سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تزايد اهتمام العديد من القوى الدولية والإقليمية بما يحدث داخل مالي على خلفية الانقلاب الذي أدى إلى الإطاحة بحكم الرئيس إبراهيم ببكر كيتا، على نحو بدا جلياً في تأكيد كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في 21 أغسطس الجاري، على تمسكها بمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا، بالتوازي مع الجهود التي تبذلها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” من أجل تسوية الأزمة في مالي. ومن دون شك، فإن ذلك يرتبط، في قسم منه، باستمرار المخاوف من إمكانية إقدام التنظيمات الإرهابية على استغلال التطورات السياسية الحالية من أجل رفع مستوى عملياتها خلال المرحلة القادمة.
تداعيات مختلفة
كان لافتاً أن التطورات التي طرأت على الساحة الداخلية في مالي خلال الفترة الأخيرة توازت مع الجهود التي تبذلها فرنسا والعديد من القوى الدولية والإقليمية الأخرى من أجل تقليص نشاط التنظيمات الإرهابية، حيث أعلنت باريس، في مارس الماضي، عن إنشاء قوة مهام جديدة تتألف من قوات خاصة تقوم بالتنسيق مع جيشى مالي والنيجر من أجل محاربة تلك التنظيمات. كما تمكنت من القضاء على العديد من القادة البارزين لتلك التنظيمات، وفي مقدمتهم عبد المالك دروكدال أو أبو مصعب عبد الودود زعيم تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن تلك التطورات قد تفرض تداعيات مباشرة على جهود مكافحة الإرهاب، يتمثل أبرزها في:
1- تقويض الجهود الفرنسية: تمارس فرنسا دوراً بارزاً في جهود مكافحة الإرهاب في مالي وبعض دول المنطقة، حيث تعتمد في هذا السياق على التنسيق السياسي والأمني مع حكوماتها، وهو ما يعني أن الإطاحة بنظام الرئيس ببكر كيتا يمكن أن يتسبب في ارتباك تلك الجهود خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل حرص فرنسا والعديد من القوى الدولية والإقليمية على ترقب ما يمكن أن تقدم عليه المجموعة التي قادت الانقلاب من إجراءات على المستوى السياسي خلال المرحلة القادمة.
واللافت في هذا السياق، هو أن الجهود التي تبذلها فرنسا تواجه عقبات لا تبدو هينة. فرغم النتائج البارزة التي حققتها العمليات العسكرية التي قادتها أو شاركت فيها، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن القوات والرعايا الفرنسيين كانوا هدفاً رئيسياً لبعض العمليات التي تقوم بتنفيذها التنظيمات الإرهابية رداً على الضربات القوية التي تتعرض لها.
ففي هذا السياق، أسفر هجوم إرهابي وقع في النيجر في 9 أغسطس الجاري، عن مقتل 6 فرنسيين يعملون في منظمة “اكتد” الفرنسية للإغاثة، على نحو دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى تأكيد أن باريس بصدد تعزيز قواتها وتشديد إجراءات حماية الفرنسيين في منطقة الساحل الأفريقي. كما وجهت وزارة الخارجية الفرنسية تحذيراً للفرنسيين بعدم السفر إلى النيجر باستثناء العاصمة بعد وقوع هذا الهجوم.
2- استغلال عدم الاستقرار: من المعروف أن التنظيمات والمجموعات الإرهابية، بأشكالها المختلفة، تسعى باستمرار إلى العمل على تأجيج حالة عدم الاستقرار على المستويات المختلفة في المناطق التي تتواجد بها، على أساس أن عدم الاستقرار يساعدها في تعزيز نشاطها ودعم تمددها في تلك المناطق. ومن هنا، فإن التنظيمات الإرهابية قد تسعى إلى انشغال السلطات المالية بإدارة المرحلة الانتقالية بكل ما تتضمنه من ترتيبات سياسية وأمنية واقتصادية خلال الفترة القادمة من أجل تنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية. وربما تعمل تلك التنظيمات على عرقلة الإجراءات الخاصة بتلك المرحلة من أجل إطالة أمدها وبالتالي منحها الفرصة لتوسيع نطاق نشاطها.
3- تفاقم أزمة الحدود “الهشة”: تتسم الحدود بين دول الساحل الأفريقي بالهشاشة نتيجة تراجع القدرة على مراقبتها بشكل يمكن أن يقلص من نشاط التنظيمات الإرهابية. ومن هنا، ترى اتجاهات عديدة أن التطورات السياسية التي طرأت على الساحة الداخلية في مالي يمكن أن تنتج تأثيرات أمنية خطيرة على دول الجوار، من خلال انتقال الاضطرابات السياسية والأمنية عبر الحدود، على نحو يمكن أن يدفع التنظيمات الإرهابية إلى محاولة استغلال ذلك لاستهداف مصالحها وقواتها الأمنية والعسكرية.
ومن هنا، ربما يمكن تفسير أسباب اهتمام دول الجوار بدعم جهود القوى الدولية والإقليمية الرامية إلى تسوية الأزمة في مالي بأسرع وقت ممكن.
4- تزايد حدة التنافس “الجهادي”: ربما تؤدي تلك التطورات إلى تصاعد حدة التنافس بين التنظيمات الإرهابية المختلفة، خاصة في حالة اتجاهها إلى تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، حيث قد تسعى إلى إبراز قدراتها على رفع مستوى الخسائر البشرية والعسكرية الناجمة عن تلك العمليات. وقد كان لافتاً أن الانقلاب في مالي يأتي في وقت يتسع فيه نطاق التنافس بين تنظيمى “القاعدة” و”داعش” على النفوذ في منطقة الساحل والصحراء، لاسيما بعد أن بدأ الأخير الذي يقوده الإرهابي أبو الوليد الصحراوي والذي يطلق على جماعته مسمى “ولاية غرب أفريقيا”، في محاولة تقليص نفوذ الأول، بشكل أدى إلى اندلاع مواجهات عديدة بينهما خلال المرحلة الماضية، على نحو بدا جلياً في إعلان “داعش”، عبر مجلة “النبأ” الأسبوعية، في 7 أغسطس الحالي، عن مقتل 10 من عناصر “القاعدة” في إحدى المناطق الحدودية بين النيجر ومالي.
من هنا، ربما يمكن تفسير أسباب اهتمام القوى الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، بما يجري على الساحة الداخلية المالية، على نحو قد يدفعها إلى التدخل من أجل الإسراع في إنهاء المرحلة الانتقالية ودعم حالة الأمن والاستقرار داخل مالي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر