جائحة المعلومات | مركز سمت للدراسات

جائحة المعلومات

التاريخ والوقت : الأحد, 23 أغسطس 2020

أمجد المنيف

 

نعلم جيدًا أن أهم ما جاءت به جائحة كورونا هو الفيروس، لكن مشكلة الفيروس لم تكن كل القضية، بل ما صاحبها من تحديات في نفس الوقت. وفي ذهن كل شخص عاش المحنة العالمية (التي لم تنتهِ بعد) العديد من الأفكار والانتقادات والأسئلة، تجاه الحكومات والاقتصادات والناس والأنظمة المعرفية والصحية وغيرها.

ما يعنيني هنا، بل ما يهمني دائمًا، هو تأثير القضايا على الحقول الاتصالية والعكس، بكل ما تشمل من تفرعات وأقسام ومسارات؛ لأني أُومِن أن الاتصال هو جزء أصيل من كل شيء في الحياة، على مستوى الأشخاص أو المنظمات أو حتى الدول.

قيمة الاتصال والتواصل – بالدرجة الأولى – تتمثل في المعلومة، وأهميتها ومصادرها، بالإضافة لاتساقها مع التوقيت والسياق، وهو الأمر الذي أوجد تخبطًا مع بداية الجائحة، لاعتبارات كثيرة أهمها أننا نعيش حالة غير مسبوقة،ما أدى إلى فوضى كبيرة في المعلومات، وخاصة في البدايات.

معظم الحكومات تفاعلت سريعًا، فيما يتعلق بتوضيح مواقفها والتعاطي مع “كورونا”، إلا أن تعدد الجهات وسرعة التحديثات أوجدت لبسًا لدى كثيرين، بالإضافة إلى التطور الكبير للعديد من المعلومات التي تصل إلى الضد في بعض الأحايين.

أيضًا، الفراغ الذي أحدثه غياب المعلومات، دفع الجمهور للبحث وقبول أي معلومة عن الفيروس على نحوٍ متلهفٍ، وهذا يذكرنا – بشكل أو بآخر – بالنظرية الإعلامية الشهيرة “إشباع الغرائز”، حيث يكون الجمهور متلهفًا ومستعدًا للتلقي، لا سيَّما في ظل موضوع يجهل مسبباته وعوامله ومآلاته مثل “كورونا”. لذا، رأينا ظاهرة عالمية لا تخطئها العين، وهي كمية المتطفلين على المشهد سواء من داخل القطاع الصحي، أو من خارجه، وهؤلاء فرضوا أنفسهم كمراجع في المجال استغلالاً لهذا التعطش من الجمهور.

الأسباب المذكورة آنفًا، وغيرها كثير، جعلت “منظمة الصحة العالمية” تصيغ مصطلح “Infodemic”، الذي اُستخدِم تقريبًا بشكل رسمي في أوائل فبراير من هذا العام، و”الذي يصف فائض المعلومات – الدقيقة وغير الدقيقة – مما يصعب على الأشخاص العثور على مصادر موثوقة وآمنة، أو الوصول لإرشادات يحتاجون إليها”.

وللوقوف على المصطلح، فإن الـinfodemicتعني الكمية الهائلة من المعلومات المرتبطة بمشكلة محددة وتعقد من طريقة الحل، أو يمكن وصفها أيضًا بالانتشار الكبير والسريع للمعلومات المضللة، بحسب أكثر من مصدر.

أظن أن الوصف الأقرب لمفردة (Infodemic) عربيًا هو “الاجتياح المعلوماتي” وربَّما يمكننا وصفه بـ”الإغراق المعلوماتي” كذلك، ولكن يبقى السؤال الأكبر: ما هو الاجتياح المعلوماتي؟ بصورة أكثر وضوحًا.

للإجابة عن السؤال، وجدت ورقة منسوبة لـ”قسم الأدلة والاستخبارات الصحية”، تقول:

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، قد يترافق تفشي فيروس كورونا والاستجابة له مع انتشار ما يعرف بالاجتياح المعلوماتي الهائل: الذي يتضمن وفرة في المعلومات، التي يكون بعضها دقيقًا، في حين لا يكون البعض الآخر دقيقًا؛ مما يجعل من الصعب على الناس العثور على مصادر أو الإرشادات الموثوقة عند الحاجة إليها. ويشير الاجتياح المعلوماتي إلى زيادة كبيرة في حجم المعلومات المرتبطة بموضوع معين، والتي يمكن أن تتزايد بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة بسبب حادثة معينة، مثل الأزمة الوبائية الحالية. وفي هذه الحالة، تنتشر المعلومات المضللة والشائعات على الملأ، بجانب التلاعب بالمعلومات بنوايا مشكوك فيها. وفي عصر المعلومات، يتسع نطاق هذه الظاهرة وتتضخم من خلال الشبكات الاجتماعية، حيث تنتشر بشكل أسرع مثل الفيروس.

البعض قد يعتبر أن التركيز على مثل هذه الزوايا – اتصاليًا أو لغويًا – من باب الترف، إلا أن مثل هذه المنعطفات، المؤقتة والدائمة، تؤسس وتؤصل للأرضية التي ننطلق منها، ونبني عليها مستقبلاً.

ذات الورقة، شبه اليتيمة عن “الاجتياح المعلوماتي”، تطرح سؤالاً يساعد في فهم أهمية هذه الفكرة، مفاده: لماذا يمكن للاجتياح المعلوماتي أن يجعل الوباء في حالة أسوأ؟

  • لأنه يجعل من الصعب على الأشخاص وصناع القرار والعاملين في المجال الصحي العثور على مصادر وإرشادات موثوقة عند الحاجة إليها.
  • قد تتمثل وتنعكس هذه المصادر في التطبيقات، والمؤسسات العلمية، والمواقع الإلكترونية، والمدونات، وحسابات الشخصيات المؤثرة، وغير ذلك.
  • وقد يشعر الأشخاص بالقلق والاكتئاب والارتباك والاستنزاف العاطفي، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات المهمة.
  • كما يمكن أن يؤثر ذلك على عمليات صنع القرار، عندما يُتوقع الحصول على إجابات فورية، ولا يتم تخصيص وقتٍ كافٍ لتحليل الأدلة بعمق.
  • لا توجد رقابة على الجودة على ما يتم نشره، وأحيانًا ما يتم استخدامه لاتخاذ الإجراءات والقرارات.
  • أخيرًا، يمكن لأي شخص كتابة أو نشر أي شيء على الإنترنت “مثل الملفات الصوتية والمقالات وما إلى ذلك”، وبخاصة على قنوات التواصل الاجتماعي، مثل حسابات الأفراد والمؤسسات.

في النهاية، كيف نختم الحديث عن “الغرق المعلوماتي”، كوصفٍ ثانٍ لمفردة “كورونا الحديثة”؟

هناك بعض الإجراءات لمنع انتشار المعلومات الخاطئة، تذكَّرها جيدًا:

  • كن حذرًا عندما تتعرض لوسائل التواصل الاجتماعي.
  • لا تنشر ولا تترك المعلومات المضللة في حساباتك على الإنترنت.
  • يمكنك أن تطلب من الشخص الذي شارك هذه المعلومات أن يزيلها.
  • قم بالإبلاغ عن المعلومات الخاطئة لمسؤولي المنصة أو الشبكة.
  • إذا راودك الشك، فخذ الوقت الكافي للتحقق من تلك المعلومات.

الأكيد، الأكيد دائمًا، أن الوعي الذاتي أهم من كل شيء، خاصة عند الوقوف في وجه طوفان المعلومات المضللة؛ لأن القوانين تحاصر الانتشار حتى مستوى معين، ثم ما يتبقى يكون عائدًا لك، وحدك، لتنتقي وتختار، وترفض. والسلام..

مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي

@Amjad_Almunif

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر