الآثار والتداعيات لفيضان السودان | مركز سمت للدراسات

فيضان السودان.. الآثار المباشرة والتداعيات اللاحقة

التاريخ والوقت : الإثنين, 28 سبتمبر 2020

د. أماني الطويل

 

تعد فيضانات السودان المسجلة هذا العام هي الأوسع نطاقًا والأكثر تأثيرًا على مدى قرن كامل. من هذه الزاوية، من المتوقع أن يكون لهذه الفيضانات تداعيات اقتصادية واجتماعية وصحية واسعة المدى، وستكون إمكانية تطويقها ضعيفة على المستوى القريب، بينما قد تتراجع تداعياتها على المدى المتوسط بشرط استمرار الدعم الإقليمي والدولي للسودان.

من المعروف أن مناسيب نهر النيل لم تسجل ارتفاعًا لمعدلات المياه بمستويات أرقام هذا العام، وذلك مع تجاوز فيضانات عامي ١٩٤٦ و١٩٨٨ بمقادير كبيرة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الآثار الواسعة النطاق التي خلّفتها فيضانات ٢٠٢٠ في السودان لا تعود فقط إلى الأسباب الطبيعية، أي ارتفاع مناسيب المياه، لكنها تعود أيضًا إلى جملة من الأسباب الفرعية. ويمكن تلخيص هذه الأسباب في: عدم الاستجابة المبكرة، ولو نسبيًّا، لمواجهة الفيضانات. وحالة البنية التحتية الهشة والمتوارثة عبر أكثر من نظام سياسي. والوضع الاقتصادي لغالبية السكان الذي جعل معظم البيوت في مناطق الفيضان هي بيوت طينية. فضلًا عن وجود كثير من القرى والزراعات المحاذية للنهر أو القريبة منه. وصعوبة اتخاذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من الفيضانات في حال حدوثها، حيث يفتقد الناس أبسط الأدوات لتحقيق هذا الهدف.

تفاقم الخسائر

يمكن القول إن الحكومة الانتقالية السودانية لم تتنبه بالقدر الكافي لإنذارات الفيضان التي وفرتها المعلومات بشأن معدلات غير مسبوقة لارتفاع مناسيب الأمطار على الهضبة الإثيوبية، وكذلك انهيار سد بوط جنوب ولاية النيل الأزرق بالسودان مما أسفر عن انجراف ٦٠٠ منزل في الماء وتضرر آلاف الناس وكذلك نفوق الماشية.

ولعل التأخير في إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الفيضان سببه المباشر حالة الارتباك التي سببها الملء الأول لسد النهضة، والذي تم دون اتفاق أو تنسيق بين إثيوبيا ودولتي المصب، وبالتالي وقعت وزارة الري السودانية في ارتباكات، خصوصًا مع انحسار مناسيب مياه النيل في منتصف يوليو الماضي بمقدار ٩٠ مليون متر مكعب يوميًا، وهو الانخفاض الذي جرى في منطقة الدويم، وتسبب في توقف خمس محطات للشرب، كان لها أثر محسوس على حياة الناس اليومية. وربما لم يتم الانتباه كذلك بالشكل الكافي لحالة بحيرات السدود وطبيعة تخزينها، خصوصًا مع التراكم السنوي لمعدلات الإطماء بما يؤثر على قدرة البحيرات الخلفية للسدود على التخزين.

ولا يمكن إنكار أن ارتفاع مستويات الفقر في السودان ساهم بشكل مباشر في أن يكون حجم خسائر المنازل كبيرًا، ذلك أن معظمها تم بناؤه بالطوب اللبن، خصوصًا في الأرياف، وذلك ربما يكون طبيعيًا مع وجود حوالي ٢٠ مليون سوداني تحت خط الفقر، حيث لا يتجاوز دخل هؤلاء الشهري ٦٠ دولارا، فضلًا عن معدل البطالة الذي وصل إلى ٢٤٪.

في هذا السياق، أقدمت وزارة الري السودانية على تشكيل لجنة للفيضان، وهي التي قامت بنشر مناسيب المياه لنهر النيل في عدد من المدن السودانية والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها في ٨ سبتمبر الماضي، حيث سجلت الخرطوم حوالي ٤٠ سم من المياه أعلى من المعدلات المسجلة سابقًا، بينما سجلت بداية الانخفاض طبقًا للجنة الفيضانات في ٩ سبتمبر ولكن بمقادير متواضعة. ويوضح الجدول التالي هذه المناسيب.

وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة السودانية حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، مع اعتبار مناطق الفيضان مناطق كوارث طبيعية، وذلك مع بداية وضوح حجم الكارثة الإنسانية، وطلب العون الدولي المعروف في مثل هذه الحالات.

وبطبيعة الحال، ساهمت حالة البنية التحتية الهشة بالسودان في تضاعف أثر الفيضانات، ذلك أن عمليات تطهير المصارف وتقوية السدود الصغيرة، وإقامة مخرات للأمطار والسيول، وحفر روافد ومفايض قريبة من المجري المائي من شأنها تخزين المياه، وكذلك الاهتمام بالبنية التحتية بشكل عام؛ لم تكن من اهتمامات الحكومات السودانية المتوالية خلال مدة الثلاثين عامًا التي حكم فيها الإخوان المسلمون السودان، حتى إن حوادث الغرق الفردية بعيدًا عن الفيضان مثّلت قصصًا للصحف اليومية، كان آخرها قبل عامين غرق ٥ فتيات من أسرة واحدة وهن في طريقهن إلى مدرستهن.

تداعيات الفيضان

الخسائر الإجمالية للاقتصاد السوداني كنتيجة مباشرة للفيضانات قد تتجاوز ٤ مليارات دولار طبقًا لخبراء اقتصاديين سودانيين، خصوصًا أن الحياة قد توقفت تقريبًا لمدة شهر، وتحولت بعض المناطق إلى جزر معزولة. وطبقًا لمجلس الدفاع المدني السوداني، بلغ عدد ضحايا الفيضان هذا العام حوالي 124 شخصًا، و34 جريحًا، وتضرر حوالي مائة ألف منزل ما بين انهيار كلي وجزئي. ويعاني من التأثير المباشر للفيضان حوالي 730 ألف شخص حتى منتصف سبتمبر فقط. وشملت الخسائر مختلف مناحي الحياة في أرجاء البلاد، حيث جاء في بيان صادر عن مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية أن “الأمطار الغزيرة على مدى أسابيع تسببت في حدوث وفيات، ونزوح وتدمير هائل للبنية التحتية الرئيسية، وانقطاع سبل العيش في جميع أنحاء البلاد”. أما التقارير المحلية السودانية الصادرة عن وزارة الداخلية السودانية فقد رصدت أن الفيضان قد ألحق الأضرار بأكثر من 97 ألفًا و791 فدانًا زراعيًا، و396 متجرًا ومخزنًا، و224 من المرافق بما فيها المدارس والمراكز الصحية والمستودعات، وقضت على أكثر من 5500 رأس من الماشية، وهي بالنسبة للعديد من العائلات مصدر رزقها الرئيسي.

وبطبيعة الحال لا تقتصر آثار الفيضان المباشرة على عمليات تدمير البنية التحتية والمنازل، ولكنها تمتد للتأثير على الوضع الصحي العام؛ ذلك أن الملاريا المميتة، وانتشار الكوليرا، هي من تداعيات الفيضان بعد انحسار المياه، وذلك مع قصور قدرات المؤسسات الحكومية عمومًا في عمليات سحب المياه من البحيرات الآسنة خصوصًا في الأرياف، الأمر الذي يثير قلقًا جديدًا حول تداعيات ركود مياه الفيضانات، وما قد يسببه من أوبئة في بلد يعاني من ضعف وهشاشة المنظومة الصحية وشح الموارد كنتيجة لتداعيات جائحة “كوفيد-19″، والعيش تحت مظلة حالة طوارئ اقتصادية، بالإضافة إلى حالة الطوارئ المعلنة بسبب الفيضان، وكلها أوضاع تتطلب توفير 31 مليون دولار بشكل سريع طبقًا لما أعلنته منظمة اليونسيف لإنقاذ الوضع الصحي فقط في السودان.

ملامح الدعم الإقليمي والدولي للسودان

حظي السودان بدعم عربي سريع لتحجيم آثار الفيضان، فقد تحركت الجامعة العربية بصندوق إغاثي، وسيرت مصر والإمارات والسعودية جسورًا جوية، كما قامت وزيرة الصحة المصرية بزيارة للسودان على رأس وفد طبي كبير لتحديد الاحتياجات الطبية السودانية، بهدف تطويق آثار الفيضان على صعيد مكافحة الأوبئة، وذلك كله إلى جانب جهود المنظمات الدولية المعنية وبعض الدول الأخرى. وقد ساهمت هذه الجهود مجتمعة في توسيع نطاق العمليات الإغاثية، حيث تم توصيل المساعدات الضرورية إلى حوالي 320 ألف شخص، بما في ذلك تقديم المأوى والمياه النظيفة والخدمات الصحية طبقًا لبيانات الأمم المتحدة.

وقد أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، كما تم تصنيف المشكلة على أنها “كارثة طبيعية” ضمن استجابة سريعة من المجتمع الدولي لمساعدة السودان؛ لكن هذا الدعم سوف يتلاشى سريعًا مع انحسار وتراجع المياه، وهو ما سوف يخلق تحديات أمام الحكومة الانتقالية التي تواجه معدلات تضخم مرتفعة، خاصة فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية التي تصل إلى ١٣٠٪، وتراجع مستمر في قيمة العملة المحلية، حيث تجاوز الدولار الواحد 200 جنيه سوداني بما يعني زيادة ٣٠٠٪ في أسعار الدولار خلال الأشهر التسعة الأخيرة، خصوصًا مع اتجاه الخرطوم إلى تبني سياسات التعويض عن خسائر المواطنين. فطبقًا لتصريحات العقيد “عبد الجليل عبد الرحيم”، مدير جهاز الدفاع المدني، فإنه سيتم تشكيل لجنة لحصر خسائر المواطنين وتقديرها بالجنيه السوداني، وهو ما قد تترتب عليه صعوبة حصر الخسائر بشكل واقعي، وذلك مع تدني أسعار العملة المحلية مقابل الدولار.

في هذا السياق، فإن من شأن التعويضات المتوقّعة من جانب الحكومة أن تشكل ضغطًا كبيرًا على الموازنة السودانية لأنها ستزيد أرقام الإنفاق الخاصة بالدعم الاجتماعي والمقدرة سابقًا بملياري دولار، وربما تساهم في مضاعفتها. أما على المستوى الاقتصادي فإن هذه التعويضات سوف تؤثر على القطاع الإنتاجي بشكل عام، خاصة عمليات إنتاج معدن الذهب، والزراعة، وذلك مع الخسارة المؤكدة لكثير من المحاصيل، خصوصًا السمسم. وكلها أسباب إجمالًا من المتوقع تأثيرها السلبي على إيرادات الدولة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة.

التقديرات الإجمالية للأوضاع السودانية بسبب الفيضانات أو غيرها من الضغوط الاقتصادية تتطلب انتباهًا إقليميًا، خصوصًا من مصر، لدعم السودان، ذلك أن زيادة الضغوط الاقتصادية من شأنها تعريض حالة الاستقرار السياسي للمخاطر، وذلك كنتيجة مباشرة للضغوط الاقتصادية، وهي الضغوط المستمرة على نحو حاد حتى يتم رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، ويتمكن البلد الشقيق من تدبير قروض مليارية من البنك الدولي حتى يستطيع تعويم أوضاعه الاقتصادية والسياسية.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر