سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جايسون ديتز
في الأشهر القليلة الماضية، كان البحر الأسود أقل هدوءًا مما ينبغي أن يكون. فهو بحر ظل لمدة عقود محكومًا بعدد من المعاهدات المصممة لمنع المتطفلين من إرسال سفن حربية إلى تلك المنطقة. لكنه أصبح حاليًا مصدرًا للتوتر الذي بات يلوح في سماء المنطقة التي تنخرط فيها الولايات المتحدة. فالطائرات تظهر بالقرب من المجال الجوي الروسي. وقد كانت هناك أوقات يتم فيها الإبلاغ عن مثل هذه الاعتراضات مرتين أو حتى ثلاث مرات في الأسبوع، وعادةً مع يكون الأمر من خلال طائرات مقاتلة روسية من طراز “سو ــ 27” (Su-27) التي تعترض الطائرات التابعة للولايات المتحدة. كما أن طائرات الاستطلاع التابعة للبحرية الأميركية كانت تتجه إلى المجال الجوي الروسي.
وقد بلغ هذا الوضع ذروته في نهاية أغسطس الماضي، مع تحليق مقاتلات تابعة للولايات المتحدة، فضلاً عن انتشار القاذفات الاستراتيجية لحلف الناتو كله في هذه المنطقة. ومن الناحية الشكلية، فإن إظهار التضامن، سرعان ما أضحى يمثل استفزازًا عندما قامت إحدى القاذفات من طراز بي – 52 (B-52) ذات القدرة النووية، بالعبور المباشر للبحر الأسود، وتوجهت إلى المجال الجوي الروسي. وقد اعترضتها الأنظمة الدفاعية الروسية، وبطبيعة الحالة المعتادة تزعم الولايات المتحدة أن ذلك أمر غير مقصود. وفي الوقت ذاته وقعت طائرة تجسس.
وقد تمر تلك الحوادث مرور الكرام، لكن يشاع حاليًا أن الأمر برمته كان خدعة متعمدة من قبل الولايات المتحدة، حيث قاموا بطعن الروس بطائرة بي – 52 ( B-52)، ثم استخدموا طائرات المراقبة في جمع البيانات عن قدرات الاعتراض الروسية.
وقد أبدى المسؤولون بهجة واضحة إزاء نجاح كل ذلك. فمن خلال نظرة غير رسمية من المنظور الروسي تظهر أن هذا الأمر يختلف بشكل كبير عن حالات الاعتراض التي وقعت فيما سبق. بل ربَّما يكون الأمر أكثر خطورة. ذلك أن الفرق في تلك الحالة ينطوي على قاذفة ذات قدرة نووية.
لقد تمَّ بناء الطائرات “بي – 52″، في عام 1961، في ذروة الحرب الباردة. وقد كان هذا تمامًا ما بدت عليه الهجمات النووية في أذهان مسؤولي الدفاع الروس في ذلك الوقت، ثم في خضم كل عمليات اعتراض طائرات التجسس، تظهر طائرة” بي – 52″ بالقرب من مركز قيادة أسطول البحر الأسود. ولم تستطع روسيا إلا أن تستنتج أن هذا كان استفزازًا كبيرًا. لذا، كان الاعتراض السريع هو الرد.
ولم يكن رد فعل سلاح الجو، على واقعة الاعتراض بأنه أمر فارغ، واضحًا، بل إن الادعاءات المتعلقة بطعن الروس تكشف أنهم كانوا يعتمدون على رد الفعل هذا. ونظرًا لعقود من الاعتراضات المتبادلة للقاذفات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، فإنه لم يكن بالإمكان توقع أي شيء آخر.
لذا، فإذا كان هناك أي شيء، فإن الشكاوى المتعلقة بالاعتراض “غير الآمن” تؤكد المشكلة الحقيقية، وهي أن هذه العملية برمتها كانت غير آمنة تمامًا، واستفزازية بشكل متعمد مع الأصول النووية، وتهدد بنوع من سوء الفهم الذي ينطوي على توابع كارثية، وقد كان ذلك من علامات الحرب الباردة.
وبالتالي، يجب أن تكون معلومات المراقبة بشأن طائرات “سو ــ 27″ Su-27 و”سو 30” Su-30، التي تعمل لمدة ثلاثة وأربعين عامًا وواحد وعشرين عامًا على التوالي، واضحة أمام البنتاغون، وذلك بالنظر لهذه الطائرات المقاتلة الروسية الرئيسية التي لا شك أنها كانت محل تركيز.
ومنذ عقود، ربَّما كان التنبه والحذر في التعامل مع الطرازات الجديدة مهمًا جدًا. فقد كان من الممكن إجراء مناقشة، رغم المخاطر الهائلة لعواقب ذلك. لكن يبدو أنه لم يعد ذلك هو الحال خلال هذه الأيام.
فلماذا حدث ذلك؟ قد يبرر ذلك في ضخامة الميزانية العسكرية للولايات المتحدة التي تزيد عامًا بعد عام من أجل الحفاظ على وضع “الحرب الوشيكة” مع القوى العالمية الكبرى الأخرى، وخاصة روسيا. ويعني ذلك، أحيانًا، القيام بأنشطة استفزازية. وبالنسبة لأولئك الذين يقتنعون بتلك الرواية، يبدو أنها تبرر سلوك المخاطرة. فهذه العقلية هي التي جعلت القاذفات النووية الأميركية تسرع باتجاه روسيا في بعض الأحيان. ويجب أن تكون المسؤولية، وليس المنفعة السياسية، مصدرًا لكل هذه الأنشطة، ففي حين أنه قد يبدو مخالفًا للمنطق بالنسبة للقادة العسكريين، يجب أن تكون الأولوية دائمًا لتجنب إثارة حرب نووية عالمية.
فإذا فعلوا ذلك، سيكون هناك عدد أقل بكثير من عمليات التحليق الوشيكة حول الأراضي الروسية، وسيكون هناك قلق أقل بكثير بشأن تعامل الطيارين مع عمليات الاعتراض غير الآمنة.
وفي عام 2020، ومع الجهود المستمرة لإنقاذ “معاهدة الحد من الأسلحة النووية”، يجب أن يكون الهدف هو الحفاظ على الشعور بالأمن بأن الدول ذات القدرات الانتقامية لا تواجه ضربة نووية وشيكة. وتعدُّ هذه بيئة أكثر ملاءمة للمحادثات، وهي بيئة لا يجب أن يحدث فيها اعتراض من شأنه أن يؤدي إلى انفجار. وحتى الغرض الرسمي من عمليات التحليق هذه، وهو تضامن الناتو، يجب التخلص منه لتجنب سوء الفهم. إذ لا ينبغي أن تجعل القاذفات الاستراتيجية أي طرفٍ في الناتو يشعر بالأمان. ذلك أن استبدال معاهدة “ستارت” الجديدة يجب أن يجعل الأمر أكثر أمانًا في هذا التوقيت المهم للمحادثات، ويجب أن يكون ذلك هو الأولوية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مجلة المصلحة الوطنية National Interest
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر