سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
الدكتور برين كارليل*
“نعم، دول الخليج تصنع السلام مع إسرائيل لأن ذلك من مصلحتها. لكن هذا السلام لا تُحسَد عليه”.
رغم اتهامنا بإحباط العزيمة، فإن الدول العربية التي تصطَفُّ لصنعِ السلام مع إسرائيل ليست صهيونية. إنهم يبدون الصداقة تجاه إسرائيل، لكن لنضع في الاعتبار أن للإمارات العربية المتحدة والبحرين مصالح وطنية محددة. وأن السلام مع إسرائيل يُعِّززَ تلك المصالح، لذا فقد سلكوا هذا الطريق.
وعلى نحوٍ ما، فإن دفء سلام الخليج ذات أصداء مع التقارب المصري مع إسرائيل. ففي عام 1977، أذهل الرئيس المصري أنور السادات العالم بإعلان استعداده للذهاب إلى القدس لإبرام سلام مع إسرائيل، ثم قام بذلك بالفعل. وقد بشَّرَت العلاقة الحميمة التي نشأت لاحقًا بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي “مناحيم بيجين” بعصر من الصداقة. فالجنود المصريون والإسرائيليون المصابون في سيناء التقوا، بل وعانقوا أعداءهم السابقين.
لكن الدفء الحقيقي لسلام “السادات” كانت تقف خلفه السياسة الواقعية. فقد كانت مصر، ولا تزال، دولة فقيرة. إذ كان الحفاظ على حالة الحرب مع إسرائيل أمرًا مدمرًا من الناحية الاقتصادية، وكان الاتحاد السوفييتي رهانًا خاسرًا. وكان ثمن الدخول في نطاق النفوذ الأميركي يتمثل دائمًا في السلام مع إسرائيل، وكان “السادات” سعيدًا بدفع هذا الثمن.
لكنه دفع حياته أيضًا. ففي عام 1981، وخلال ذكرى حرب الغفران، قُتِلَ “السادات” و10 آخرون برصاص جماعات الجهاد الإسلامي المصرية. أمَّا خليفة “السادات”، حسني مبارك، الذي أصيب في الهجوم، فقد استوعب الرسالة، وجعل السلام مع إسرائيل متراجعًا. إنه احتفظ به، لأن ذلك كان ضروريًا للحفاظ على المساعدة الأميركية فقط. (تلقت مصر من الولايات المتحدة منذ عام 1980 أكثر من 70 مليار دولار أميركي).
واليوم، تستمر معاداة السامية في مصر. إذ تُعَدُّ مصر دائمًا راعيًا مشاركًا للقرارات الأكثر شراسة المناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة، كما أن التبادل التجاري والثقافي بين البلدين يقف عند حدوده الدنيا.
إذا كان السلام المصري قد بدأ دافئًا لكنه نما باردًا، فما الذي يمنع السلام الخليجي عن ذلك المسار؟
أولاً، لقد تغيرت المشاعر الإقليمية. ففي عام 1977، كان يُنظر لإسرائيل على أنها نبتة استعمارية مصيرها الزوال. أمَّا اليوم، فبقاء إسرائيل معترف به على نطاق واسع. وفي عام 1979، تمَّ تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية لمدة 10 سنوات. لكن في وقت سابق من هذا الشهر، عندما حثَّ الفلسطينيون جامعة الدول العربية على إدانة (وهي أقل من تعليق العضوية) الإمارات والبحرين، فقد تعرَّض الفلسطينيون للهجوم.
ثانيًا، تغيرت الحسابات الإقليمية. ففي عام 1977، لم تكن إيران هي الجمهورية الإسلامية. لكن منذ عام 1979، لم تتوقف أبدًا عن محاولة تصدير ثورتها. كذلك، فإن الأحداث المضطربة التي وقعت خلال العشرين سنة الماضية، والتي تضمنت صعود حزب الله، والإطاحة بصدام حسين (السني) في العراق ذات الأغلبية الشيعية، والحرب الأهلية السورية واليمنية، وثورة الاتصالات الرقمية، والإفراج عن الأموال الذي أسفر عنه الاتفاق النووي الإيراني، كل ذلك أدى إلى زيادة كبيرة في قدرات إيران الشريرة. وهنا، أثبتت إسرائيل أنها مفيدة بالنسبة لدول الخليج، فزودتهم بالتعاون الأمني سرًا، إذ تعدُّ دولة كالإمارات العربية المتحدة واحدة من الدول القليلة التي تهاجم إيران أو وكلاءها بشكل مباشر.
ثالثًا، تغير التزام الولايات المتحدة. فقد حاولت كل من إدارة أوباما وترمب إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. فربَّما لا يكون العديد من الحكام الديكتاتوريين في العالم العربي من أبطال حقوق الإنسان، لكن العديد منهم شركاء للولايات المتحدة. فمع التخلي عن مبارك في مصر في مواجهة أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، تسبب باراك أوباما في أن يدرك الشركاء العرب للولايات المتحدة أن الالتزام الأميركي بأمنهم لم يعد موثوقًا به. وقد غيَّر دونالد ترمب السياسة الأميركية تجاه إيران، لكن طبيعته المتقلبة وتعليقاته الصريحة حول اضطرار الحلفاء للدفاع عن أنفسهم دفع لاستمرار حالة عدم اليقين.
وهناك مفارقة مفادها أن تراجع التعهدات الأميركية تجاه الشرق الأوسط، قد سبَّب في تحسن العلاقات العربية الإسرائيلية.
رابعًا، إن دول الخليج لم تخُض أبدًا حربًا مع إسرائيل (ولم تخبر شعبها أنها انتصرت عليها! إنني عندما كنت في القاهرة أعمل بوزارة الخارجية والتجارة، مررتُ بجوارِ متحفٍ وساحةٍ لإحياء ذكرى الانتصار المصري في حرب يوم الغفران).
إن المصريين لم يشاركوا “السادات” أبدًا في صداقته مع إسرائيل. فقد حاربت مصر إسرائيل لتدميرها. وكان توقيع اتفاقية السلام، خاصة قبل حلِّ القضية الفلسطينية، يتعارض مع 30 عامًا من الشحن والتلقين العقائدي. لكن دول الخليج لديها شجرة أقصر بكثير حتى ينزلوا من عليها، كما لم يكن عليهم أبدًا أن ينزفوا من أجل القضية.
لقد نجح البحرينيون والإماراتيون منذ سنوات في الابتعاد عن الأيديولوجيات القديمة التي تركز على الداخل. وتتحدث الأدغال المتلألئة بالرمال عن نجاح ذلك النهج. فمن حدائق ومعارض “ليجو”، إلى الجوائز الكبرى لسباقات الـ “فورميولا 1″، يقدم الإماراتيون والبحرينيون الكثير من الأدلة على أنهم يرحبون بالعالم، بدلاً من الانغماس في مشاعر الاستياء من عبودية الماضي الاستعماري.
إن السلام مع إسرائيل لا يشكل إحراجًا، بل يُحتفل به. فلنشاهد المحادثات العديدة التي أجريت بين معلقين إسرائيليين وإماراتيين عبر الفيديو “زووم” في الأسابيع الأخيرة. كما أصبحت الفنادق الإماراتية تقدم وجبات الكوشر (وهو الأكل المُعَدُّ على الشريعة اليهودية) حاليًا.
وخلافًا للمصريين الذين اضطروا لتقبل وجود اسرائيل، فإن دول الخليج تسعى للاستفادة منها. إذ تشمل الاتفاقيات الموقَّعة، مؤخرًا، مواد حول التجارة والاستثمار، والسفارات، والتبادل الثقافي، والرحلات الجوية المباشرة، والتعاون في مجال الصحة وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك. وتعتبر الخبرات التكنولوجية الإسرائيلية في مجالات الحفاظ على المياه واستصلاحها وتحلية المياه مطلوبة بشدة، وكذلك البيئة الإسرائيلية للاستثمار في التكنولوجيا والابتكار.
نعم، إن دول الخليج تصنع السلام مع إسرائيل؛ لأن ذلك من مصلحتها. لكن هذا السلام لا تُحسَد عليه. إنه يتم على أساس الترحيب بالدولة اليهودية كدولة ذات وجود شرعي في المنطقة. وهذا ربَّما يجعل دول الخليج صهيونية بعد كل شيء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
مدير الشؤون العامة في الاتحاد الصهيوني بأستراليا*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر