سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد م دياتا
أعلن الرئيس “إبراهيم بوبكر كيتا” استقالته عبر التلفزيون الوطني في مالي مساء الثلاثاء 18 أغسطس. وفي وقت سابق من ذلك اليوم، اعتقله الجيش مع رئيس وزرائه “بوبو سيسي”.
وانتشرت شائعات عن التمرد الذي وقع في صباح ذلك اليوم، تضمنت استقالة “كيتا” تحت الإكراه، وهو ما يرقى إلى انقلاب عسكري. وتتولى حاليًا اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب، التي نصبت نفسها بنفسها، السلطة.
جاء ذلك بعد أسابيع من المظاهرات وتصاعد التوترات بشأن الانتخابات التشريعية المتنازع عليها على خلفية فضائح الفساد المرتبطة بالمشتريات العسكرية وسوء الإدارة. وتواجه مالي أزمات متعددة في شكل تطرف عنيف ونزاعات محلية، وجريمة منظمة عابرة للحدود في الشمال والوسط تنتشر بأجزاء أخرى من البلاد.
وأدان الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقًا، عزل الجيش لـ”كيتا”. وعلق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عضوية مالي في الاتحاد حتى استعادة النظام الدستوري. كما دعا المجلس إلى إطلاق سراح “كيتا” وغيره من المسؤولين المحتجزين. وعلقت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عضوية مالي، وأغلقت الحدود، وفرضت عقوبات على القادة المتمردين وأمرتهم بإعادة “كيتا”.
تثير قضية مالي تساؤلات حول الاحتجاجات الشعبية والاستيلاء العسكري والحكم في إفريقيا، حيث كانت هناك زيادة في الانتفاضات الشعبية في العقد الماضي أو نحو ذلك. وصلت هذه الأحداث ذروتها خلال أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وقد تلتها أحداث بوركينا فاسو عام 2014 التي أطاحت بالرئيس السابق “بليز كومباوري.”
كان العام الماضي بمثابة تذكرة أخرى لكيفية تغيير الأنظمة من خلال مظاهرات الشوارع والتدخل العسكري. وأدت أشهر من الانتفاضات المستمرة في الجزائر والسودان إلى عزل الرئيسين عبدالعزيز بوتفليقة وعمر البشير.
أحرزت إفريقيا تقدمًا في الحد من الانقلابات، لا سيَّما مع رفضها للتغييرات غير الدستورية للحكومات على النحو المنصوص عليه في الميثاق الإفريقي للاتحاد الإفريقي بشأن الديمقراطية والانتخابات والحكم. ولدى الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إطار عمل مماثل في بروتوكولها بشأن الديمقراطية والحكم الرشيد. لكن لا يتعامل أي من الميثاقين على وجه التحديد مع حالات الانتفاضة مثل تلك التي أشعلت شرارة الانقلاب العسكري في الجزائر والسودان والآن مالي.
وهناك قضيتان أساسيتان مع الاحتجاجات الشعبية. الأولى هي الخلاف حول متى يكون الاحتجاج مؤهلاً للشعبية بما يكفي لتبرير الدعوة إلى تغيير الحكومة. ثانيًا، الطبيعة غير الدستورية على ما يبدو لمطالبة رئيس منتخب وحكومته بالتنحي دون اتباع الإجراءات الدستورية الواجبة، حتى من قبل الأشخاص الذين لديهم مظالم تبدو مشروعة.
إن الحجة القائلة بأنه لا يمكن عزل القادة المنتخبين إلا من خلال الانتخابات وليس أبدًا في الشوارع أو من خلال الاستيلاء العسكري، يمكن أن تظل قائمة عندما يتم اختيارهم من خلال انتخابات موثوقة، وعندما يتمسكون هم أنفسهم بسيادة القانون كجزء من العقد الاجتماعي الدستوري.
وربَّما أعيد انتخاب “كيتا” في 2018 في انتخابات اعتبرت ذات مصداقية من قبل معظم الناس، لكنه واجه مظاهرات عامة حاشدة في وقت مبكر من أبريل 2019. وقد اندلعت الاحتجاجات الأخيرة من خلال التنافس على نتائج الانتخابات البرلمانية في أبريل 2020. وأعرب المواطنون الماليون العاديون عن استيائهم من تفشي الفقر وانعدام الأمن وسوء الإدارة والفساد.
وخارج مالي، كان الاتجاه ينصب على أن يقوم القادة الأفارقة بتعديل الدساتير أو الالتفاف عليها لتمديد بقائهم في السلطة. فمثل تلك الانقلابات والاحتجاجات والاستيلاء العسكري على السلطة، يخلق فوضى مؤسسية ويؤدي إلى عدم ترسيخ الأعراف والممارسات الديمقراطية. وقد يرى آخرون بعد ذلك أن النظام الدستوري قابل للنقاش.
ويرفض ميثاق الاتحاد الإفريقي وبروتوكول الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التغييرات غير الدستورية للحكومات، لكنهما يحددان بوضوح أيضًا معايير الحكم الديمقراطي والرشيد، وينبغي أن يقلل هذا الأخير من مخاطر حدوث الأول.
وقد لا يكون من الممكن دائمًا الإجابة عن السؤال المتعلق بمدى شرعية الاحتجاج أو تمثيله أو شعبيته. ولكن عندما تكون المظالم مشروعة ومدعومة من قبل نسبة كبيرة من السكان، فمن الصعب الطعن في “شعبية” الانتفاضة أو إيقافها.
هذا لا يعني أن عزل رئيس أو حكومة من خلال الانتفاضات يجب أن يكون هو القاعدة، ولكن عندما يعتبر المواطنون أن الحكومة قد فشلت، فإنهم سيخرجون إلى الشوارع وقد يطالبون باستقالتها.
يمكن اعتبار هذه المطالب شرعية حيث لم تكن الانتخابات تاريخيًا حرة ونزيهة وشفافة، وبالتالي لا يمكن عزل القادة من خلال الاقتراع. ويشير هذا عادةً إلى عدم الثقة في مؤسسات الدولة، وفي استقلاليتها وحيادها، وهو ما يشوه العمليات الديمقراطية.
وإذا كان من الممكن التشكيك في شرعية أو شعبية أو تمثيلية الاحتجاج، فإنه يمكن كذلك التشكيك في شرعية الحكومة القائمة. وعندما يتم “انتخاب” القادة في استطلاعات للرأي مشكوك في مصداقيتها حيث تكون النتائج متنافسة بشدة، فإنهم لا يتمتعون بقدر كبير من الشرعية.
وفي مالي، فكما هو الحال مع العديد من البلدان الإفريقية الأخرى، تكون الانتخابات مثيرة للجدل والنتائج محل نزاع منهجي. ففي الانتخابات التشريعية التي أجريت في مارس وأبريل 2020، خصَّص حكم المحكمة الدستورية للنتائج النهائية للانتخابات 30 مقعدًا معظمها للحزب الحاكم وحلفائه، مما تسبب في مظاهرات على مستوى البلاد.
كذلك، تمَّ تحديد موعد الانتخابات في 2018، لكنها تأجلت جزئيًا لتمرير تعديل دستوري لبدء عملية اللامركزية، على النحو المتفق عليه في اتفاق الجزائر للسلام 2015.
وقد حدث الاستيلاء العسكري على السلطة بعد وساطة بقيادة الرئيس النيجيري السابق “جودلاك جوناثان”، وفشلت بعثة رؤساء دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في كسر الجمود بين “كيتا” وحركة 5 يونيو، وتجمع القوات الجمهورية (M5-RFP) الذي قاد التحالف المناهض للمظاهرات الحكومية.
وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن الاحتجاجات الشعبية ستصبح أكثر انتظامًا في الفضاء الاجتماعي والسياسي المتنازع عليه في إفريقيا. فمع التوقعات بأن وباء “كوفيد – 19” سيؤدي إلى تفاقم مستويات الفقر والبطالة، فإن الحكومات التي تبدو ضعيفة الأداء، وفي الوقت الذي لا يزال الفساد مستشريًا، ستستمر في مواجهة الانتفاضات.
إن الاحتجاجات الشعبية هي أحد أعراض عجز عميق في الحكم. ويكمن جزء من الحل في التطبيق الشامل وليس الانتقائي للمعايير الإفريقية بشأن الديمقراطية والحكم الرشيد، والتي لا يمكنها فقط توبيخ التغييرات غير الدستورية للحكومات مع السماح بتنامي الانتهاكات والتجاوزات الأخرى.
ودخلت مالي فترة من عدم اليقين السياسي. وبالتالي، ينبغي التفاوض بعناية من أجل ترتيبات الانتقال للحفاظ على بعض الاستقرار في الجهاز الأمني الضعيف الذي كان يحارب التطرف العنيف. وسيحدد نجاح هذا التحول الحالي مستقبل مالي كدولة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد الدراسات الأمنية Institute for Security Studies
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر