سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ماتيو جيمولو
يُعتبر مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية (كير)، المعروف بأنه أحد أكبر جماعات الحقوق المدنية الإسلامية الأمريكية، واحدًا من أكثر جماعات الدعوة الإسلامية إثارة للجدل في عصرنا هذا. إذ يرفض قادة مجلس كير، منذ سنوات، معالجة المخاوف الجوهرية بشأن علاقاتهم بالجماعات المتطرفة، وكيانات تمويل الإرهاب. وبصرف النظر عن أنشطته العلنية -التي تشمل الدفاعَ عن المسلمين الأمريكيين من الهجمات “المعادية للإسلام” والأعمال الخيرية- لم ينكر المديرون التنفيذيون للمنظمة أهدافهم الدينية. ولكي نفهم أنشطته في الفترة الأخيرة -مثل التعاون مع شركة أزاد لإدارة الأصول، وشركة أمانة لصناديق الاستثمار المشترك، والجمعية الإسلامية المثيرة للجدل في بالتيمور- من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على الأساس السياسي لمنظمة كير.
تصدير صورة معتدلة
في أوائل التسعينيات، أعلن إبراهيم هوبر؛ مدير الاتصالات الوطنية الحالي في كير، أن “النشاط السياسي الإسلامي لا يزال في مراحله الأولى.. لدينا الكثير من العمل للقيام به”. أصبح هوبر، وهو أمريكي اعتنق الإسلام، واحدًا من أكثر الشخصيات والأصوات تأثيرًا في الترويج للقيم الإسلامية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن هوبر حاصل على درجة البكالوريوس في التاريخ ودرجة الماجستير في الصحافة والاتصال الجماهيري. وغالبًا ما يستخدم لغة غامضة خلال إجراء مقابلات معه، ويقدِّم حججه بحذر. ويشدِّد بعناية على أهمية العمل السياسي ونبذ العنف، ويحرص دائمًا على أن يظهر بمظهر “المعتدل”. وفي مقابلةٍ مع صحيفة “مينيابوليس ستار تريبيون” في عام 1993، قال “لا أريد أن أعطي الانطباعَ بأنني لا أريد أن تكون حكومةُ الولايات المتحدة إسلامية في وقتٍ ما في المستقبل، لكنني لن أفعل أي شيء عنيف للترويج لذلك”.
بالرجوع إلى تاريخ المنظمة، فإنها تتستر خلف حماية المسلمين الأمريكيين الآخرين من القوالب النمطية والأحكام المسبقة، رفضت منظمة كير مرارًا وتكرارًا الاعترافَ بأي أشكال من العنف المستوحاة من القرآن الكريم، وقلَّلت باستمرار من دور الدين في السياسة. وقد صُممت هذه التكتيكات المستترة لتعزيز صورةٍ للإسلام تتجاهل بذكاء الجماعات الهامشية الأكثر تطرفًا وتُصوِّره على أنه دين سلام وحرية وتسامح في المجتمع الأمريكي.
الموقف المنافق بشأن حرية التعبير
من ناحيةٍ، تدافع منظمة كير رسميًا عن “حرية الرأي والتعبير” (كما جاء على موقعها الإلكتروني كأحد مبادئها الأساسية) عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الأكاديميين ذوي التفكير المماثل ودعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات على سبيل المثال. ومن ناحيةٍ أخرى، يبدو أن الدعم ذاته لحرية التعبير يختفي عندما يتعارض مع أجندتها السياسية الخاصة. في 2 يونيو 2020، رفعت منظمة كير دعوى قضائية في محكمة أريزونا الفيدرالية ضد كلية ماريكوبا المجتمعية، والبروفيسور نيكولاس داماسك، وأدانت استخدام المواد الدراسية التي تعتبرها كير “عامل تأثير رئيس لعدم قبول الإسلام”. واستشهدت باختبار في إحدى محاضرات داماسك على الإنترنت يربط بين العقيدة الإسلامية والإرهاب.
في 19 أكتوبر 2011، وقّعت منظمة كير مع آخرين رسالة تطلب فيها من المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما “تنقيح جميع مواد التدريب الخاصة بالحكومية الفيدرالية من المواد المتحيزة (ضد الإسلام)” و”تنفيذ برنامج إعادة تدريب إلزامي لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، وضباط الجيش الأمريكي، وجميع أجهزة إنفاذ القانون على المستوى الفيدرالي، ومستوى الولايات وكذا المحلي، الذين تعرضوا للتدريب المتحيز”. وقد لقيت الرسالة استحسانًا من إدارة أوباما. وأصدر المدعي العام السابق لمقاطعة أوريجون دوايت هولتون بيانًا عامًا قويًا قال فيه: “أريد أن أكون واضحًا تمامًا في هذا الموضوع. إن المواد التدريبية التي تصوِّر الإسلام على أنه دين عنف أو مع ميل نحو العنف هي مواد خاطئة ومهينة وتتعارض مع كلِّ ما يمثله هذا الرئيس والمدعي العام ووزارة العدل. ولن يتم التسامح معهم”.
علاقة هشة بسلطات إنفاذ القانون
عدم ثقة منظمة كير في وكالات إنفاذ القانون الأمريكية معروف بالقدر ذاته. ففي رسالةٍ نُشرت على الإنترنت من قبل فرعها في ولاية كاليفورنيا (وحُذفت فيما بعد تحت ضغط من المقر الرئيسي)، دُعي المسلمون إلى “بناء جدار من المقاومة/ عدم التحدث مع مكتب التحقيقات الفيدرالي“، على غرار صورة كاريكاتورية تصور تمثال الحرية مع علامة “اصمت”.
علاوة على ذلك، أثبت مجلس العلاقات الإسلامية-الأمريكية أنه متردد في إقامة شَرَاكات صحيّة بين سلطات إنفاذ القانون وقادة المجتمعات المحلية، حتى عندما يتعلق الأمر بمكافحة التطرف. ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة جورج واشنطن في نوفمبر 2018، فإن التطرف في السجون يمثل “عاملًا رئيسًا في كيفية تطور خطر الإرهاب على مدى العقد المقبل”. وفي وقتٍ لاحق، تم إطلاق برنامج كان من شأنه أن يشمل مدير منظمة “تأليف” أسامة كانون، ومكتب عمدة منطقة ألاميدا؛ بهدف منع التطرف في السجون. ولكن تم إلغاء هذا البرنامج تحت ضغطٍ من المجلس. وترى زهرة بيلو؛ المديرة التنفيذية لكير، أن المشروع يهدف إلى استهداف أفراد الجالية المسلمة والتجسس عليها بدلًا من منع التطرف. ولم تكن مفاجأة لأحد أن رفعت منظمة كير، في يونيو من العام نفسه، دعوى قضائية ضد مدينة لوس أنجلوس لقبولها منحة فيدرالية بقيمة 425,000 دولار لمواجهةِ التطرف.
شاهد: فيديوغراف.. مستقبل الإخوان المسلمين في أمريكا بعد ترامب
صلات مع حماس والإخوان المسلمين
المواقف المثيرة للجدل التي يتبناها المديرون التنفيذيون في كير ليست مفاجئة أيضًا. لقد أعلن عمر أحمد -أحد مؤسسي المنظمة الذي سبق له العمل في الجمعية الإسلامية الفلسطينية (التي سبق اتهامها بجمع أموال أمريكية لحركة حماس)- في خطاب عام في كاليفورنيا في عام 1998 أنه “ينبغي عدم مساواة الإسلام في أمريكا بأي عقيدة أخرى، بل ينبغي أن يصبح مهيمنًا. القرآن هو أعلى سلطة في أمريكا، والإسلام هو الدين الوحيد المقبول على وجه الأرض”.
وغالبًا ما يُنظر إلى منظمة كير في العالم، عن حق، على أنها ذات وجهين. ففي حين أن جزءًا من عملها يختص بمكافحة التشهير والحقوق المدنية ونشر “منظور إسلامي حول القضايا ذات الأهمية للجمهور الأمريكي”، فإن للمنظمة علاقات مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وزعيمها الروحي يوسف القرضاوي، الذي أشاد بالمنظمة لقيامها بجمع أموال الزكاة. وترتبط المنظمة أيضًا بـ “مؤسسة الأرض المقدسة”، التي تعمل كواجهة لحركة حماس، التي تبرعت لكير وتلقت أموالًا منها بعد هجمات 11 سبتمبر.
كثيرًا ما تدخلت كير ضد فتاوى القتل وأحداث التطرف المحلية. فعلى سبيلِ المثال، دعتِ الحكومة الأفغانية في عام 2006 إلى طلب الإفراج الفوري عن عبد الرحمن، وهو مواطن أفغاني كان يواجه عقوبة الإعدام بسبب تحوله من الإسلام إلى المسيحية. وأيّدت كير قضيته ، حيث كتبت بيانًا استشهدت فيه بعددٍ من الآيات القرآنية لتقديم أساس ديني لقضيته ضد اتهامه بالردّة. وفي العام نفسه، أدانت كير رسميًا حرق كنائس في نيجيريا من قبل المسلمين الذين أغضبتهم الرسوم الكاريكاتورية لصحيفة “يولاندس بوستن” الدنماركية. وقدمت كير شيكًا قيمته 5,000 دولار للطائفة الكاثوليكية في نيجيريا للمساعدة في تكلفة إصلاح الكنيسة. علاوة على ذلك، كثيرًا ما يصدر المديرون التنفيذيون في كير بياناتٍ تهدف إلى تعزيز السلام والحرية الدينية ونبذ العنف.
صلات بالمؤسسات المالية القائمة على الشريعة
ولكن إلى جانبِ هذه النداءات الإنسانية (التي تتعامل بشكلٍ رئيس مع الأمور غير المهمة)، تتعاون كير مع شركات مؤثرة ومثيرة للجدل، بما في ذلك شركة أزاد لإدارة الأصول، التي تتخذ من مدينة فولز تشيرش بولاية فرجينيا، مقرًا لها. تقدِّم شركةُ أزاد استثماراتٍ حلالًا وتخطيطًا ماليًا للمسلمين الراغبين في استثمار الأموال بموجب مبادئ الشريعة الإسلامية. وبموجب المبادئ التوجيهية للاستثمار الحلال التي وضعتها AAOIFI (هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية)، تقدم أزاد خدمات مثل جمع الزكاة و”التطهير”، وهو إجراء يعد بتطهير المداخيل الحرام (مثل الكحول ومخزونات التبغ) مع التبرع للجمعيات الخيرية.
ولضمان الامتثال لمتطلبات هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، لدى أزاد هيئة استشارية شرعية نشطة من ثلاثة أعضاء؛ تضم الدكتور محمد آدم الشيخ؛ ناشط سوداني من جماعة الإخوان المسلمين، والمدير الإقليمي السابق لوكالة الإغاثة الإسلامية الأمريكية (التي ذكرت وزارة الخزانة أنها على علاقة بتنظيم القاعدة) وإمام ومدير الجمعية الإسلامية في بالتيمور. ويُعرف هذا الأخير بأنه مسجد يستضيف في كثيرٍ من الأحيان متحدثين يروجون علنًا “لرسالة راديكالية ولكن منضبطة حول الجهاد“. والأكثر من ذلك، خلال إدارة الشيخ، دعا المسجد نفسه أعضاءه بنشاط إلى تقديم الدعم المالي للجهاديين الشيشان وكيانات تمويل الإرهاب الأخرى، بما في ذلك “مؤسسة البر الدولية” والموقع الإلكتروني Qoqoz.net، الذي تديره منظمة “إمارة القوقاز” الإرهابية.
إحدى المهام الأساسية لكير هو “الإيمان بصناديق الاستثمار المشتركة الإسلامية“. وتمثِّل شركتا “أمانة للتنمية الائتمانية” و”أمانة للدخل” اثنتين من أكبر صناديق الاستثمار المشتركة الإسلامية التي تعمل معها منظمة كير منذ تأسيسها. وقد ارتفعت قاعدة أصولهما مجتمعة من 37 مليون دولار في عام 2002 إلى 450 مليون دولار اليوم. تتولى إدارة الشركتين شركةُ “ساتورنتا كابيتال” التي تضم ثلاثةَ مستشارين شرعيين، وجميعهم مرتبطون أو تم ربطهم بجماعة الإخوان المسلمين العالمية.
ويُعرف صلاح سلطان، على وجه الخصوص، بآرائه المتطرفة. وتم ترحيله في وقتٍ لاحق بعد أن قرَّرتِ السلطات الفيدرالية تعليق طلبه للحصول على الجنسية الأمريكية. وتشمل قائمة تصريحاته الطويلة الفتوى التي أصدرها في أغسطس 2011 على قناة الجزيرة، التي دعا فيها إلى قتل السفير الإسرائيلي: “كشخص درس الشريعة الإسلامية وتخصص في الفقه الإسلامي، أدعو لقتل السفير [الإسرائيلي] وليس فقط طرده”.
علاوة على ما سبق، قدَّمت جهات مانحة مختلفة مرتبطة بالمتطرفين والجماعات الإرهابية تمويلاتٍ لمنظمة كير مرارًا وتكرارًا منذ تأسيسها. ففي وقتٍ مبكر من عام 1994، قدمت “مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية”، التي اتُهمت بتقديم الدعم إلى حماس (كما ورد في تقرير المشروع الاستقصائي بشأن الإرهاب)، أول تبرع لها بقيمة 5,000 دولار إلى كير، فأصبحت موضع جدل خلال الإدلاء بشهادة مدنية في عام 2003. وفي إطار جهودها لبناء مقرها في واشنطن العاصمة، الذي تبلغ قيمته 3.5 مليون دولار، تلقَّت كير “دعمًا معنويًا وماليًا” من “الندوة العالمية للشباب الإسلامي”، وهي مجموعةٌ تشجِّع المسلمين على “تعليم أطفالنا حب الانتقام من اليهود والظالمين.. والجهاد في سبيل الله“.
الخلاصة
رغم أن منظمة كير تصطنعُ وجهًا “معتدلًا” أمام الرأي العام الأمريكي، إلا أن علاقاتها التي لا يمكن إنكارها مع العديد من المنظمات المتطرفة جعلت منها مؤسسة غامضة. فهي تحاول الدفاع عن العقيدة الإسلامية تحت ستار مكافحة الإسلاموفوبيا، كما تجسد مؤخرًا في اعتراضاتها الجوفاء ضد فيلم “علاء الدين” الجديد لشركة ديزني عام 2019. ومع ذلك، فإنها لا تبذل جهدًا يُذكر في مكافحة التطرف والتطرف العنيف داخل المجتمع المسلم الأمريكي. إن الصمت الذي يصمّ الآذان الذي يحيط بالعديد من حالات الأصولية الإسلامية، وعلاقة كير الغامضة مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة الأخرى، يخاطر بإيذاء أعضاء المجتمع نفسه الذي ترغب كير في الدفاع عنه، ما يجعل من الصعب على الرأي العام الأمريكي التفريق بين الكيانات السياسية الإسلامية المتنوعة والمتنافسة والجماعات المتطرفة الهامشية.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر