معركة الأمن الإقليمي.. رؤية استراتيجية | مركز سمت للدراسات

معركة الأمن الإقليمي.. رؤية استراتيجية

التاريخ والوقت : الخميس, 17 سبتمبر 2020

د. أشرف محمد كشك

حرص واضعو ميثاق منظمة الأمم المتحدة على أخذ مصالح الأقاليم بعين الاعتبار فجاء الفصل الثامن من ميثاق المنظمة بعنوان «التنظيمات الإقليمية» ليفسح المجال أمام أي مجموعة من الدول تنتمي إلى إقليم ما وترغب في تأسيس منظمة إقليمية يتكامل عملها مع أهداف ميثاق الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلم الدوليين وهو الأمر الذي وجد سبيله نحو التنفيذ من خلال تأسيس الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، والاتحاد الإفريقي ومنظمة الآسيان وجامعة الدول العربية، بل ان تلك التنظيمات ذاتها أتاحت الفرصة لتأسيس تجمعات فرعية أخرى تنبثق عنها ومنها مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يجد سنده في المادة التاسعة من ميثاق جامعة الدول العربية التي أتاحت لعدد من أعضائها عقد اتفاقات فيما بينها ولا تكون ملزمة لسواها بما لا يتعارض وميثاق الجامعة العربية.

وواقع الأمر أن تلك التنظيمات بالإضافة إلى أنها لعبت دورًا مهمًا لتعظيم مصالح أعضائها فإن دورها الأمني كان مهمًا للغاية وخاصة لحسم بعض الأزمات التي واجهتها في ظل عدم وجود سلطة إلزامية لدى المنظمة الأممية لتحقيق هذا الغرض، كما أن أداء بعض من تلك التنظيمات قد حال دون تدويل بعض الأزمات.

ومع أهمية هذا الإطار الأممي الذي يحدد بوضوح متى ينتهي دور المنظمة الأممية ومتى يبدأ دور تنظيمات الأمن الإقليمي فإن حالة التأزيم المزمنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط قد أعادت تسليط الضوء على مفهوم الأمن الإقليمي ذاته ليس من المنظور القانوني ولكن من منظور توازن القوى من ناحية والتدخلات الخارجية في الأزمات الراهنة من ناحية ثانية بما يعني أن مفهوم الأمن الإقليمي يخوض معركة مع مفهوم الأمن العالمي الذي لا يقصد به المعنى القانوني الذي حددته المنظمة الأممية وإنما نفوذ وتأثير القوى والمنظمات الدولية.

ويثير ما سبق ثلاثة تساؤلات الأول: ما هي التحديات التي تواجه مفهوم الأمن الإقليمي؟ والثاني: هل توجد محاولات للحفاظ على مستوى الأمن الإقليمي؟ والثالث: ما هي المعوقات التي تواجه تلك المحاولات؟

وبادئ ذي بدء يمكن القول أن التحدي الأول لمفهوم الأمن الإقليمي يتمثل في الصراع بين مفهوم الأقاليم بالمعنى القانوني وبمفهوم توازن القوى، فقانونيًا تشهد منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تنظيمات للأمن الإقليمي وهي الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية إلا أنه يلاحظ الآن ظهور تنافس وصراع دولي في مناطق جديدة بهدف بلورة توازن جديد للقوى بها ومنها منطقة شرق البحر المتوسط بل لوحظ ترويج بعض الكتابات لهذا الأمر بالقول «إقليم شرق المتوسط»، وهو الأمر الذي يصعب تفسيره من منظور جغرافي أو قانوني بالنظر إلى وجود أطراف في ذلك الصراع لا تنتمي جغرافيًا لتلك المنطقة، أما التحدي الثاني فيتمثل في إعادة تعريف دور المنظمات الإقليمية فهي لم تعد تنظيمات لبلورة مصالح أعضائها والدفاع عنها بل ان ما يصدر عنها من قرارات كان مسوغًا لمسار الأمن العالمي في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن ذلك قرار جامعة الدول العربية عام 2011 الذي طالب مجلس الأمن بالاضطلاع بمسوولياته تجاه الأزمة الليبية من خلال فرض منطقة حظر طيران وإقامة مناطق آمنة وهو الأمر الذي رآه حلف الناتو دعمًا إقليميًا للتدخل في تلك الأزمة – على الرغم من عدم نص القرار على طلب تدخل الحلف-، بينما يتمثل التحدي الثالث في تنامي النزعات الاستقلالية داخل التنظيمات الإقليمية من خلال الاهتمام بالعلاقات الثنائية على حساب تعزيز العمل الجماعي داخل تلك التنظيمات، والنتيجة الحتمية لتلك التحديات هي زيادة التدخلات الخارجية في الأزمات الإقليمية الأمر الذي عزز من تدويل الأزمات بما يعنيه ذلك من إطالة أمدها.

ومع أهمية ما سبق فإن ذلك لا يعني أن معركة الأمن الإقليمي قد حسمت بل توجد مؤشرات تؤكد على أن هناك جهودا للحفاظ على مستوى الأمن الإقليمي ويمكن الإشارة إلى أحدثها من خلال مؤشرين الأول: إعلان المملكة العربية السعودية تأسيس مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن في عام 2019 والذي لا يكتسب أهميته كونه خطوة مهمة ضمن نمو التنظيمات الإقليمية فحسب بل لكونه يرتبط بمنطقة تضم ممرًا مائيًا دوليًا مهمًا من ناحية وكإطار يربط منطقة الخليج العربي بالبعد الإفريقي الذي يتفاعل مع أمن الخليج تأثرًا وتأثيرًا من ناحية ثانية، والثاني: القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء مصر والأردن والعراق في الخامس والعشرين من أغسطس 2020, والتي تعد اللقاء الثالث لرؤساء الدول الثلاث، صحيح أنه من المبكر القول أنها نواة لتجمع إقليمي ولكنها اكتسبت أهمية بالغة سواء من حيث المضمون أو التوقيت، فمن حيث المضمون اقترح العراق تأسيس «المشرق الجديد»، ليستهدف تفعيل التبادل التجاري بين الدول الثلاث على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي، والدول الثلاث تعد ركائز مهمة لبناء الأمن الإقليمي لأنه بقدر ما تكون قوة الوحدات المكونة للأمن الإقليمي بقدر ما تكون قوة ذلك الأمن، فضلاً عن أن الدول الثلاث لديها رؤى مشتركة بشأن تهديدات الأمن الإقليمي بالإضافة إلى ما يربط بينها من مصالح مشتركة على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية، ومن حيث المضمون جاءت تلك القمة في ذروة التدخلات الخارجية في الأزمات الإقليمية بما يعنيه ذلك من أن القمة قد أعادت الاعتبار لمفهوم الأمن الإقليمي الذي يعد متطلبًا أساسيًا لتحقيق التوازن الإقليمي المطلوب.

ومع التسليم بما سبق فإن التحديات لا تقتصر على المفهوم ذاته بل على الواقع العملي وتتمثل في ثلاثة أمور أولها: عدم تطور تنظيمات الأمن الإقليمي بما يكفي كما كان مخططًا لها بما يعنيه ذلك من عدم قدرتها على حسم الأزمات الإقليمية التي ستكون عرضة للتدويل، وثانيها: في ظل احتدام بعض الأزمات الإقليمية تقوم بعض الأطراف بالاستقواء بقوى ليست جغرافيًا ضمن الأقاليم وهو ما تعبر عنه الأزمة الليبية بوضوح، وثالثها: في ظل التعقيد والتشابك الذي تتسم به الأزمات الإقليمية الراهنة فإن ذلك يعد مدخلاً نحو الاستقطاب ومن ثم التأثير على عمل تنظيمات الأمن الإقليمي.

ومجمل ما سبق أن الأمن الإقليمي يخوض معركة ليست سهلة وتجد تفسيرها في أحد الكتب المتميزة للدكتور محمد السعيد إدريس بعنوان «دراسة في أصول العلاقات الدولية الإقليمية» والذي حدد فيه أطراف الصراع داخل الأقاليم عمومًا بين ثلاث قوى وهي القوة التدخلية والتي تسعى لتعزيز نفوذها في الإقليم والقوة المناوئة والتي ترى في ذلك التدخل تحديًا لأمنها القومي، أما القوة الثالثة فهي الموازنة والتي تعمل على الحيلولة دون بلوغ الصراع حد حافة الهاوية.

المصدر: صحيفة أخبار الخليج

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر