سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مايكل ليليفيلد
في اعتراف نادر بمشاكل الضباب الدخاني المستمرة في الصين، أشار مسؤول بيئي كبير إلى أن السكان يجب أن يكونوا مستعدين لعودة “تلوث الهواء الشديد” في بكين والمنطقة المحيطة بها هذا الخريف.
ويتناقض التحذير من ارتفاع الانبعاثات الناتجة عن مشروعات التنمية الاقتصادية على المدى القريب بشكل حاد مع تعهد الرئيس “شي جين بينغ” هذا الأسبوع بجعل الصين “خالية من الكربون” بعد أربعة عقود من الآن.
وفي يوم الثلاثاء، فاجأ “شي” دعاة حماية البيئة بوضع أهداف جديدة لانبعاثات الكربون في الصين لتصل إلى ذروتها قبل عام 2030 والقضاء التام على الانبعاثات قبل عام 2060.
لكن من المرجح أن تؤدي المشاكل والضغوط الاقتصادية الحالية إلى إبطاء التقدم نحو أهداف المناخ التي أعلنها “شي” في خطاب مسجل أمام الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تعليق لها: “إن الصين ستحتاج إلى اتجاهات تختلف عما جاءت في إطاره الانبعاثات الأخيرة”.
قال “لي شو”، مستشار برنامج “سياسة السلام الأخضر”Green peace China، إن غياب التفاصيل “ربَّما كان المقصود منه ترك قيادة الحزب الشيوعي على قدر من المرونة على المدى القصير لمتابعة الانتعاش الاقتصادي بعد الأزمة الوبائية الراهنة”.
ويشير التحذير الأخير من الضباب الدخاني إلى أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تحل الصين في أتون الصراع بين الأهداف الاقتصادية والبيئية؛ حيث تعمل مشاكل الضباب الدخاني والمناخ في الصين على مسارات منفصلة، لكن هناك – بلا شك – تأثيرات على التنمية الاقتصادية. ففي 11 سبتمبر، قدم “تشاو ينغمين”، نائب وزير البيئة، تقييمًا صريحًا لأسباب سوء نوعية الهواء في المنطقة التي تشمل العاصمة الصينية، ومدينة “تيانجين” الساحلية، ومقاطعة “خبي” المجاورة.
وذكرت صحيفة “تشاينا ديلي” الرسمية التي تصدر باللغة الإنجليزية أن “معظم كميات الملوثات المكتشفة في المنطقة تتجاوز قدرة البيئة بأكثر من النصف، وهو السبب الجذري لتلوث الهواء الثقيل؛ ذلك أن ملوثات الهواء لكل وحدة من الأرض في المنطقة تزيد بمرتين إلى خمسة أضعاف المعدل الوطني”.
وردًا على سؤالٍ لأحد المراسلين في إحاطة سياسية، أشار “تشاو” إلى “عدد من مصانع الكيماويات الثقيلة، والاعتماد الشديد على حرق الفحم للحصول على الطاقة وعلى المركبات البرية لنقل البضائع” في أقاليم بكين وتيانجين وخبي.
وقال “تشاو” إنه كانت هناك تحقيقات استمرت ثلاث سنوات في البحث عن أسباب مشاكل الضباب الدخاني وحلولها، لا سيَّما في مواسم التدفئة في الخريف والشتاء.
وقد جاءت الإفادة في أعقاب القرار الصادر في 2 سبتمبر من قبل مجلس الدولة على مستوى مجلس الوزراء في اجتماع تنفيذي برئاسة رئيس مجلس الدولة “لي كه تشيانغ” لدعم جهود تحسين جودة الهواء.
إن السيطرة على تلوث الهواء وتحسين جودته تعدُّ مسألة تهم الجمهور، وأنه يجب على الحكومة تكثيف إجراءات العلاج القائمة على العلم وتعزيز التنمية الخضراء.
وقالت وسائل الإعلام رسمية إن الحكومة تخطط لإجراءات محددة للتعامل مع التلوث الصناعي، والأفران الصغيرة التي تعمل بالفحم، وسيارات الديزل في المناطق الحضرية.
ودعا المجلس إلى تغييرات في استخدام الطاقة للصناعات بما في ذلك الصلب والبتروكيماويات ومواد البناء، بالإضافة إلى زيادة شحن السلع عن طريق السكك الحديدية، واستخدام مركبات الطاقة الجديدة للتسليم في المناطق الحضرية.
تحسن بطيء
نجحت الصين في تحقيق تحسن تدريجي لنوعية الهواء في السنوات الأخيرة، لكن وتيرة التقدم في تلك الجهود كانت ملتبسة.
فقد استشهدت الحكومة ببيانات وزارة البيئة التي تظهر انخفاضًا بنسبة 10% في تركيزات الجسيمات الدقيقة المحمولة جوًا المعروفة باسم PM2.5 في 337 مدينة تمَّ مسحها في النصف الأول من العام، بالإضافة إلى انخفاض بنسبة 16.7% في أقاليم بكين وتيانجين وخبي.
لم تكن التقارير واضحة بشأن المقارنات مع الفترة المماثلة من العام السابق أو القراءات على مدى ستة أشهر.
وقال تقرير آخر يستند إلى بيانات الوزارة إن متوسط كثافة الجزيئات في المنطقة انخفض من 89.5 ميكروجرام لكل متر مكعب في عام 2013 إلى 42 في العام الماضي، ولا تزال نسبة الـ68% هي أعلى المستويات التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية آمنة.
وفي أغسطس، ذكرت سلطات بلدية بكين أن تركيز كثافة الجسيمات في الفترة من يناير إلى يوليو انخفضت بنسبة 6.7% على أساس سنوي إلى 42 ميكروجرامًا لكل متر مكعب.
ولكن بعيدًا عن البيانات وقرارات السياسة، فقد بدا أن هناك اعترافًا بأن مبادرات الهواء النظيف السابقة لم تحقق أهدافها.
فقد بذلت الحكومة جهودًا كبيرة لتحسين جودة الهواء في بكين من خلال حظر الفحم للتدفئة في المدن المجاورة قبل شتاء 2017-2018، لكن الطلب المفاجئ أدى إلى نتائج عكسية عندما تعذر إكمال العديد من توصيلات الغاز الطبيعي في الوقت المناسب وارتفعت أسعار الغاز.
وقد قامت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وهي أكبر وكالة تخطيط في الصين، بتعديل سياسة استبدال الوقود بسرعة في منتصف الطريق خلال موسم التدفئة وخفضت الضغط على التحويلات في العام التالي مع تباطؤ الاقتصاد.
وأصبحت جهود دعم النمو الاقتصادي ذات أولوية قصوى في عام 2019؛ حيث خففت الحكومة قيود الإنتاج الموسمية على الصلب، وهو ما يعدُّ مساهمًا رئيسًا في حرق الفحم وانبعاثات الكربون في المنطقة الصناعية الشمالية الشرقية.
وقد سجَّل إنتاجُ الصلب هذا العام أرقامًا قياسية شهرية، حتى في الوقت الذي كافحت فيه الصين للتعافي من الانكماش الاقتصادي بنسبة 6.8% في الربع الأول.
كما استمرت الموافقة على مشاريع الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم على مستوى المقاطعات في تحفيز الاقتصاد؛ مما أثار المزيد من الشكوك حول أولوية الحكومة المركزية لجودة الهواء وأهداف تغير المناخ.
الأولوية الاقتصادية
قد تكون الحكومة بصدد الانتهاء من التحقيق الذي أجرته وزارة البيئة على مدى ثلاث سنوات، وتأجيل الإجراءات الرئيسية حتى يصبح التعافي الاقتصادي واضحًا.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، خلص تحليل أجراه معهد “أكسفورد” لدراسات الطاقة، إلى أن النمو السريع للطلب على النفط في الصين على مدى العقدين الماضيين، من المقرر أن يتباطأ بسبب تأثيرات السياسات الحكومية في دعم السيارات الكهربائية وغيرها من السيارات الجديدة.
ورغم أن الزيادات القوية في شراء النفط الخام وتكريره في الربع الثاني من العام الجاري، تشير إلى مسار نمو متسارع في المستقبل، فإن حزمة التعافي الحكومية وتركيزها على الكهرباء ستؤثر في الطلب على النفط على المدى المتوسط.
وقد أفاد مكتب البيئة لبلدية بكين هذا الشهر بأن أكثر من 350 ألف سيارة تعمل بالكهرباء بالكامل في المدينة من إجمالي 6.53 مليون سيارة، وفقًا لوكالة أنباء “شينخوا” الرسمية.
وقال مسؤول بالمكتب إن مصادر تلوث الهواء المتنقلة تمثل 45% من كثافة تركز الجسيمات. وأفادت “شينخوا” بأن بكين تخطط لحظر المركبات عالية الانبعاثات من الطرق الرئيسية.
ورغم التباطؤ في نمو الطلب على النفط، لا تزال مصافي التكرير في الصين تخطط لإضافة المزيد، لكن ليس لإنتاج الوقود.
إنهم يسعون بدلاً من ذلك إلى تحويل تركيزهم إلى إنتاج البتروكيماويات.
وقد تتعارض خطط رفع مستوى الإنتاج إلى البتروكيماويات مع الأهداف البيئية للحكومة بعد تحقيق الوزارة في التلوث، الذي يشير على وجه التحديد إلى التركيزات الحالية للمصانع الكيماوية.
تحاول الحكومة إيجاد طريقة للنهوض بالاقتصاد والضوابط البيئية؛ ذلك أن الهدف يظل هو التحرك نحو عمليات أكثر كفاءة لكل من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والمواد الكيميائية. إذ يظل جزء من المشكلة متمثلاً في المصانع الكيماوية الصغيرة أو الفحم المشتت، لكن الخطة التي تمضي قدمًا تظل قائمة على دمج المصانع الأكبر والأكثر كفاءة والتي تنتج منها كميات أقل من الانبعاثات.
وبشكل عام، فمن المرجح أن تعطي الحكومة الأولوية لمكافحة التلوث هذا الشتاء، لكن من المحتمل أن تترك العديد من الإجراءات الملموسة للمقاطعات.
ففي 11 سبتمبر، أوضح “لي شو” في مؤتمر عبر الهاتف مع أعضاء الحزب الشيوعي، أن الحكومة تتمسك بسياستها لتعزيز النمو الاقتصادي عن طريق تفويض السلطة إلى مستويات أدنى.
وانتقدت جماعات حماية البيئة سياسة تفويض السلطة للمحافظات للموافقة على مشاريع الطاقة التي تعمل بالفحم منذ عام 2015، مستشهدة بموجة من المحطات الجديدة غير المستغلة والملوثة.
وقال “فيليب أندروز سبيد”، الزميل الرئيسي في معهد دراسات الطاقة بجامعة سنغافورة الوطنية، إن الانتعاش الاقتصادي هو بوضوح الشاغل الأكبر للحكومة الصينية؛ إذ لا يوجد دليل على أن البيئة تحتل مكانة عالية في جدول الأعمال على المدى القصير، ولا حتى أن الصين تستفيد من الأزمة لتسريع تحول الطاقة منخفضة الكربون.
وبدلاً من ذلك، فإن الاقتصاد والتوظيف، بجانب الاكتفاء أصبحت تمثل الأولويات القصوى.
وقد أعرب، أخيرًا، كبير مستشاري تغير المناخ في الصين عن أمله في أن تعلن الحكومة أهدافًا مفصلة لانبعاثات الكربون بحلول نهاية العام.
ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن الرئيس الصيني قوله: “إن الصين ستطلق بالتأكيد هدف تنمية منخفض الكربون قويًا للغاية”.
لكن ربَّما تكون الصين قد قامت عن غير قصد بتعيين أولويات سياستها في تقرير “شينخوا” الصادر في 19 سبتمبر بشأن استخدام الكهرباء في أغسطس، الذي ارتفع بنسبة 7.7٪ عن العام السابق، بزيادة 5.4 نقطة مئوية عن الزيادة في يوليو، وفقًا للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح.
وقال تقرير “شينخوا”، إن تحسن استهلاك الكهرباء في الصين، وهو مقياس رئيسي للنشاط الاقتصادي، الشهر الماضي، كان بفضل جهود البلاد في تعزيز النمو وسط تباطؤ انتشار فيروس كوفيد – 19”.
ومن وجهة نظر بيئية، لا يمكن وصف الزيادة الكبيرة في استخدام الطاقة على أنها تحسن؛ لأن حوالي ثلثي الكهرباء في الصين يتم توليدها من الفحم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: راديو آسيا الحرة
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر