سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أصبحت تايوان خلال الفترة الأخيرة محوراً لخلاف شديد بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين الصين وتايوان بشدة، حيث تسعى تايوان إلى تأكيد استقلالها عن بكين، مستعينة بالدعم الأميركي، في الوقت الذي تعمل فيه الصين على ترسيخ سيادتها على الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.
تتمتع جزيرة تايوان (التي تعرف رسمياً بجمهورية الصين الوطنية) بحكم ذاتي مستقل عن جمهورية الصين الشعبية منذ عام 1949. وبشكل أكثر تفصيلاً، فإن تايوان كانت تابعة للصين الشعبية حتى عام 1859، ثم خضعت لسيطرة اليابان وفقاً لمعاهدة «سيمونسكي»، ولكنها عادت للسيطرة الصينية بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945. وبعد خسارة القوميين الصينيين الحرب الأهلية أمام الشيوعيين، هربوا إلى الجزيرة، وأسّسوا حكومة موازية.
وقد ظل قادة تايوان، منذ ذلك الوقت ولمدة نصف قرن تقريباً، يعدون أنفسهم ممثلين حقيقيين للصين بأكملها بالرغم من اعتراف غالبية الدول ببكين، وكانت تايوان أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن إلى أن تم إعطاء مقعدها لجمهورية الصين الشعبية عام 1971 وفقاً لقرار الأمم المتحدة، وكان ذلك عقب حدوث انفراج في علاقات الصين بالولايات المتحدة. ومع انتقال تايوان إلى الديمقراطية منذ التسعينيات من القرن الماضي، ظهرت هوية تايوانية جديدة تؤكد هوية مستقلة تماماً عن الصين، وتسعى إلى الابتعاد أكثر وأكثر
عن بكين.
وخلال الفترة الأخيرة أصبحت تايوان محوراً من محاور الخلاف الحالي بين الولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى، في ظل اتجاه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى تدعيم علاقاتها مع تايوان، وهو أمر قوبل برفض صيني، حيث تعتبر بكين أن تايوان، التي تتمتع بالحكم الذاتي، جزءٌ لا يتجزأ من الدولة الصينية، وتعتبرها إقليماً متمرداً على سلطة جمهورية الصين الشعبية. وما يجب توضيحه في هذا السياق أن تايوان كانت بالفعل منذ وقت طويل إحدى بؤر التوتر في العلاقات بين واشنطن وبكين، وقد تم استخدامها من قبل واشنطن في كثير من الأحيان ورقة لاحتواء الصين، ولتعزيز النفوذ الأميركي في منطقة شرق آسيا وجنوب شرقها، ولكنها أصبحت محوراً رئيسياً للخلاف الأميركي الصيني في ظِل إدارة ترمب، مع تفاقم الخلاف بين الطرفين حول كثير من القضايا الرئيسية، ومنها التبادل التجاري، وهي القضايا التي أثارت معها بالضرورة ملفات خلاف أخرى، ومنها ملف تايوان.
ويتمثل أحدث المؤشرات على هذا الاتجاه الداعم لتايوان من قبل إدارة الرئيس الأميركي ترمب في قيام وزير الصحة الأميركي، أليكس عازار، بزيارة تايوان قبل نحو أسبوع، وهذه الزيارة لها علاقة بطبيعة الحال بجائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، ليكون بذلك أرفع مسؤول أميركي يزور تايوان منذ عام 1979، حين قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية بتايبيه، عاصمة الجزيرة، للاعتراف بالحكومة الشيوعية المتمركزة في بكين ممثلاً وحيداً للصين. وقد التقى عازار الرئيسة تساي إينغ وين، التي تعتبرها الصين عدوها اللدود، وتتهمها بالسعي إلى إعلان استقلال الجزيرة، التي تضمّ نحو 23 مليون نسمة.
وقد سبقت هذه الزيارة خطوةٌ أثارت غضب الصين بشكل أكبر، حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، موافقته على بيع مقاتلات من طراز (إف-16) إلى تايوان، وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الصفقة تقدر قيمتها بـ 8 مليارات دولار، وأفادت تقارير إعلامية أميركية بأن الصفقة تضم 66 مقاتلة. كما أقرّ الكونغرس بين عامي 2018 و2020، قوانين عدة داعمة للتحالف بين الولايات المتحدة وتايوان، ومنها قانون يشجّع على تبادل الزيارات بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم في تايوان، وقانون آخر يؤكد التزام واشنطن حيال الجزيرة، من خلال تطبيق «قانون العلاقات مع تايوان». وهذا الموقف الأميركي الداعم لتايوان أغضب بكين بشدة، وثمّة العديد من التصريحات لمسؤولين صينيين كبار التي تعكس هذا الغضب، وبعضها تضمن تهديداً للولايات المتحدة.
وقد تدهورت العلاقات بين الصين وتايوان بشكل أكبر منذ تسلم تساي إينغ ون، رئاسة تايوان عام 2016، حيث إنها تنتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يميل إلى الاستقلال، وقد تمكنت من تحقيق فوز كبير في الانتخابات التي عقدت في يناير الماضي بعد أن تعهدت بالوقوف في وجه الصين التي تَعتبر تايوان جزءاً منها، كما تقدمت الإشارة إليه، وتقول إنها ستفرض سيطرتها عليها بالقوة إذا لزم الأمر. ومنذ وصولها إلى السلطة في عام 2016، رفضت بكين التحاور مع تساي إينغ ون، وشددت الضغوط الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية على الجزيرة. وخلال خطاب أعقب أداءها اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية وأخيرة في مايو الماضي، أكدت رئيسة تايوان أن بلادها لا تقبل بأن تكون جزءاً من الصين، بموجب عرض «دولة واحدة بنظامين» للحكم الذاتي، وهو أمر استفز بكين بشدة، ورأت فيه نوعاً من الاستقواء بالولايات المتحدة.
وعلى خلفية التوتر المتصاعد بين الصين وتايوان، منذ تسلم تساي إينغ ون رئاسة الجزيرة للمرة الأولى قبل أربع سنوات، حذر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تايوان من أن بلاده لن تتخلى عن خيار استخدام القوة العسكرية لإعادة بسط سيادتها على تايوان التي يحكمها نظام مناهض لبكين منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949. وأكد الرئيس الصيني في خطاب له أن «الطرفين- في إشارة إلى الصين وتايوان- يمثلان جزءاً من العائلة الصينية، وأن مطالب استقلال تايوان كانت تياراً معاكساً للتاريخ لا مستقبل أمامه». وانتقل هذا التوتر إلى مرحلة أكثر خطورة، حين هدد وزير الدفاع الصيني بشكل صريح في 25 ديسمبر 2018 أن «الجيش سيتحرك مهما كان الثمن لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان»؛ وكان ذلك بعد أن أرسلت الولايات المتحدة، في أكتوبر من العام نفسه، سفينتين حربيتين عبر مضيق تايوان في ثاني عملية من نوعها خلال عام 2018. وقد جاء هذا التحرك الأميركي متزامناً مع تكثيف بكين ضغوطها العسكرية والدبلوماسية على تايوان، وتنفيذها تدريبات جوية وبحرية حول الجزيرة.
وفي الواقع، فإن التوتر بين تايوان والصين تصاعد بعد أن فرضت الولايات المتحدة، الداعمة لتايوان، عقوبات على الجيش الصيني إلى جانب الحرب التجارية بين البلدين وتعزيز تايوان والصين المتزايد لوضعيهما العسكريين في بحر الصين الجنوبي. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بينما تعترف واشنطن دبلوماسياً ببكين إلا أنها حليف رئيسي لتايوان، بل إنها ملزمة من قبل الكونغرس ببيعها أسلحة لتضمن قدرتها على الدفاع عن نفسها، وفي إطار هذا الالتزام كانت صفقة الأسلحة الأخيرة التي باعتها واشنطن لتايوان، التي جاءت في أوج التوتر بين الولايات المتحدة والصين.
ومن بين العوامل الأخرى التي فاقمت التوتر بين الصين وتايوان خشية الأخيرة وتوجسها مما قامت به بكين تجاه هونغ كونغ، حيث سعت الصين في السنوات الأخيرة إلى بسط سيادتها على هونغ كونغ وتقليص استقلاليتها الذاتية، ثم جاء قانون الأمن القومي المثير للجدل، الذي أُقرّ بالإجماع من قبل اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (البرلمان) في بكين، ومن أبرز النصوص التي تضمّنها القانون تأسيس مكتب جديد في هونغ كونغ يتولى التعامل مع الحالات الأمنية، كما سيكون قادراً أيضاً على مراقبة شؤون التعليم وعلاقتها بالأمن القومي. وبموجب القانون، كما نشر عنه، سيكون الرئيس التنفيذي في هونغ كونغ مخولاً بأن يعين قضاة يتولون مهمة النظر في القضايا الأمنية، وهذه الصلاحية تثير مخاوف بشأن استقلالية القضاء عن الحكومة، وبحسب مراقبين، فإن القانون قد يخضع للتأويل الذي تريده بكين، وفي حال ظهر أي تعارض بين قانون الصين وقانون هونغ كونغ، فإن الكلمة الفصل ستكون لقانون بكين.
وقد اتهم وزير خارجية تايوان جوزيف وو، في تصريحات له مؤخراً، الصين بالسعي إلى تحويل إقليم تايوان الديمقراطي إلى «هونغ كونغ ثانية». وتقول تقارير إن القمع ضد المعارضة في هونغ كونغ قد زاد منذ دخول قانون الأمن القومي الذي فرضته بكين حيز التنفيذ أواخر يونيو الماضي، حيث تم اعتقال العديد من الناشطين المؤيدين للديمقراطية فيما أُقصي مرشحون معارضون من الانتخابات التشريعية. وأكد وزير الخارجية التايواني خلال لقاء في تايبيه مع وزير الصحة الأميركي أليكس عازار، أن تايوان تعيش تحت التهديد الدائم لحرياتها من الصين. وقال جوزيف وو: «حياتنا اليومية تزداد صعوبة فيما تواصل الصين الضغط على تايوان لقبول شروطها السياسية، شروط ستجعل من تايوان هونغ كونغ ثانية»، وهذه التصريحات أغضبت بكين ومرة أخرى اعتبرتها استقواء من قبل قادة تايوان بالموقف الأميركي.
وهكذا، صارت تايوان إشكالية في ملف الخلافات القائمة بين الولايات المتحدة والصين، ويبدو أنها ستظل كذلك مع استمرار هذه الخلافات، من دون أن يعني ذلك أن واشنطن قد تتخلى بسهولة عن تايوان إذا ما خفّت حدة هذه الخلافات، حيث إن تايوان حليف أساسي للولايات المتحدة وتعتبرها مرتكزاً أساسياً لنفوذها في منطقة شرق آسيا.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر