سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
آدم جارفينكل
في الشهر الماضي، تمت ملاحظة ثلاثة عوامل خطرة تؤثر بشكل متزامن على اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، مما يجعلها الأكثر عرضة للحوادث ولا يمكن التنبؤ بها في التاريخ الأميركي: وهي التدخل الأجنبي متعدد الأطراف، والتعقيدات اللوجستية للتصويت في وقت جائحة “كوفيد -19″؛ والرئيس الذي صرَّح علنًا، وبشكل نادر وفريد في تاريخ الولايات المتحدة، ولأكثر من مرة، أنه سيرفض الاعتراف بشرعية أي انتخابات لا يفوز بها ولن يُسَلم بالهزيمة.
وقد ظهر عامل رابع يمكن التنبؤ به منذ ذلك الحين، ألا وهو كشف الرئيس “ترمب” في الفترة من 1 إلى 2 أكتوبر 2020 عن إصابته بـ”كوفيد -19″. وعند هذه الصدمة، سرعان ما أضيف للمشهد تصريحات أطبائه التي أفادت بأنه خالٍ من “كوفيد –”19، ومحاولة الرئيس المستمرة لتسييس مغامراته الطبية للاستفادة منها.
وبفضل السجل المتواصل من مراوغات البيت الأبيض على مدى السنوات الأربع الماضية تقريبًا، ما زلنا غير متأكدين إن كانت الحلقة كلها ليست خدعة مصممة لإثارة التعاطف، والالتفاف حول استطلاعات الرأي المروعة للجمهوريين، لكن هذا يبدو بعيد الاحتمال بالنظر إلى الكابوس الوبائي الذي يعيشه البيت الأبيض الآن.
وبافتراض أنها لم تكن خدعة، فإننا ما زلنا غير متأكدين مما إذا كان “علاج” الرئيس الذي يبلغ من العمر 74 عامًا ويعاني من السمنة، يوجد حقًا في أي مكان في العالم، أو أن الفترة القادمة خطرة جدًا، ذلك أن هناك الكثير مما لا يجب معرفته عشية الانتخابات الحاسمة.
وللأسف، ظهر عامل خطير خامس، رغم أنه يبدو مستقرًا وثابتًا في الانتخابات الأميركية الأخيرة، ألا وهو تأثير استطلاعات الرأي المنشورة.
إن قِلةً من الأميركيين فقط هم الذين يدركون ذلك، لكن معظم استطلاعات الرأي التي نقرأها أو نسمع عنها في وسائل الإعلام لا تعتبر تمارين صحيحة في العلوم الاجتماعية. إن هذه الاستطلاعات لا تتشابه مع تلك التي تعلمنا الكثير عنها في الفصول الدراسية الجامعية بالعلوم السياسية. فاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة هي عمل تجاري وفي العديد من البلدان الأخرى، إذ أصبحت استطلاعات الرأي جزءًا من الروح الديمقراطية، ذلك أن العملاء هم الشركات الإعلامية التي تشتريها.
لماذا يشترونها؟ لأن البحوث المسحية، وهي نوع آخر من استطلاعات الرأي، تُظهر أن الناس ينجذبون إلى استطلاعات الرأي كأخبار هامة، وعلى الأقل عندما يمكن تقديمها بطرق بسيطة جدًا، ويتم تزويدها برسوم بيانية لافتة للنظر، ويتم الربط بينها بأخبار مثيرة.
استطلاعات الرأي أم القيل والقال؟
إن استطلاعات الرأي السياسية التجارية هي في الحقيقة مجرد ثرثرة بصيغة الجمع، في وقت أصبحت فيه السياسة أكثر من مجرد سلسلة من حلقات تلفزيون الواقع، بل أكثر من أي شيء مثل “مهنة” ماكس فيبر. ويمكن حتى أن تجعل استطلاعات الرأي جذابة لجماهير معينة، مثل استطلاع “كارنيجي” الأخير الذي حمل عنوان “كيف سيصوت الأميركيون الهنود؟” وعندما يمكن تحديد هذه الأنواع من الصناديق، يكون الاقتراع التجاري جيدًا وغالبًا ما يكون نشاطًا تجاريًا كبيرًا.
لكن يبقى السؤال: لماذا كل ذلك؟ لأنه، كما قال “فريدريك نيتشه” في كتابه “ما وراء الخير والشر” في عام 1886: “لولا التقليد المستمر للعالم بالأرقام، لما استطاع الرجال العيش”. فالأرقام تخلق إحساسًا زائفًا بأن الأشياء ملموسة بالفعل، وهي محاكاة لليقين حول الواقع، والتي بالنسبة للكثيرين تجعل الأشياء المعقدة بسيطة.
وبعد كل شيء، فلدى القليل منهم الوقت والفرصة للتعرف على منهجيات الاقتراع المختلفة والمزايا وأوجه القصور، مثل: التغطية المشوهة، وعدم القياس، وسوء الترجيح، وعدم الاستجابة، وغيرها. لذلك عندما يرون رقمًا يبدو بطريقة سحرية أنه ينتج وضوحًا من الارتباك حول موضوع يهتمون به، فإنهم يتمسكون به كما لو كان رد فعل عقلي.
إن هذا لأمرٌ مؤسفٌ، ذلك أن العديد من استطلاعات الرأي السياسية التجارية أثبتت أنها غير موثوقة. فقد أخطأت استطلاعات الرأي في بريطانيا بشأن عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقبل بضع سنوات من ذلك، أخطأ منظمو استطلاعات الرأي في أوروبا بشأن نتائج الاستفتاءات المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، لا سيَّما في فرنسا وهولندا. وبعد ذلك، وعلى نحو لا يُنسى، فقد فشلوا بشكل مذهل في الانتخابات الأميركية في نوفمبر 2016 أيضًا.
إننا نعرف الأسباب. ذلك أن أحدها هو التحيز الواعي، والآخر هو التحيز غير المعترف به الذي يتجه إلى طريقة طرح الأسئلة وتفسيرها.
التحيز في الاقتراع
تمَّ تصميم التحيز الواعي لإنتاج أخبار الاقتراع التي إمَّا تحشد المانحين في الدوائر الانتخابية، قبل وقت طويل من التصويت، وكذلك الناخبون بالقرب من يوم الاقتراع. ويقود التحيز غير المعترف به أولئك الذين يصممون ويختارون المنهجيات وأحجام العينات، على سبيل المثال، إلى التسبب في التمثيل الزائد لبعض الفئات الاجتماعية للناخبين ونقص تمثيل الآخرين.
وفي عام 2016، قام القائمون على استطلاعات الرأي، سواء كانوا هم أنفسهم أو بالاعتماد على علماء اجتماع متعلمين تعليمًا عاليًا، بتصميم أسئلة وعينات مختارة واستخدموا تقنيات مثل لوحات “الاشتراك” التي مثلت بشكلٍ مفرطٍ الأقلية من المتعلمين بالجامعات في البيئة السياسية الشعبوية.
وقد لوحظ أن التحيز غير المعترف به يمكن أن ينطبق على جهود الاقتراع الجادة، وكذلك على الجهود التجارية. وبالكاد توقع أي عالم سياسي أميركي فوز “ترمب” في عام 2016. ومن الواضح أن مقالاً مؤثرًا في عام 1964 بقلم “فيليب كونفيرس” حول الإساءة للرأي العام وأسلوب استيعاب المعلومات السياسية لم يحظَ بالاهتمام الكافي لاستطلاعات الرأي الأكاديمية.
أمَّا السبب الثالث، فيتعلق بالتكنولوجيا. فقد أصبح الآن من الأسهل بكثير للشركات الناشئة في مجال الاقتراع التجاري التغلب على الحواجز التي تحول دون الاستخدام لبيانات الكمبيوتر بفضل التأثيرات المعادلة للتلاعب القوي والسهل.
وتسببت القوة التقنية الجديدة المتاحة في حدوث تخمر في تقنيات أخذ العينات، مما دفع البعض إلى الجمع بين المسح عبر الإنترنت مع الاتصال الآلي وغيره من الطرق الأخرى، ومن ثَمَّ المطالبة بشكل غير شفاف في معظم الأوقات، بأحجام عينات مطمئنة ضخمة ذات هامش خطأ صغير وزائف.
لماذا تعدُّ أخطاء الاقتراع مهمة؟
إن هذه الأخطاء مهمة اليوم كما كانت في عام 2016، عندما ساعدت استطلاعات الرأي المتفائلة في إقناع “هيلاري كلينتون” بعدم القيام بحملة في ولايات متأرجحة مهمة في أواخر موسم الحملة الانتخابية. وعندما تشير استطلاعات الرأي إلى أن “بايدن” متقدم كثيرًا لدرجة أن “ترمب” بالكاد لديه أي فرصة، فإن ذلك يؤدي إلى ظهور ميل إعلامي ثانوي يكون لفرضيته تأثير إقناع العديد من الناس بأن تصويتهم لا يهم. هذا له تأثيران متشابكان؛ إذ إن ذلك قد يقلل من إقبال الناخبين المؤيدين لـ”بايدن” في يوم الانتخابات، في ظل الظروف الخاصة لهذه الانتخابات المقبلة، أولئك غير القادرين أو غير الراغبين في التصويت عبر البريد؛ وقد يتسبب ذلك أيضًا في مضاعفة الطاقات المناهضة لـ”بايدن” من البيت الأبيض وأنصاره في جميع أنحاء البلاد إلى أقصى الحدود.
وقد يكون افتراض فوز “بايدن” في نوفمبر قد أثر أيضًا على اختيار “بايدن” لـ”كمالا هاريس” لتكون نائبته في الانتخابات. فإذا كان “بايدن” يعتقد أنه قد يخسر، فإن اختياره كان سيؤخذ منطقيًا مع إعطاء الأولوية لمن سيساعده على الفوز بالولايات المتأرجحة الرئيسية، مثل السيناتورة “تامي داكويرث” عن ولاية إلينوي، إذا كان يجب أن يكون بالفعل امرأة.
ولكن إذا كان يعتقد أنه سيفوز بسرعة كبيرة، فربَّما يكون اختياره قد انقلب بدلاً من ذلك على الشخص الذي من المرجح أن يعالج أو يزيل التشققات داخل الحزب الديمقراطي لأغراض معلومة. لقد صدق استطلاعات الرأي، ذلك أن “بايدن” و”هاريس”، يعدان خيارًا ينتظره ببعض الدعم الديمقراطي والمستقل الوسطي.
كيف سيظهر كل هذا بعد 3 نوفمبر؟ إننا مضطرون جميعًا للانتظار والمتابعة. عندما يحدث ذلك، لن نحتاج إلى استطلاع لإخبارنا بالإجابة.
إعداد: وحدة المعلومات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر