هل تدخل كوريا الشمالية مرحلة جديدة من سياسة حافة الهاوية؟ | مركز سمت للدراسات

هل تدخل كوريا الشمالية مرحلة جديدة من سياسة حافة الهاوية؟

التاريخ والوقت : السبت, 3 أكتوبر 2020

ماركوس نولاند

 

في 24 سبتمبر، أعلنت حكومة كوريا الجنوبية مقتل مسؤول حكومي على يد القوات الكورية الشمالية بالقرب من الحدود البحرية بين البلدين، وتمَّ حرق جثته وإلقاؤها في البحر. وكان يعتقد أن المسؤول يحاول الانشقاق، ويبدو أن الكوريين الشماليين يخشون الإصابة بفيروس كورونا. وفي حين أنه لا يمكن توقع التفاصيل المرعبة، فإن الفكرة القائلة بأن كوريا الشمالية ستنخرط في أعمال استفزازية منخفضة المستوى في الفترة التي تسبق الانتخابات الأميركية كانت متوقعة تمامًا. لكن من الضروري معرفة ما إذا كان حجم الاستفزازات سيزداد بشكل كبير بعد أن تتولى إدارة أميركية جديدة السلطة في يناير أم لا.

تداعيات الجائحة في الشمال

في الأشهر التسعة الماضية، يبدو أن “كوفيد – 19” قد أنجز ما لم تستطع العقوبات الاقتصادية القيام به، وهو عزل كوريا الشمالية عن بقية العالم. ففي 21 يناير، أغلقت كوريا الشمالية حدودها مع الصين، التي انطلقت منها الجائحة، ما أثر على نحو 90% من التبادل التجاري البلدين، وقد كانت الصين هي المصدر الرئيس للاستثمار والسائحين الوافدين في البلاد.

لذلك، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمواد الضرورية الأخرى، وقد تباينت أوضاعها بين المناطق المختلفة. وقد أثر نقص المواد الكيميائية والأسمدة والوقود سلبًا على أحوال الزراعة، التي تفاقمت بسبب تأثير الفيضانات والأعاصير.

وفي منتصف أبريل، أعلنت الحكومة فرض حظر على استخدام النقد الأجنبي؛ حيث يُستخدم الدولار الأميركي أو اليوان الصيني في معظم المعاملات ذات القيمة الكبيرة. وأعلنت عن إصدار ضخم للسندات الحكومية، وقد كان هو الأول منذ 17 عامًا. لكن هذا لم يكن مجرد إصدار سندات عادي؛ فقد وُصفت تلك العملية من شراء السندات بأنها “واجب وطني”. وبحسب ما ورد فقد تمَّ إعدام أحد مشغلي المناجم، بسبب رفضه تنفيذ الأمر الوطني وقبول السند الحكومي الجديد كدفعة مقابل معادنه بدلاً من النقود.

وارتفعت قيمة العملة في السوق السوداء بشكل متقلب، إذ قام المواطنون، خوفًا من المصادرة، بإغراق عملاتهم الأجنبية لشراء سلع مادية مثل المجوهرات والسلع الاستهلاكية المعمرة وحتى الطعام، كمخزن للقيمة.

باختصار، تتعرض كوريا الشمالية لضغوط متعددة، إذ يمكن أن تتفاقم جميعها إذا ظهرت موجة جديدة من جائحة “كوفيد – 19”. ومع ذلك، فإن المحنة لم تجبر الكوريين الشماليين على الاستسلام بشأن القضية النووية أو حتى العودة إلى طاولة المفاوضات. إنه البلد الذي فقد في التسعينيات نحو مليون شخص خلال إحدى المجاعات، ولم يشهد تغييرًا في القيادة.

اللعب مع الولايات المتحدة

بالنسبة للولايات المتحدة، لا يزال نزع السلاح النووي هو الهدف الأساسي، لكن لا يوجد اتفاق دولي واسع حول ما يعنيه ذلك بالضبط. فالولايات المتحدة لديها هدف حكومي يتمثل في نزع الأسلحة النووية بشكل يمكن التحقق منه، لكن الدول الأخرى أبدت استعدادها للنظر في تجميد محدود لتطوير وإنتاج الأسلحة النووية في المستقبل. ويعتقد الكوريون الشماليون أنهم تعرضوا للضغط خلال قمة “هانوي” في فبراير 2019 عندما انسحب الرئيس ترمب فجأة؛ إذ لا أحد يعرف حقًا ماذا يريدون مقابل برنامج أسلحتهم النووية.

لقد ماتت الدبلوماسية في الماء: إذ بدت سياسة إدارة ترمب غير منتظمة، فقد تأرجحت بين نهجٍ متشددٍ لسياسة “أقصى ضغط” وبين علاقة الرئيس ترمب مع الزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون”. وتخشى الصين وكوريا الجنوبية عدم الاستقرار كثيرًا من الأسلحة النووية في كوريا الشمالية. فهي لن تسمح بدفع كوريا الشمالية نحو تفاقم الأزمة. فلدى إدارة ترمب نفور من الحلفاء. كما بدأ نوع من “الإرهاق الناتج عن العقوبات” في الوقت الذي يبحث فيه البلدان عن طرق للعمل بتكتم حول عقوبات الأمم المتحدة الحالية. وفي كوريا الجنوبية، تود حكومة الرئيس “مون جاي” المضي قدمًا بمشاركة أكبر، لكنها لا تزال مقيدة بمعارضة الولايات المتحدة.

سياسة حافة الهاوية يمكن أن تتصاعد بعد الانتخابات الأميركية

كثيرًا ما مارس الكوريون الشماليون سياسة “حافة الهاوية” في المفاوضات. فقد كان من المتوقع خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الأميركية، أن تنخرط كوريا الشمالية في استفزازات مثل اختبارات الصواريخ قصيرة المدى أو التوغل في المنطقة المنزوعة السلاح التي تقسم كوريا الشمالية والجنوبية، وهي إجراءات من شأنها إثارة التوترات، لكنها لا ترقى إلى مستوى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وإطلاق أو تجربة أسلحة نووية. وبالمثل قضية مقتل المسؤول الكوري الجنوبي.

لكن مستوى الاستفزاز قد يتصاعد بشكل كبير بعد تولي إدارة جديدة السلطة في الولايات المتحدة الأميركية في يناير. فإذا أعيد انتخاب دونالد ترمب، فإنه ليس هناك سبب للاعتقاد بأن البيئة الدبلوماسية الأساسية ستتغير، ومن المرجح أن يزيد الكوريون الشماليون من الضغط لكسر الجمود.

وإذا تمَّ انتخاب “جو بايدن”، فإن الوضع سيزداد تعقيدًا. إذ ستحتاج إدارة “بايدن” القادمة إلى إجراء مراجعة للسياسة لتشكيل إجماع داخل حكومة الولايات المتحدة على نهج جديد. لكن بعد السنوات الأربع الماضية، ستكون الأجندة السياسية والدبلوماسية التي تواجه الإدارة الجديدة شاقة، ولن تكون كوريا الشمالية على رأس القائمة. لذا، فمن المحتمل تمامًا أن ينفد صبر كوريا الشمالية وأن تنخرط في استفزازات كبيرة مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أو التجارب النووية لجذب انتباه إدارة “بايدن”، تمامًا كما فعلوا مع إدارة أوباما التي وصلت للحكم في 2009. على أن الهدف من ذلك سيكون فرض المزيد من العقوبات قبل وصول الحكومة الجديدة، وقيامها بمراجعة السياسة والاستقرار على استراتيجية متماسكة. لذلك قد تكون الأشهر الأولى من عام 2021  ذات خطر بالفعل.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مركز الشرق والغرب

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر