الاقتصاد الصيني يرسل إشارات متضاربة بشأن الانتعاش والطلب | مركز سمت للدراسات

الاقتصاد الصيني يرسل إشارات متضاربة بشأن الانتعاش والطلب

التاريخ والوقت : السبت, 26 سبتمبر 2020

مايكل ليليفيلد

 

أرسل الاقتصاد الصيني إشارات متضاربة بشأن انتعاشته فيما يزيد قليلاً على أسبوع، حيث ارتفعت مبيعات التجزئة بشكل طفيف بعد الإشارات السابقة لركود الطلب.

فقد أعلن المكتب الوطني للإحصاء، الثلاثاء 15 سبتمبر، عن نتائج إيجابية لمبيعات التجزئة في شهر أغسطس الماضي مع مكاسب بنسبة 0.5% مقارنة بالعام السابق، مسجلاً أول زيادة شهرية لعام 2020.

كما تحسَّن الإنتاج الصناعي في أغسطس، حيث قفز 5.6% على أساس سنوي بعد نمو بنسبة 4.8% في الشهرين السابقين.

لكن الاستثمار في الأصول الثابتة بالعناصر طويلة الأجل مثل المباني والآلات استمر في التباطؤ، فانخفض بنسبة 0.3% في فترة الثمانية الأشهر الأخيرة، وتعزَّز بشكل هامشي فقط من خسارة بلغت 1.6% حتى يوليو، بشكلٍ ظاهريٍ، إذ يتعافى الاقتصاد الصيني بسرعة ملحوظة، مما أجبر المحللين على إعادة النظر في قراءاتهم للانتعاش من أزمة “كوفيد – 19” بعد البيانات التجارية المثبطة قبل تسعة أيام فقط. وفي 6 سبتمبر، أعلنت الإدارة العامة للجمارك عن نتائج متباينة للتجارة في أغسطس، حيث تجاوزت الصادرات التوقعات بزيادة قدرها 9.5% مقومة بالدولار. لكن ضعف الواردات تجاوز أيضًا التوقعات على الجانب السلبي، حيث انخفض بنسبة 2.1% مقومة بالدولار، متراجعًا عن انخفاض بنسبة 1.4% في يوليو.

تراجع الطلب

كثيرًا ما كان يُنظر للأداء الضعيف للواردات على أنه علامة على ضعف الطلب الاستهلاكي، وهي مشكلة ألقت بظلالها على مطالبات الانتعاش في الصين للناتج الصناعي ونمو الناتج المحلي الإجمالي.

ويبدو أن نمو مبيعات التجزئة في يوليو قد توقف مع ارتفاع شهري بنسبة 0.85% بعد زيادة بنسبة 0.83% في يونيو، وفقًا لأرقام المكتب الوطني للإحصاء. وحتى هذا التحسن الطفيف ربَّما يعتمد على يوم إضافي في شهر يوليو.

ونقلت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” South China Morning Post عن “شو هونغكاي”، نائب مدير لجنة السياسة الاقتصادية في الجمعية الصينية لعلوم السياسة قوله: “إن انتعاش الصين لا يزال مستمرًا، لكنه لم يعد قويًا بعد الآن”.

وقال “شو”: “الجميع قلقون بشأن التوظيف، والدخل آخذ في الانخفاض، لذلك يجرؤ الجميع على عدم إنفاق الكثير من المال”.

لقد جاء الضعف في الواردات والمبيعات رغم التدفقات القياسية للنفط الأجنبي في شهري يونيو ويوليو، بالإضافة إلى الدفع للوفاء بشروط اتفاق المرحلة الأولى التجاري للصين مع الولايات المتحدة قبل نهاية العام.

كما أفادت “نيكي أسيان ريفيو” NikkeiAsian Review  بأن الصين كانت تضيف أيضًا إلى مخزوناتها من السلع الأخرى مثل المواد الغذائية ومواد التعدين التي قد تتعرض لارتفاع الأسعار بسبب النقص في الخارج أو العقوبات الأميركية. وقالت “نيكي”: “إن بكين حريصة على الاحتفاظ باحتياطياتها مرتفعة لتجنب النقص الذي قد يثير استياء محليًا.” ولولا هذه الزيادات الأولية، لكان تراجع الواردات الصينية سيبدو أسوأ.

ويمكن قول الشيء نفسه عن محاولات الحكومة متعددة الأوجه لتحفيز الطلب المحلي من خلال سياسات الإقراض الميسرة والإعفاءات الضريبية والإعانات وكوبونات الخصم المحلية.

لقد وقفت علامات ضعف الطلب الاستهلاكي على النقيض من تقارير وسائل الإعلام الحكومية التي لا هوادة فيها حول عودة الناس إلى المدارس والمصانع ودور السينما مع تخفيف قيود “كوفيد – 19”.

لكن التقارير الاقتصادية الرسمية لم تعكس بعدُ تأثير شهرين من الفيضانات الشديدة منذ سنوات في الامتدادات الشاسعة لحوض نهر “اليانغتسي”، حيث تضرب الأعاصير المناطق الساحلية حتى الشمال الشرقي الصناعي.

تفاؤل زائف

جادل بعض المحللين بأن التقارير المتعلقة بالتعافي الاقتصادي في الصين قد تجاوزت الحد. وقد قال “لو تينج”، كبير الاقتصاديين الصينيين في نومورا، لصحيفة “مورنينج بوست” في 14 أغسطس: “نعتقد أن الأسواق متفائلة جدًا إلى حد ما بشأن نمو الصين في النصف الثاني من العام”.

وفي الشهر الماضي، قال كاتب الرأي في بلومبيرغ “أنجاني تريفيدي” إنه: “من الصعب تحديد الحالة الحقيقية لاقتصاد الصين .”لكن أرقام المبيعات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء هذا الأسبوع أدت إلى المزيد من القراءات الإيجابية، على الرغم من أنها لم تصل إلى حد ما. وقال “نوموراس لو” في بحثه: “إن تدعم بيانات النشاط الأقوى من المتوقع في أغسطس هو قرارنا الأخير بأن يرتفع الوضع خلال الربعين الثالث والرابع إلى 5.2% (على أساس سنوي) و5.7% على التوالي”.

لكن لو استمر في حالة الحذر بشأن حالات عدم اليقين، بما في ذلك قوة الطلب المكبوت و”التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين التي يمكن أن تؤثر في صادرات الصين والاستثمار الصناعي”.

وفي سلسلة من الإشارات المتضاربة، اختار الرئيس “شي جين بينغ” توقيتًا غريبًا للكشف عن مبادرتين جديدتين تنقلان توقعًا لمزيد من المشاكل الاقتصادية في المستقبل.

ولم يحظَ شعار “شي” الأخير للاستراتيجية الاقتصادية، المسمى “التداول المزدوج”، بتغطية إعلامية واسعة النطاق إلا في أواخر يوليو، على الرغم من أن المؤرخين الرسميين يزعمون أنه تمَّ إعداده لأول مرة في مايو.

ويقلل المفهوم المعقد من أهمية الصادرات في النمو الاقتصادي الصيني، ويرفع الاستهلاك المحلي إلى مرتبة المحرك الرئيسي.

وسيسمح هذان الجزآن “للأسواق المحلية والأجنبية بتعزيز بعضها بعضًا”، مع الاستفادة بشكلٍ أساسٍ من أي الفوائد التجارية التي يمكن أن تحصل عليها الصين.

تأثير “كوفيد – 19”

في العام الماضي، شكَّل الإنفاق الاستهلاكي 57.8٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا للمكتب الوطني للإحصاء، لكن ذلك كان قبل أن يتسبب فيروس “كوفيد – 19” في توقف الاقتصاد.

وفي 7 سبتمبر، أصدرت الحكومة تحذيرًا متأخرًا بشأن ضعف الاستهلاك وتأثيره على الاقتصاد.وقال رئيس مجلس الدولة الصيني “لي كه تشيانغ” في بيان صدر بعد اجتماع تنفيذي لمجلس الدولة على مستوى مجلس الوزراء الصيني: “لقد كان لفيروس كورونا تأثير كبير على الاستهلاك”.

وقالت وكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا): “إن الاستهلاك تأثر بشكل كبير بفيروس كوفيد – 19 هذا العام وأصبح عبئًا على التعافي الاقتصادي”.

ونُقل عن “لي” قوله: “بالنسبة للصين فلتحقيق نمو إيجابي هذا العام، فإن زيادة الاستهلاك تعتبر أمرًا حيويًا”.

وحتى الآن، تشير الأرقام الخاصة بمبيعات التجزئة والتجارة إلى حدوث عكس توقعات التداول المزدوج تمامًا، حيث تفوقت الصادرات على التوقعات وانخفض الطلب المحلي. ويثير هذا المزيج التساؤل حول ما إذا كانت الحكومة قد أخطأت في سياستها، أم أنها تتوقع المزيد من الضعف في المستقبل. وفي كلتا الحالتين، فإن التداول المزدوج ليس شعارًا جذابًا أو داعمًا للثقة الاقتصادية.

وبالمثل، يبدو أن حملة “شي” بشأن الأمن الغذائي، التي تمَّ الترويج لها بشدة في أواخر يوليو، تعكس مخاوف الحكومة بشأن تهديدات التعافي. وفي تعليق لوكالة (شينخوا) جاء أنه “خلال النصف الأول من العام، كان الحرث الربيعي والإنتاج الزراعي في الصين يواجه انتكاسات بسبب صعوبات في النقل والتداول ومعالجة الحبوب”.

وقالت (شينخوا): “إن القيود المفروضة على الصادرات الغذائية والتكدس بسبب الذعر في بعض البلدان والمناطق وتفشي الجراد الصحراوي، أثَّرت سلبًا على إنتاج الغذاء”. وسرعان ما تحول التحذير إلى حملة “لوحة نظيفة” تهدف إلى تقليل هدر الطعام في جميع أنحاء الصين من المنتجين الزراعيين إلى المطاعم والمدارس. لكن التصعيد المفاجئ للمبادرة كان بمثابة استجابة طارئة وإجراءات تقشفية متناقضة مع مزاعم الحكومة عن التعافي الاقتصادي السريع في النصف الثاني.

استنتاجات معاكسة

في الشهر الماضي، استشهدت صحيفة “تشاينا ديلي” الرسمية الصادرة باللغة الإنجليزية بتقرير لـ”ني يوفينج”، وزير GAC، وصف الصين بأنها “أول اقتصاد رئيسي في العالم يشهد انتعاشًا كبيرًا للإنتاج من صدمة فيروس كورونا.” وقال “ني”: “إن القدرة على الصمود في وجه الصدمات الكبرى والقدرة التنافسية لقطاع التجارة الصيني في ارتفاع مستمر”. ذلك أن حصة الصين في السوق يمكن أن ترتفع أكثر مع استمرار استئناف الأعمال (العالمية). وقال “ني” في تصريحات نقلتها صحيفة “مورنينج بوست” ووكالة (شينخوا): “إنه أمر رائع”. لكن “ديريك سيسورز”، الاقتصادي الآسيوي والباحث المقيم في معهد “أمريكان إنتربرايز”، توصل إلى استنتاجات معاكسة حول البيانات التجارية المتباينة وما إذا كانت الصين تقود العالم في التعافي الاقتصادي.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: راديو آسيا الحرة

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر