سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لادان يزديان
منذ أكثر من عقدين من الزمان، تنبأ عالم السياسة الأميركي “جون جيه ميرشايمر” بحدوث صدام بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية في إطار دراما “سياسة القوى العظمى”. وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، كرر “ميرشايمر” موقفه السابق بأنه “لن يكون هناك أبدًا ظهورٌ سلمي للصين”، مؤكدًا على الفكرة القائلة بأن الصين ستصبح قوة مهيمنة إقليمية غير مقبولة للولايات المتحدة. وقد رفض “ميرشايمر” وآخرون من أنصار المذهب الواقعي جائحة “كوفيد – 19″، وكذلك الاختلافات الأيديولوجية كأسباب للخلاف بين الولايات المتحدة والصين. وبدلاً من ذلك، يُنظر إلى المواجهة بين القوتين الكبريين على أنها من قبل قضية “توازن القوى” والحرب الباردة التي لا مفرَّ منها بسبب تطلعات الصين إلى الهيمنة، التي تسارعت مع تداعيات فيروس كورونا. وبالتالي، فإن المنافسة العسكرية الصينية مع الولايات المتحدة وتوغلاتها في بحر الصين الجنوبي، وكافة المعلومات الاستخبارية العدوانية غير المسبوقة، وتوسعاتها الجيوسياسية من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، وممارسات التجارة والملكية الفكرية غير العادلة، كل ذلك أجبر الولايات المتحدة على النظر في احتمالات المواجهة.
وقد تغير النظام العالمي خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تمَّ إنشاؤه لتحدي الاتحاد السوفييتي، وبدأ عصر الانعزالية الأميركية الجديدة. ولحسن الحظ، تمتلك الولايات المتحدة الأدوات اللازمة للعبور إلى هذا العصر، لا سيَّما من خلال جغرافيتها وتفوقها البحري وقدرتها الصناعية. ومع ذلك، فإن الدول الأخرى تبدو عرضة للعزلة الأميركية، لا سيَّما تلك التي تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الأمن البحري والتقدم التكنولوجي. وفي حين لم يتبقَّ سوى أيام معدودة على الانتخابات الرئاسية لعام 2020، يتجه كلا الحزبين في الولايات المتحدة نحو نهج جديد، وكلاهما يشترك في قلق عميق بشأن الاعتماد على السلع الصينية؛ وهو ما يعني أنه بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، سيكون هناك تحول جوهري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الصين، ذلك أن الوباء العالمي قد أدى فقط إلى تسريع حتمية حدوث هذا التحول.
كما أن كلاً من الهند واليابان وأستراليا لديها اهتمام كبير بالمشاركة في حوار مع الولايات المتحدة لمواجهة الوجود الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وكان ذلك واضحًا خلال الحوار الأمني الرباعي أو “الرباعية” مع الولايات المتحدة. وفي حين أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي اعترفت بالصين باعتبارها “خصمًا” في استراتيجيتها للأمن القومي، فإن إحياء تلك الرباعية يؤكد المواقف المتغيرة للمشاركين الآخرين. وحتى روسيا الحريصة على رفع مكانتها الجيوسياسية في جنوب آسيا وقيادة الشؤون الأوراسية، تشعر بضرورة منع الصين من السيطرة على منطقة أوراسيا، لأنها تعمل على الموازنة بين علاقة هشة بين الهند والصين.
وفي أوروبا، ورغم أنها ليست جبهة موحدة، فإن انعدام الثقة تجاه الصين يبدو متزايدًا أيضًا. ورغم الحاجة لتوسيع التجارة مع الصين، فقد فشلت القمة الافتراضية الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي والرئيس الصيني “شي جين بينغ” ومسؤولي الاتحاد الأوروبي في تحقيق نتيجة مطلوبة، بما في ذلك اتفاقية استثمار كان يتوقع التوصل إليها. ويرجع هذا الفشل إلى عدة عوامل، بما في ذلك تعامل بكين مع الوباء، وممارساتها الاقتصادية، وقضايا حقوق الإنسان المتعلقة بهونج كونج. ويبدو أن مطالب أوروبا من الصين آخذة في التشدد.
وقد تختلف الولايات المتحدة وأوروبا حول العديد من القضايا الجيوسياسية الاستراتيجية، لكن بإمكانهما العمل على حلها. ذلك أن إصرار الولايات المتحدة على إنهاء خط “نورد ستريم” يستند إلى مخاوف من أن اعتماد أوروبا على الغاز المستورد من روسيا سوف يدفع الأوروبيين أكثر إلى فَلَك روسيا. بينما تحجم العديد من الدول الأوروبية عن الالتزام بالإنفاق الدفاعي وتقوية حلف الناتو. وتعدُّ هذه هي المجالات التي يجب تحسينها من خلال الدبلوماسية النشطة.
فقد رفض مجلس الأمن الدولي، مؤخرًا، قرارًا أميركيًا بتمديد حظر الأسلحة العالمي على إيران للحد من وصولها إلى أنظمة الأسلحة المتطورة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231. فإيران جزء مهم من اللغز في التعامل مع الصين. إذ تسلط معارضة الأمم المتحدة لجهود الولايات المتحدة الضوء على فشل بناء التحالف والقدرة الدبلوماسية لواشنطن في كبح الإجراءات الخلافية لإيران. كما يؤكد ذلك على عدم وجود استراتيجية قابلة للتطبيق تجاه إيران لمعالجة عيوب اتفاقية مكافحة الانتشار المعروفة باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وقد أدى الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاقية دون وجود بديل عملي عن فشل دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي. وقد أوضحت إدارة ترمب أنها لا تعتقد أن خطة العمل الشاملة المشتركة تفي بتوقعاتها المتعلقة بمكافحة الانتشار، وشعرت بالحاجة إلى إعادة التفاوض بالنظر إلى سلوك إيران بعد الصفقة. وقد يكون هذا هو الحال نفسه بالنسبة لأي إدارة مقبلة، وذلك بالنظر إلى حالة عدم اليقين الإقليمي بسبب سلوك إيران وأوجه القصور في الاتفاقية.
لقد كانت التداعيات في مجلس الأمن الدولي مؤسفة، لكنها قد تكون مجرد “عثرة في الطريق” في التحالف عبر الأطلسي، لأنها تشير إلى أهمية العلاقات التقليدية التي، إذا تمَّ تقويضها، يمكن أن تعرض الأمن العالمي للخطر. وفي هذه الأثناء، بدت ردود فعل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة على إعدام إيران الوحشي لـ”نوفيد أفكاري” واحتجاز مثليي الجنسية كرهائن، بمثابة تغيير في الموقف تجاه النظام الإيراني. ويعدُّ ذلك تغييرًا إيجابيًا في موقف أوروبا من شأنه أن يوفر فرصة للتعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا للوقوف ضد انتهاكات إيران لحقوق الإنسان. وتشمل مجالات التعاون الأخرى الأمن البحري، والأمن السيبراني، والمزيد من مشاركة المعلومات الاستخبارية النشطة.
لقد عبّر المرشد الأعلى لإيران صراحةً عن حماسه لعقيدة “التحول إلى الشرق بدلاً من الغرب”. من خلال فهم هذه العقلية، ليس من الغريب أن نرى سبب التزام إيران باتفاقية رئيسية خاصة بالاقتصاد والأمن والطاقة مدتها 25 عامًا مع الصين. فإذا تمَّ الانتهاء من هذه الاتفاقية، فإن ذلك من شأنه أن يوسع إمكانية وصول الصين البحري والاستخباراتي إلى الخليج العربي، وأن يقرب الصين من حلف شمال الأطلسي والقوات الأميركية في المنطقة، كما يمكن أن تحل محل الهند كمطور رئيسي لميناء “تشابهار” الاستراتيجي. وتعمل الصين بالفعل على بناء منطقة نفوذ ممتدة عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعدُّ أحد أعمدة “مبادرة الحزام والطريق”. وسيسمح هذا المشروع الطموح للصين بالوصول المباشر إلى ميناء “جوادر” على بحر العرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن استكمال مشروع خط أنابيب “جوادر – كاشغار” سيقلل من اعتماد الصين على مضيق ملقا. وسيضمن هذا الوصول عدم تعطيل التدفق الحيوي للطاقة إلى الصين، ويهدف إلى تحدي هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة.
إن تحرك الصين للسيطرة على الشرق الأوسط وأوراسيا ليس سوى جزء واحد من الجغرافيا السياسية المتغيرة في العالم. فبالنظر إلى الموقع الجغرافي السياسي لروسيا وحاجتها إلى تأمين أسواق الطاقة، فإن أوروبا لا ترى صراعًا خطيرًا مع روسيا يلوح في الأفق. ومع ذلك، فإن التعديات الروسية على أوروبا الشرقية تجعل من حلف شمال الأطلسي رابطة لا يمكن لأوروبا أن تضعفها. وكما رأينا، مؤخرًا، فقد وافقت واشنطن على المشاركة في “مبادرة البحار الثلاثة” لإنشاء حزام اقتصادي وبنية تحتية ورقمية حول وسط وشرق أوروبا، وإنشاء ممر “بين الشمال والجنوب” للطاقة والبنية التحتية في المنطقة، وصولاً إلى تقليل اعتماد المنطقة على واردات الطاقة الروسية.
ورغم المشاكل العديدة التي تواجهها جمهورية الصين الشعبية، بما في ذلك الديموغرافيا والجغرافيا والاقتصاد القائم على التصدير ونقص الموارد، للتعامل مع التحديات التي تطرحها الصين، يجب استعادة القيادة الأميركية وبناء تحالف مرن عبر المحيط الأطلسي. وكما يتوقع أن تكون هناك مواجهة من أجل الهيمنة على جبال الهيمالايا، فإن علاقة الهند بإيران وتطوير ميناء “تشابهار” أمر حاسم في تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان.
وأهم من ذلك، يجب أن يكون لدى الإدارة الأميركية القادمة سياسة محددة بوضوح تجاه إيران والعمل بنشاط مع حلفائها لتحقيق الأهداف المحددة. وبالتالي، فإن مثل هذا التحالف الراسخ سيكون حاسمًا لضمان الاستقرار العالمي. وبدون بناء تحالف دولي قابل للحياة، لن يكون من الممكن للديمقراطيات الغربية أن تجعل الحكومة الصينية توافق على أي تغييرات ملموسة والالتزام بالنظام الدولي القائم على القواعد، تمامًا كما لن يكون من الممكن مواجهة التحديات الأمنية العالمية المعقدة التي تكمن في الانتظار في المستقبل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Geopolitical Monitor
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر