محاكمة التاريخ.. لماذا تهدد قضية “العمالة في زمن الحرب” مستقبل العلاقات السلمية بين اليابان وكوريا الجنوبية؟ | مركز سمت للدراسات

محاكمة التاريخ.. لماذا تهدد قضية “العمالة في زمن الحرب” مستقبل العلاقات السلمية بين اليابان وكوريا الجنوبية؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 24 أغسطس 2020

ساتوشي توياما

 

وجدت اليابان نفسَها متورطة مرة أخرى في مناوشات متكررة مع كوريا الجنوبية؛ بسبب العمالة في زمن الحرب، وهو خلاف يبدو مستعصياً على الحل ولا تلوح له نهاية في الأفق. ومؤخراً، استكملت محكمة محلية كورية جنوبية عملية خدمة الجانب الياباني بوثائق تأمر بمصادرة أصول شركة “نيبون” للصلب؛ بما في ذلك نحو 81 ألف سهم كانت قد حصلت عليها من خلال مشروعها المشترك مع شركة “بوسكو” الكورية.

ويدفع هذا الإجراءُ عمليةَ تصفية الأصول أقرب ما يكون إلى الواقع في أعقاب قرار صادر عام 2018 عن المحكمة العليا في كوريا الجنوبية، والذي يقضي بأن تقدم الشركة اليابانية نحو 40 مليون جنيه كتعويض لأربعة كوريين قالوا إنهم أُجبروا على العمل رغماً عن إرادتهم لصالح شركة صناعة الصلب السابقة أثناء حكم اليابان الاستعماري في شبه الجزيرة الكورية.

ورغم أن الجارتين تتنازعان عبر التاريخ لسنوات؛ فإن تعويض العمالة في زمن الحرب من خلال تصفية الأصول اليابانية، على الأقل بالنسبة إلى طوكيو، هو ليس أكثر من مجرد مثال على قيام سيول بإعادةِ صياغة الماضي.

ومن وجهة نظر الحكومة اليابانية، فإن كوريا الجنوبية تحاول تخريب معاهدة اقتصادية أُبرمت عام 1965، والتي لم تعمل فحسب على تسوية قضية العمالة في زمن الحرب؛ بل إنها تشكل أيضاً حجر الزاوية للعلاقة التي دامت 55 عاماً بين البلدين بعد الحرب. والواقع أن الرئيس الكوري الجنوبي؛ مون جاي إن، مدفوعاً بحس العدالة والرغبة في الحصول على تأييد عامة الناس، قد وضع إرادة ضحايا العمالة في زمن الحرب وأسرهم فوق اتفاق ثنائي تاريخي يقضي بتطبيع العلاقات.

ومع تزايد انعدام الثقة المتبادل بين البلدين وزعمائهما؛ بسبب القيود التي تفرضها الجماهير والتي أصبحت متشككة على نحو متزايد في كلا البلدين، فليس هناك أي احتمال للخروج من هذا المأزق في وقت قريب. وقد يؤدي نزاع من هذا النوع إلى زيادة تآكل الثقة المتبادلة، كما يهدد التعاون الاقتصادي والأمن القومي في المستقبل.

يقول أسابا يوكي، أستاذ الدراسات الكورية بجامعة دوشيشا في كيوتو: “إن قضية العمالة في زمن الحرب لم تكن قابلة للحل في مناقشة ثنائية أو من خلال السياسة أو الدبلوماسية؛ حيث يتم تحدي الإطار القانوني للعلاقات اليابانية الكورية الجنوبية، وتجري محاكمة هذه العلاقة، والآن يتم تقديم التاريخ للمحاكمة. وبعبارة أخرى، فإن القضايا التاريخية هي نقاط خلاف في محكمة (فعلية)”.

وحتى بعد 75 عاماً على استسلام اليابان، وإنهاء الحرب العالمية الثانية، ظل حكم طوكيو الاستعماري لشبه الجزيرة الكورية في الفترة (1910-1945) وأعماله خلال تلك الفترة، موضوعاً مؤلماً ومصدراً رئيساً للمشاعر المعادية لليابان بين العديد من الكوريين حتى يومنا هذا. فقد كانت اليابان تجابه بشكل منهجي أعداداً كبيرة من العمال الذكور من شبه الجزيرة الكورية بين عامي 1939 و1945؛ لتخفيف النقص في العمالة خلال الحرب الصينية- اليابانية والحرب العالمية الثانية.

وبعد انتهاء النزاعات وتحرير كوريا، طالبت سيول بتعويضات لعمالها، مدعيةً أنهم أجبروا على العمل في اليابان في ظل ظروف قاسية. وعلى مدى 14 عاماً من المفاوضات، اتفقت اليابان وكوريا الجنوبية على تسوية جميع قضايا التعويض في فترة ما بعد الاستعمار عن طريق إنشاء صندوق “للتعاون الاقتصادي” الذي استُخدم للالتفاف حول الاقتصاد الكوري الضعيف، ودفع تعويضات وقت الحرب للعمال الأفراد.

ولكن بعد ما يقرب من ستة عقود، قررت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية في عام 2018 أنه يحق لأربعة من العمال في زمن الحرب الحصول على تعويضات، وخلصت إلى أن الاتفاق لم ينكر الحق الفردي للعمال في طلب “أموال ترضية” عن معاناتهم في ظل الحكم الاستعماري الياباني.

وحتى صدور هذا الحكم، كان كل قادة كوريا الجنوبية قد اتفقوا على أن قضية العمالة في زمن الحرب قد سويت بشكل قانوني كما هو منصوص عليه صراحة في الاتفاقية. ومع ذلك، رفض مون، الذي يتزعم الحزبَ الديمقراطي ذا الميول اليسارية، وهو محام سابق في مجال حقوق الإنسان، التدخلَ بعد صدور الحكم.

وبدلاً من ذلك، أصر على اتباع نهج يركز على الضحية في التعامل مع المطالبات الفردية في الدعاوى القضائية؛ حيث ترى إدارته أن قرارات المحكمة يجب أن تعكس رغبات الضحايا وأسرهم، وهو ما قالت حكومته إنه مبدأ قانوني معترف به دولياً.

وقد اختار مون، بسبب حساسيته المفرطة تجاه المشاعر العامة، الوقوف إلى جانب العمال السابقين؛ لاكتساب تأييد الجماهير وترسيخ قاعدته السياسية، وهو يعد تحولاً كبيراً بعيداً عن المحافظين، الذين سيطروا على السلطة لفترة طويلة بعد الحرب؛ حيث يتمتع الليبراليون الآن بقدر أكبر من السيطرة على قطاع أوسع من المجتمع الكوري.

وكان عمدة سيول السابق؛ بارك وون سون، وهو مدافع قديم عن حقوق المرأة، وكان يُعتقد على نطاق واسع أنه خليفة محتمل لمون، قد انتحر الشهر الماضي بعد اتهامه بالتحرش الجنسي من قِبل سكرتيرته. ومؤخراً، عرض ستة من مساعدي مون؛ بمَن فيهم مدير مكتبه، الاستقالة بعد الكشف عن أن مسؤولين كباراً يمتلكون أكثر من منزل واحد في حين كانت الإدارة تحاول وقف ارتفاع أسعار المنازل.

وقد دفع حكم المحكمة العليا في كوريا الجنوبية في عام 2018 والجمود اللاحق الذي أعقبه، العلاقات بين البلدين إلى مزيدٍ من الانهيار؛ بما في ذلك في التجارة والأمن. وفي يوليو من العام الماضي، شددت وزارة التجارة اليابانية على القواعد الخاصة بالصادرات الكيماوية إلى كوريا الجنوبية، وأنهت بعد ذلك إعفاءها من مجموعة كبيرة من اللوائح التجارية.

وعلى الرغم من أن المسؤولين اليابانيين أنكروا بشدة وجود دافع سياسي؛ فإن حكومة كوريا الجنوبية اعتبرت هذه الخطوة بمثابة انتقام من الحكم الصادر عام 2018. وبعد مرور ما يزيد على الشهر، ردَّت كوريا الجنوبية، هذه المرة على جبهة الأمن القومي، معلنةً من جانب واحد أنها لن تجدد اتفاقية الأمن العام للمعلومات العسكرية؛ وهي اتفاقية ثنائية تنظم تبادل المعلومات الحساسة بشكل أساسي حول التهديدات الصاروخية من كوريا الشمالية.

وقد تراجعت سيول عن القرار بعد ضغوط مكثفة من الولايات المتحدة؛ لكنها قالت إن الباب لا يزال مفتوحاً لإلغاء الاتفاقية في أي وقت. ويقول أسابا: “من المستحيل التوصل إلى تسوية ما لم يتخذ الزعيمان موقفاً مختلفاً عما اتخذاه وأظهراه لمواطنيهما؛ وهو ما سيكون بمثابة ضربة هائلة لهما. إنهم في موقف يعلمون فيه أنهم سيصطدمون وجهاً لوجه إذا لم يتم القيام شيء؛ لكن لا أحد يستطيع توجيه عجلة القيادة وتجنب الضرر الذي يلوح في الأفق”.

المصدر: qposts

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر