة، لا يمكن أن يكون النفوذ التركي كبيرًا مثل الصين أو الروسي، وهما قوتان رئيستان في المنطقة.

إن ما يزعج إيران مما يجري هو التحول الكبير المحتمل في طرق النقل في المنطقة. حيث تعتمد أذربيجان على مدى عقود على إيران في نقل الطاقة والإمدادات الأخرى إلى “ناختشفان”. وبالتالي، فإن صفقة “قرة باغ” الجديدة يمكن أن تغيرها. وستضمن أرمينيا حاليًا فتح ممر عبر أراضيها للسماح لأذربيجان بنقل البضائع مباشرة إلى “ناختشفان. وبطبيعة الحال، فإن هذا يحد من نفوذ طهران على “باكو”.

ومع ذلك، أعلن “جواد هداياتي”، الذي يرأس عمليات الترانزيت في وزارة النقل الإيرانية، أنه من المرجح أن تظل إيران طريقًا مواتيًا للتجارة على الرغم من الافتتاح المخطط للممر الجديد. وقال “هداياتي”: “من المرجح أن هذا الممر سوف يستوعب فقط حركة المرور المحلية بين جمهورية أذربيجان وناختشفان”.

وتعمل أنقرة منذ فترة طويلة على استخدام ممر “ناختشفان” لأغراض جيوسياسية. وقد ثبت ذلك من خلال السرعة التي أعلنت بها الحكومة التركية عن خططها لبناء سكة حديدية إلى “ناختشفان” بعد اتفاق نوفمبر. ويأتي ذلك على رأس إعلان سابق عن إنشاء خط أنابيب غاز إلى المناطق المعزولة، ويؤكد الجدية وراء النية التركية، على الأقل فيما يتعلق بالقسم من الأراضي التركية إلى تلك المناطق نفسها.

ومع ذلك، لا يزال الكثير غير واضح بشأن الممر الجديد على أراضي أرمينيا نفسها. فبادئ ذي بدء، هل يستخدم الطريق الأتراك والأذريون فقط؟ هنا، فبالنظر إلى مستوى عدم الثقة بأنقرة و”باكو” تجاه موسكو، التي ستسيطر قواتها على هذا الممر، فمن غير المرجح أن تكون أذربيجان وتركيا على استعداد لتخصيص موارد مالية كبيرة لإعادة بناء الروابط على الأراضي الأرمينية. وبعد كل شيء، هل سيكون الممر أرضًا أرمنية، أم سيخضع للنظام الإداري الثلاثي؟ من الممكن القول إن هذه هي الأسئلة المحددة التي لا تزال دون إجابة. فمن الممكن أيضًا أن يتخيل المرء وقوع حوادث مستمرة على طول الممر؛ لأن أرمينيا ستظل غير راضية عن هذا الشرط. وقد تخفف رسوم العبور من موقف “يريفان”، لكن: لماذا تهتم روسيا بتشغيل الممر؟ فإذا كان الممر جاهزًا للعمل، فسيتعين التعامل مع هذه الأسئلة المزعجة بين الجانبين اللذين لا يثق أحدهما بالآخر. وقد تم تلخيص هذه المعضلات بشكل جيد على لسان المسؤول الإيراني “هداياتي”؛ الذي شدد على أن أرمينيا يمكن أن تمنع وصول تركيا إلى الممر لنقل البضائع أو الركاب عبر “ناختشفان” إلى أذربيجان وإلى بلدان شرق بحر قزوين.

قلق جورجيا

من الدول التي تشعر بقلق خاص إزاء إمكانية تطوير الممر الجديد هي جورجيا. إذ تمر عبرها خطوط الأنابيب المختلفة والطرق والسكك الحديدية الرئيسية من أذربيجان إلى تركيا. لقد كان هذا بمثابة العمود الفقري لأهمية جورجيا الإقليمية منذ نهاية الاتحاد السوفييتي، وكان بالفعل عامل جذب رئيسيًا للاعبين أكبر مثل أوروبا والولايات المتحدة.

وبطبيعة الحال، بدأ الكثيرون في “تبليسي” يفكرون فيما إذا كان بالإمكان الطعن في هذا الموقف الذي يحسدون عليه. فهناك إجماع على أنه على المديين القصير والمتوسط​​، من غير المرجح أن تحدث أي إعادة ترتيب في أنماط الاتصال في المنطقة. وحتى على المدى الطويل، إذا تمَّ حل أوجه عدم اليقين المذكورة آنفًا حول الممر الجديد، لا يزال الكثيرون يعتقدون أن باكو وأنقرة لن تستبدلا البنية التحتية للسكك الحديدية وخطوط الأنابيب التي تمَّ إنشاؤها بالفعل والتي تعمل عبر جورجيا، مقابل بديل “ناختشفان”. إذ ربَّما يخدم الممر في ضمان الاتصالات المحلية، وربَّما أيضًا التجارة المحدودة (رغم أنه من غير المحتمل إلى حد كبير).

رغم ذلك، انخرطت جورجيا رسميًا في شراكة ثلاثية مع تركيا وأذربيجان منذ ما يقرب من عقد من الزمان. وقد تمَّ اختبار استمرارية الشكل من خلال التغييرات التي طرأت على الحكومات والتحولات الجيوسياسية على مستوى المنطقة خلال العقد الماضي. فكل بلد من البلدان الثلاثة يحتاج إلى الاثنين الآخرين. فتركيا تريد جورجيا أكثر استقرارًا مع علاقات اقتصادية وطاقة أعمق، بينما تحتاج أذربيجان إلى دعم تركيا. أمَّا جورجيا فتجد نفسها تحت ضغط من روسيا. وبالنظر إلى أنها تقع بين زملائها الأعضاء في هذا التعاون، وتعتمد على العبور، فإنه تحتاج بدورها إلى كل من تركيا وأذربيجان.

ترى جورجيا أيضًا أن موقعها متداخل بين منطقتين كبيرتين هما أوروبا وآسيا الوسطى. ويتيح خط سكة حديد “باكو – تبليسي – كارس” الذي يبلغ طوله 826 كيلومترًا، والذي تمَّ كشف النقاب عنه في عام 2017، إمكانية نقل البضائع بين الصين وأوروبا لمدة أسبوعين تقريبًا. كما يمكن نقل ما يصل إلى ثمانية ملايين طن من البضائع عبر السكك الحديدية بحلول عام 2025.

إن التخلي عن ذلك الممر سيقوض فعالية ممر النقل والطاقة في جنوب القوقاز. وهو ما قد يجعل امتداد ممر “ناختشفان” محدودًا للغاية. وربَّما يؤدي ذلك إلى أن ينظر له في المنطقة من خلال الارتباط بالأراضي التركية. ومن المحتمل أن يحدث ظهور ممر رئيسي عبر “ناختشفان” إذا حدث، تحسنًا ملموسًا في العلاقات التركية الأرمينية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: القوقاز ووتش Caucasus Watch

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر