سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مارك س. كوجان وجوري سانكار ناج
لقد كانت الحرب الطويلة التي دامت 19 عامًا في أفغانستان مكلفة من الناحيتين البشرية والمالية. فمنذ أن بدأت الأمم المتحدة في تتبع الخسائر الأفغانية في عام 2009، قُتل أكثر من 100 ألف أفغاني. وقد بلغ عدد الضحايا العسكريين 2448 قتيلاً و20722 مصابًا في العمليات العسكرية. وفي النصف الأول من عام 2020، سجلت الأمم المتحدة سقوط 3500 مدني مرتبط بالنزاع، بما في ذلك 1300 حالة وفاة. لقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من تريليوني دولار في أفغانستان منذ عام 2001. ومع ذلك، بدأت محادثات السلام “بين الأفغان” التي يمكن أن يكون لديها القدرة على إنهاء الصراع. وبشكل عام، لا يمكن لأي محادثات سلام أن تنجح إلا إذا أضفي الطابع المؤسسي عليها بطريقة تمنحها الشرعية والإطار التنظيمي لرصد التقدم في المحادثات. وما زالت هذه المحادثات، التي كانت شرطًا في الاتفاقية التي تمَّ التفاوض عليها بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير الماضي، تمثل إنجازًا مهمًا. ومع ذلك، هناك عدد من الحواجز السياسية التي يجب التغلب عليها، فضلاً عن الفرص الجديدة للأفغان والجهات الفاعلة الخارجية.
إنه شعور بالإغراق في التفاصيل الدقيقة والانتقال المربك من حالة الحرب المستمرة التي تعيق المحادثات الجارية حاليًا. أولاً، في حين أن أفغانستان هي موطن لغالبية المسلمين السنة، فإن المذهب الحنفي للفقه الإسلامي لا يزال مصدر خلاف. فأفغانستان مزيج هش من الأعراق. كما أنها موطن لأعداد متناقصة من الأقليات الهندوسية والسيخية، الذين يخشون التهميش إذا أصبح التفسير السني هو الشكل الأساسي المعتمد لحل النزاعات. وبينما يتبع كل من طالبان والحكومة الأفغانية المذهب الحنفي، فإن المسلمين الشيعة، الذين يمثلون حوالي 15% من السكان، لديهم أيضًا مدارسهم الفقهية الخاصة، ولكل منها تفسيراتها الخاصة للشريعة الإسلامية المختلفة، ويمكن أن تؤثر هذه في قضايا حقوق الإنسان المهمة، مثل: مستوى الحرية بين النساء، وحرية التعبير، والعدالة الجنائية. كما يرى الرئيس الأفغاني “أشرف غني” تفسيرات تعاليم أبي حنيفة بشكل مختلف. ففي عام 2019، دعا “غني” حركة طالبان إلى احترام تعاليمه والتخلي عن العنف.
إن حقيقة بدء الجانبين في عملية مفاوضات طويلة هي تطور هام بحد ذاته، وهي نتاجٌ لتطورات بطيئة ومتطلب لاتفاقية فبراير 2020 الموقعة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، والتي أشرف عليها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “زلماي خليل زاد”. وشملت الشروط الأخرى لتلك الصفقة تبادل الأسرى وانسحاب القوات الأميركية وقطع طالبان العلاقات مع الجماعات المتمردة الأخرى مثل القاعدة. وفي السابق، كانت طالبان تنظر إلى حكومة “غني” على أنها دمية في يد الولايات المتحدة والغرب.
لقد كان من المقرر إجراء المحادثات الجارية حاليًا في شهر مارس، لكن هجمات طالبان على القوات الأفغانية شكَّلت عقبة. كما أدت العثرات في تبادل الأسرى إلى تعقيد الأمور. ورفضت الحكومة الأفغانية الإفراج عن آخر 320 سجينًا من سجناء طالبان ما لم يرافق ذلك إطلاق سراح سجناء أفغان، مما أدى إلى تأخير العملية. ولا تزال الجهات الخارجية، وبالتحديد الولايات المتحدة، تشعر بالقلق من أن طالبان لم تتبع الخطوات المحددة في اتفاق فبراير، مثل النأي بأنفسهم عن الجماعات المتطرفة الأخرى وتقليل هجماتها على القوات الأفغانية. ومن المفترض أن تنسحب القوات الأميركية في غضون 135 يومًا من الاتفاق. وتمَّ تخفيض مستويات القوات إلى 8600 فقط، ومن المتوقع أن يخفض الرئيس “ترمب” هذا العدد أكثر قبل نوفمبر. كما أنه من بين المخاوف الأميركية والأفغانية عودة طالبان المحررة إلى ساحة المعركة. فقد أشار تقرير من مشروع حوار السلام الأفغاني بجامعة “كوينز” في بلفاست إلى أن 68% من 108 سجناء سابقين في طالبان “استأنفوا أدوارًا نشطة في الصراع، أو هم في مجموعات طالبان عازمة على استئناف القتال، أو يشغلون مناصب عسكرية أو سياسية مرتبطة بشكل أساسي بجهود طالبان الحربية”. وقد أوقف عدد قليل منهم عودته لأسباب عائلية أو للرغبة في العودة إلى الحياة المدنية. وهو ما يثبت أن الحد من العنف أمرٌ صعبٌ، إذ شنَّت طالبان أكثر من 350 عملية في مناطق مختلفة من أفغانستان، مما أسفر عن مقتل 20 مدنيًا وأكثر من 80 جريحًا. وهناك قضايا أخرى تثير قلق النقاد، مثل التأثير المحتمل لطالبان في نظام الحكم الأفغاني الجديد، وتمويل طالبان بقيمة 500 مليون دولار الذي يأتي من تجارة المخدرات، وتأثير باكستان المتصور على الجماعات المتمردة، على الرغم من أن ذلك قد انحسر في السنوات الأخيرة.
لم تقدم المحادثات الجارية حاليًا أدلة جوهرية حول ما تريده طالبان من تلك العملية. ففي السنوات الماضية، حاربت الحركة من أجل استعادة إمارة إسلامية حكمت أفغانستان من 1996-2001. إن ما هو مؤكد هو أنه من أجل تحقيق سلام مستقر، ستحتاج الحكومة الأفغانية إلى التنازل عن بعض جوانب الحكم، وإعطائها دورًا تلعبه في أي نظام جديد يتم تنفيذه. ولا تزال هناك أسئلة حول وجهة نظر طالبان عن الحكومة التي يقودها “أشرف غني” والدستور الذي توسط فيه “خليل زاد”، والذي نددوا به مِرارًا وسط استمرار دعم الولايات المتحدة.
وغالبًا ما تفشل مفاوضات السلام بسبب تصلب المواقف. فعلى سبيل المثال، دعت حركة طالبان إلى نظام حكم مركزي مع زعيم واحد ذي سيادة يعمل تحت غطاء الشريعة الإسلامية. لكنهم قدموا، مؤخرًا، تنازلات تخفف من “احتكار السلطة” بهدف التعايش مع المؤسسات الأفغانية.
كما يهدد تعاون طالبان مع الجماعات الجهادية الأخرى عملية السلام تلك. فعندما اقترحت الولايات المتحدة جدولاً زمنيًا مبدئيًا لخفض القوات على مدى سنوات، ردَّت طالبان بسرعة مع إطار زمني مختلف. بينما قدم الأميركيون تنازلات، وكانت طالبان حذرة في التنصل من تنظيم القاعدة أو ولاية خراسان الإسلامية. ومرة أخرى، أتى إصرار طالبان ثماره، إذ تمت الموافقة فقط على منع الجهات الفاعلة من استخدام “أرض أفغانستان” لتقويض السلام في أفغانستان.
الاعتبارات الجيوسياسية
تلعب الجهات الفاعلة الإقليمية مثل الصين وباكستان والهند دورًا في هذه العملية، على الرغم من أنها ليست جزءًا رسميًا منها. وقد تخلق التوترات الجيوسياسية الحالية بين الأطراف الثلاثة سيناريوهات صعبة. فقد تمَّ رفع الحوافز الأمنية والاقتصادية أمام الحكومة الأفغانية وطالبان. وناقشت كل من باكستان والصين الأمن الإقليمي والانسحاب جزئيًا بطريقة براجماتية تحسبًا لوجود الولايات المتحدة. وفي حين تواصل الصين قمعها ضد جماعات الإيغور المسلمة في مقاطعة شينجيانغ، فإنها تشعر بالقلق من قيام الجماعات المتمردة بإنشاء قواعد لها في أفغانستان. وقد أدت براغماتية الصين إلى طرح شبكات طرق سريعة في أفغانستان لتسهيل الحد من العنف. وتهتم الصين أيضًا بالثروة المعدنية غير المستغلة في أفغانستان، وقد عرضت توسيع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. وتعدُّ الصين ثالث أكبر مستثمر في أفغانستان بعد باكستان وإيران، لكن تطوير البنية التحتية والوصول إلى الائتمان الصيني الرخيص قد يكون مفيدًا لأفغانستان ومربحًا لبكين.
تتفاقم مصالح باكستان في أفغانستان بسبب علاقتها المتقلبة، لكنها تبدو أفضل مع الولايات المتحدة التي تقوم حاليًا بسحب قواتها. لقد التقى وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قريشي” بوفد من طالبان في أغسطس الماضي على أمل تشجيع محادثات السلام المتوقفة. ولا يزال الوضع الاقتصادي في باكستان غير مستقر، وعلى الرغم من خطة الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي، لكن إسلام أباد تستخدم مصداقيتها في السياسة الخارجية للتوسط في النزاعات مثل تلك التي تدور في أفغانستان حاليًا. ولا تستطيع باكستان تحمل الصدمات الاقتصادية في أفغانستان، ولا تستطيع قبول حكومة غير ودية في كابول لا تخدم مصالحها، رغم علاقاتها المتوترة مع الحكومات الأفغانية الأخيرة. وبالتالي، يمكن أن يكون النظام الجديد في ظل وجود طالبان أكبر مساهمة للأفضل.
أخيرًا، كثيرًا ما كانت الدبلوماسية الهندية متجذرة في مساهماتها في كابول، بدءًا من دعم تدريب قوات الأمن الأفغانية بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الهند وأفغانستان لعام 2011، إلى دعمها الأوسع لمبادرات الحوكمة، وتطوير البنية التحتية، وبناء القدرات، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ومع ذلك، فقد تغيرت المخاطر بالنسبة للهند، التي يبدو أنها تستفيد أكثر من غيرها من الوضع الراهن. وغالبًا ما استخدم “كرزاي” الخطاب المعادي لأميركا، بينما اقترب “أشرف غني” من الولايات المتحدة. كما تقوم الهند أيضًا ببعض إجراءاتها الأحادية الجانب في منطقة كشمير تحسبًا لتغيير وشيك في الوضع الراهن. إن الروابط بين نيودلهي وكابول ليست ثنائية فحسب، بل إنها تركز على باكستان والصين. كما تخشى الهند من جانبها أن تكون عملية السلام في صالح باكستان والتأثير المتزايد الذي يرجح أن يكون لطالبان في كابول. وبينما حظيت الهند بقبول في واشنطن من خلال استثمارات أفغانية بمليارات الدولارات، فإن عودة طالبان ستؤثر سلبًا في مصالحها، بما في ذلك توسيع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية عبر توسيع نطاق الممر الاقتصادي.
بالنسبة لأفغانستان، فإن محادثات السلام الجارية حاليًا مجرد بداية لعملية السلام، التي ستشهد – بلا شك – اضطرابات وخلافات دورية. وفي هذه المرحلة، هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها، مثل: كيف ستعمل أفغانستان على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار؟ كيف سيعود مقاتلو طالبان السابقون وغيرهم من المقاتلين إلى الحياة المدنية؟ هل يمكن العثور على بعض القرائن في مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟ هل ستبقى حكومة أفغانستان ملتزمة بالديمقراطية تحت تأثير أكبر لطالبان؟ ما الذي ينتظر النساء والفتيات في أفغانستان؟ كيف تبدأ أفغانستان في التوفيق بين هذه السنوات الطويلة من الصراع الداخلي؟ وكيف ستبدو هذه العملية؟
هذه مجرد بداية لعملية طويلة ومؤلمة لصنع وبناء السلام. لكن المهم في هذه المرحلة هو إبقاء المحادثات نشطة والمضي قدمًا بحسن نية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور Geopolitical Monitor
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر