سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بول إيفانز
يبدو أسلوب المشاركة الذي كان يمثل حجر الأساس بالنسبة للسياسة الكندية تجاه الصين لمدة 50 عامًا متأرجحًا.
فعلى المستوى الخارجي، تتعرض كندا لموجة من الاستبداد المتزايد والحزم من جانب بكين، فضلاً عن الحرب الباردة التي تخوضها مع الولايات المتحدة، التي يبدو أنها لا تزال في بدايتها، في حين يبدو نظامها السياسي القائم على التعددية في طور التآكل، وذلك على خلفية الفشل في مواجهة أزمة جائحة “كوفيد – 19”.
أمَّا داخليًا، فثمة أزمة ترتبط باحتجاز ناشطين كنديين هما “مايكل كوفرين” و”مايكل سبافور” اللذين مضى على احتجازهما حاليًا 18 شهرًا، وفي المقابل القبض على المسؤول بشركة هواوي الصينية “مينغ وينزو” في فانكوفر تمهيدًا لتسليمه للولايات المتحدة بناء على طلب الأخيرة.
لقدكانت المشاركة التي قامت عليها العلاقات السياسية بين الصين وكندا، قائمة دومًا على أمل وتوقع البعض أنه مع انفتاح الصين، فإنها ستلتقي سياسيًا واقتصاديًا مع المعايير الغربية.
لقد تأسست تلك السياسة على حسابات الجغرافيا السياسية، إذ يمكن لكندا أن تبني علاقة متعددة الأبعاد مع الصين دون أن تتقاطع مع المصالح والسياسات الأميركية الأساسية. وقد استندت تلك العلاقات على الأقل إلى الدعم الضمني لمعظم الكنديين.
لكن في الوقت الراهن لا يبدو أن ثمة أملاً في أن تتحقق الطموحات الكندية من وراء تلك السياسة. فـ”أوتاوا” تدرس حاليًا تجديد أو استبدال استراتيجيتها تجاه الصين بالكامل. ذلك أنه من المتوقع إجراء مراجعة وإعادة هيكلة واسعة النطاق في وقت لاحق من هذا العام 2020، إلا أنه من غير الواضح كيف سيبدو هذا التجديد.
فقضية “مينغ” في ذاتها تمثل مأساة وكابوسًا بالنسبة لكندا، حيث تنجرف إلى جدل ليس لها يد فيه، لا سيَّما في ظل مواجهة أميركية للإرادة الكندية في هذه القضية التي تستهدف فيها واشنطن إحدى الشركات الصينية الكبرى.
لكن حكومة رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو” تتخذ موقفا ثابتًا وراسخًا تجاه قرارها بالتعامل مع القضية على أنها مسألة سيادة القانون، حتى على الرغم من الرأي المعاكس الذي تضمنته الرسالة القوية التي أعدها 19 من الوزراء السابقين وقضاة سابقين بالمحكمة العليا، ودبلوماسيين، وأكاديميين. إذ جادل الموقعون على تلك الرسالة بأن القضية كانت سياسية منذ البداية ومسألة ذات مصلحة وطنية يمكن فيها لوزير العدل أن يتدخل قانونيًا في أي وقت بدلاً من انتظار الإجراءات القانونية المطولة.
وقد أصبحت الخيارات المتبقية الوحيدة هي إقناع الولايات المتحدة بإسقاط التهم أو العمل مع شركة هواوي، حتى يتسنى لوزارة العدل الأميركية أن تحقق نوعًا من المساومة، لكن من الواضح أنه حتى ذلك يمثل آمالاً باهتة. فلا أحد يشك بجدية في أن مصير “مايكل كوفرين” و”مايكل سبافور” مرتبط بمصير “مينغ”. إذ تواصل “أوتاوا” الضغط على قضية هذين الشخصين في كل فرصة دون النظر لإمكانية التنازل عن “مينغ” وحماسة البلدين ذات التفكير والتوجه المتماثل على الضغط على الصين، إذ يستبعد أن ينجح ذلك.
لقد كان التأرجح في المشاعر العامة لدى الكنديين بشأن الصين على مدى الأشهر الـ18 الماضية مثيرًا بدرجة واضحة. إذ تشير الاستطلاعات والتعليقات المنتظمة على وسائل الإعلام الاجتماعية إلى سيل من السلبية، كما يسود القلق مما يحدث في كل من “شينجيانغ” و”التبت” اللذين يمثلان بؤرة انطلاق فيروس “كوفيد – 19″، وكذلك ما يحدث ببحر الصين الجنوبي وما يشهده من عمليات التدخل الصينية. كما تثير التطورات الأخيرة التي شهدتها هونغ كونغ قدرًا واضحًا من الاحتجاج.
ويلاحظ أخيرًا أن الأصوات التي تدعو لمعاقبة الصين تتزايد وتعلو. إذ يتنافس المرشحون في سباق قيادة حزب المحافظين الكندي على من يمكنه أن يندد بالصين وبصوت مرتفع، ما يعني أن “رهاب الصين” يتصاعد.
ويلاحظ أيضًا تأثير ملحوظ لشبكات معلوماتية جديدة تربط بين النشطاء ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسية والسياسيين. ففي عام 2018، تمَّ تهميش أي ذكر لـ”العيون الخمسة”، لكن حاليًا أصبح الأمر يمثل حالة رمزية مباشرة وملحوظة في النقاشات العامة الخاصة بأنماط التفكير بشأن التعامل مع الصين.
لقد كانت “أوتاوا” بشكل عام دقيقة ومقيدة في الرد على الإجراءات الصينية والمطالب العامة، مع التركيز على الدفاع عن القيم الكندية والإفراج عن “مايكل كوفرين” و”مايكل سبافور” أثناء محاولة العمل مع بكين في مجموعة من القضايا الثنائية والعالمية.
وبحلول أكتوبر 2020، سيكون الضغط من أجل اتخاذ قرارات استراتيجية أوسع وبشكلٍ لا يقاوم. إذ بات من شبه المؤكد أن “أوتاوا” ستختار حظرًا مشابهًا لما قامت به المملكة المتحدة تجاه هواوي. لكن شروط القرار والأسلوب الذي ستظهر به سيكون أمرًا مهمًا. إذ يبدو عدد قليل من الدوائر السياسية مقتنع بالحجج الأميركية حول مخاطر الأمن القومي. بل إن الأشد إقناعًا هو مدى خطورة ومصداقية التهديدات الأميركية إذا كانت كندا تسعى إلى إقامة علاقات إيجابية مع الصين.
ولا تُعَدُّ كندا وحدها في التقاطع مع الصراعات الأميركية الصينية المعقدة والمتشابكة، وخاصة في مجالات التكنولوجيا العالية. فـأستراليا هي الأخرى قد شهدت عدة سنوات من النقاش الجاد المحتدم حول سياسة الصين. لكن على عكس أستراليا، فمن غير المرجح أن تثير كندا مواجهات كاملة مع الصين، أو تعيد تشكيل سياستها الدفاعية وسياساتها الخارجية للتركيز على تقييد الصين، أو إجراء تغييرات تشريعية رئيسية لمعالجة التأثير الصيني وعمليات التدخل.
وستحتاج “أوتاوا” إلى المضي قدمًا في نهج يضع إطارًا للرئيس الصيني “شي جين بينغ” كمزيج من الخصم والمنافس والشريك. ويجب أن يحدد هذا النهج المجالات التي يمكن للكنديين من خلالها التفاعل بشكل بناء مع الصين، ومناطق الاختلافات التي تحتاج إلى مزيد من الحوار وإعادة تحديد المناطق التي ستؤدي إلى ردود فعل قوية. ويجب أن تحدد أيضًا نوع التعاون المطلوب مع الآخرين للعمل مع الصين وعند الضرورة للدفع ضدها.
لكن السؤال الاستراتيجي الأهم ينصب على الخيارات التي تواجهها “أوتاوا” مع اشتداد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين. ذلك أن فك الارتباط وإعادة التموضع وظهور ما يسميه “إيان بريمر” (عالم واحد ونظامين) يعني في أسوأ حالة من العزلة، وفي أحسن الأحوال، مضاعفة الاعتماد على شريك كندا القاري.
وفي هذا الإطار، فإن نقطة التوازن سوف تعدُّ نقطة جيدة بين اختيار المنافسة الاستراتيجية المباشرة، وشكل جديد من المشاركة الاستراتيجية الدقيقة. ذلك أن مصير منغ المتشابك مع “مايكل كوفرين” و”مايكل سبافور” قد تقلب الموازين.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: منتدى شرق آسيا East Asia Forum
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر