أزمة متفاقمة: تحديات ظاهرة النزوح في الساحل الإفريقي | مركز سمت للدراسات

أزمة متفاقمة: تحديات ظاهرة النزوح في الساحل الإفريقي

التاريخ والوقت : الأربعاء, 23 سبتمبر 2020

نسرين الصباحي

أثارت مستويات العنف المُسلح غير المسبوقة في الساحل الإفريقي، أزمة إنسانية متزايدة، خاصةً في منطقة الساحل الوسطى (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو) بمنطقة التقاء الحدود المشتركة بين الدول الثلاث. وفي التاسع عشر من يناير 2020، نزح ما يقرب من 7000 شخص من منطقة “تيلابيري” بغرب النيجر إثر الهجمات الإرهابية، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR). كما أشار تقرير مركز رصد النزوح الداخلي (IDMC) لعام 2020، إلى ارتفاع عدد النازحين داخليًّا في بوركينافاسو من 560.000 نازح عام 2019 إلى 838.548 نازح عام 2020. وفي مالي من 70.000 نازح إلى 218.536 نازح. وفي النيجر وصل عدد النازحين إلى 226.700 نازح.

وفي ظل جائحة” كورونا”، يصبح الوضع أشد وطأة على مناطق النازحين داخليًّا. فعلى الرغم من انخفاض عدد الفحوصات والحالات التي تم الكشف عنها حتى الآن؛ إلا أن الزيادة المستمرة في معدلات الإصابة تشير إلى حالة طوارئ مُقبلة تفوق قدرة القطاعات الصحية الوطنية، وسيكون للتأثير الاجتماعي والاقتصادي المباشر عواقب بعيدة المدى على الأمن الغذائي والحصول على الخدمات وسُبل العيش في جميع أنحاء الساحل الإفريقي، مما سيضاعف من معاناة النازحين.

وتأتي هذه الجائحة مواكبةً لموسم الجفاف الذي بدأ للتو، والذي يُتوقّع أن يكون واحدًا من أخطر المواسم منذ عقود، ومن المرجّح أن يؤدي هذا الوضع إلى المزيد من النزوح على نطاق واسع للسكان داخل المنطقة وخارجها، بما في ذلك الدول الواقعة في جنوب إقليم الساحل مثل: بنين، وكوت ديفوار، وغانا، وتوغو، وكذلك شمالًا إلى شمال إفريقيا وأوروبا.

أولًا- دوافع النزوح:

يغادر سكان دول الساحل الإفريقي من منازلهم وقراهم نتيجة عددٍ من الأسباب، منها: الصراعات المسلحة، والعنف الإثني، والنزاعات المحلية على الأرض والموارد، وآثار التغيرات المناخية من الفيضانات والجفاف والتصحر. وفيما يلي تفصيل لدوافع النزوح في الساحل الإفريقي:

1- الهجمات الإرهابية: يتزايد وجود ونفوذ الجماعات المُسلحة في جميع بلدان الساحل الإفريقي، حيث عملت هذه الجماعات على تجنيد الأفراد بالقوة، واستهداف المدنيين أو اختطافهم أو قتلهم، ونهب الممتلكات، وفرض الحصار على القرى، وحرق المنازل، وتدمير سُبل العيش لمجتمعات بأكملها. وقد سبب هذا الوضع موجات كبيرة من النزوح، فخلال السنوات الأخيرة فاقمت الجماعات المُسلحة مثل “بوكو حرام” الوضع بتشريد آلاف السكان في شمال شرق نيجيريا.

2- تداعيات التغير المناخي: تعاني منطقة الساحل الإفريقي من مواسم الجفاف المتكررة والتصحر وغيرها من آثار تغير المناخ، وتنعكس هذه الآثار على أنشطة الزراعة وصيد الأسماك وخسائر فادحة في إنتاج الغذاء، وانعدام الأمن الغذائي المُرتبط بالأراضي الزراعية المتدهورة، وتقلص المراعي للماشية، وتناقص احتياطيات المياه، وحطب الوقود، والموارد الطبيعية الأخرى. وكل هذه العوامل ساهمت في زيادة النزوح والذي يُعرف “بالنزوح المناخي”. وكما يتوقع الخبراء فإن ما يقرب من 4.8 ملايين شخص في دول مالي والنيجر وبوركينافاسو عرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي خلال موسم الجفاف (يونيو/أغسطس 2020) إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الوقائية الاستباقية المناسبة على وجه السرعة.

3- الصراعات الداخلية: يشهد إقليم الساحل الإفريقي العديد من الصراعات العنيفة ذات الخلفيات الإثنية والقبلية، والتي تُعد جميعها سببًا رئيسيًا في تفشي ظاهرة النزوح. فعلى سبيل المثال، أدى الصراع المحلي بين الرعاة والمزارعين على الحدود بين بوركينافاسو والنيجر وتشاد إلى موجة كبيرة من النزوح. وهذه الصراعات تعقد من أزمة النازحين بطريق غير مباشر، حيث تضغط على الميزانيات الحكومية برفع مخصصات الاستجابة للتهديدات الأمنية المتزايدة، حيث اضطرت الحكومات في منطقة الساحل إلى زيادة نفقات قطاع الأمن بشكل ملحوظ على حساب معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للنازحين.

ثانيًا- تحديات النزوح الداخلي:

يواجه النازحون في منطقة الساحل الإفريقي تحديات عدة، من بينها: انعدام الأمن وانتشار العنف، والتحديات الإنسانية الواضحة للنزوح، وانعدام الأمن الغذائي، وعدم القدرة على استيعاب النازحين في المجتمعات المضيفة في ظل ضعف البنية التحية، بالإضافة إلى التحديات اللوجستية التي تواجه عمل المنظمات المعنية بتقديم المساعدات للنازحين:

1- تمدد مساحات انعدام الأمن: فعلى سبيل المثال، انتشر العنف من شمال مالي إلى منطقتي سيغو وموبتي في وسط البلاد ومنها إلى بوركينافاسو والنيجر، حيث توجه الأعمال العدائية بشكل رئيسي نحو السكان المدنيين وقوات الأمن الوطنية. كما امتدّ الإرهاب في منطقة حوض بحيرة تشاد غرب إقليم الساحل الإفريقي من نيجيريا إلى الكاميرون ثم إلى النيجر وتشاد. وهذا الوضع يشير إلى زيادة محتملة مستقبلًا في مساحة المناطق التي يُضطر سكانها للنزوح نتيجة انعدام الأمن.

2- تحديات الموارد: يُشكل ارتفاع عدد النازحين داخليًّا تحديًا خاصًّا لبلدان الساحل في ظل عدم القدرة على استيعاب احتياجات النازحين، وعلاوةً على ذلك تطور المظالم بين كل من النازحين والمجتمعات المضيفة، مما قد يؤدي إلى الصراعات وتفكك التماسك الاجتماعي بزيادة الضغوط على البنية التحتية وأنظمة الصحة والتعليم، واستنفاد الخدمات. فضلًا عن العقبات السياسية والأمنية المتعددة التي تعوق وصول الوكالات الإنسانية إلى هذه البلدان وتقديم المساعدة التي تشتد الحاجة إليها.

3- استمرار الارتفاع في معدلات النزوح في إقليم الساحل: فعلى الرغم من الجهود الوطنية والدولية المبذولة لاحتواء أزمة النزوح، لا تزال معدلات النازحين في ارتفاع مستمر، وذلك نتيجة استمرار الصراع، الأمر الذي يعني تفاقمًا حتميًّا لمشكلاتهم المختلفة. ومن الجدير بالذكر أن نازحين جددًا قد انضموا لنازحي إقليم الساحل في المناطق الشمالية بكلٍّ من توجو وبنين وغانا وساحل العاج.

ثالثًا- استجابات متنوعة:

تُعد مُعالجة النزوح في منطقة الساحل أمرًا بالغ الأهمية للتخفيف من حدة الفقر وتحقيق الاستقرار، ومن المهم تهيئة الظروف للجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية للمساعدة في إيجاد حلول للسكان النازحين، ويجب أن تقترن المساعدة الفورية باستثمارات كبيرة في سبل العيش والخدمات الاجتماعية من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي وتوفير أسس السلام في المنطقة:

1- استجابة وطنية: تعددت استجابات دول الساحل لمشكلة النازحين، حيث تضمنت تبني نظم جديدة للإسكان توفر أوضاعًا أكثر استقرارًا للنازحين، وتُقلل من فرص الاحتكاك بينهم وبين السكان الأصليين المستضيفين. فضلًا عن تعديلات تشريعية كانت مهمة من أجل تقنين أوضاع النازحين في العديد من المناطق، خاصة مع ضياع الأوراق الثبوتية للعديد منهم.

2- استجابة إقليمية: وهي الجهود المبذولة للتغلب على التحديات المُتعلقة بتنسيق السياسات، ورصد ومعرفة مواقع واحتياجات النازحين والمجتمعات المضيفة لهم، وضمان عودة النازحين مرة أخرى، وتأمين استفادة النازحين من الخدمات والاستثمارات التنموية الجارية في المنطقة. ويمكن أن تساعد مراقبة النزوح في تحسين التحليل والتنبؤ بالظواهر الأخرى ذات الصلة، مثل أزمات الغذاء والإنتاج وانعدام الأمن الغذائي، فيما يُعرف بعمليات “مراقبة الحماية” والتي تتم في الإقليم بالتعاون مع مجلس اللاجئين الدنماركي DRC))، ومفوضية اللاجئين والنازحين، و20 جهة فاعلة من خلال 12 مشروعًا لمراقبة الحماية والتي تم تجربتها في بوركينافاسو ومالي والنيجر في متنصف إبريل 2020.

3- استجابة دولية: وذلك من خلال تعزيز انخراط الهيئات الدولية المانحة والمتخصصة في قضايا النزوح، مثل مفوضية شئون اللاجئين والنازحين التابعة للأمم المتحدة، والتي أعلنت احتياجها إلى 185.7 مليون دولار لتوفير الحماية والمساعدة المنقذة لحياة اللاجئين والمشردين داخليًا والعائدين والمجتمعات المضيفة في منطقة الساحل الإفريقي، ويشمل ذلك مبلغ 96.7 مليون دولار في الاحتياجات الأولية لعام 2020، و29.3 مليون دولار لتنفيذ تدابير الوقاية من فيروس “كورونا” المُستجد والتعامل معه في مناطق النزوح، و59.7 مليون دولار إضافية لزيادة الاستجابة للطوارئ مع التركيز على المأوى ومواد الإغاثة الأساسية، والوقاية والاستجابة للعنف الجنسي والتعليم والبيئة.

من كل ما سبق، إذا استمر انتشار العنف في بلدان الساحل الإفريقي فلا يمكن توقع إلا المزيد من موجات النزوح، ويتطلب هذا الوضع مزيدًا من الجهود للتعامل مع المسببات الجذرية للصراعات في المنطقة، وتعزيز الاستجابة الوطنية والإقليمية والدولية، من خلال مقاربة شاملة واستباقية تعزز من استعداد دول الإقليم لمواجهة موجات النزوح الجديدة، من خلال تدابير التأهب والاستجابة المناسبة، وإدارة عمليات النزوح بشكل فعال عند حدوثها.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر