سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كاشيش باربياني
قبل انتخابات عام 1992، حصل الرئيس جورج دبليو بوش على نسبة تأييد 89% بعد نجاح عملية “عاصفة الصحراء”. ومن المتوقع أن يتفوق على القول المأثور في الانتخابات الأميركية منذ فترة طويلة حول الأهمية الانتخابية المحدودة لانتصارات السياسة الخارجية، ولكن في وقت لاحق من ذلك العام، خسر “بوش” أمام حاكم أركنساس بيل كلينتون. وبدلاً من التركيز على الركود الاقتصادي في 1990-1991، وعد كلينتون “بجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.
وفي عام 2016، اعتمد دونالد ترمب دروس عام 1992 بعد إعادة تعيينه. حيث قام بتنظيم حركة قومية محافظة ركزت على الوعود “بالانتعاش الاقتصادي الأميركي”. والآن، ففي إطار سعيه إلى تجديد تفويضه، تبنى ترمب نقاط حوار متنوعة، مثل الاحتجاج ضد “فيروس الصين غير المرئي” و “الفاشية اليسارية الجديدة”. ومع ذلك، يستمر تركيزه على الاقتصاد.
وفي إطار الترويج للمكاسب الجزئية مثل سوق الأسهم الذي “حقق أفضل ربع له منذ أكثر من 20 عامًا” (والذي يرجع في الغالب بسبب أكبر حزمة تحفيز أميركية تمَّ تمريرها استجابة لوباء فيروس كورونا)، أو تقرير الوظائف الأخير الذي أضافته الولايات المتحدة والذي تضمن 4.8 مليون وظيفة في يونيو (وهو بالكاد يعوض 22.2 مليون وظيفة مفقودة هذا العام)، قام الرئيس ترمب برفع دعوى ضد المرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق “جو بايدن”. وقد سخرت حملة ترمب من خططه لزيادة الضرائب، وحذرت من أن “بايدن” سيقضي على شعار “عودة أميركا العظمى”.
ويبدو أن هذا قد نجح في كشف استطلاع للرأي أجري، مؤخرًا، أن ترمب حافظ على دعم “غالبية الناخبين في الاقتصاد، حيث وافق 54٪ على تعامله مع هذه المسألة، وهو رقم قياسي في الاستطلاع، حتى مع تقييمه العام الذي تجاوز فيه “بايدن” بنسبة 11 نقطة مئوية. وقد دفع ذلك “بايدن” إلى عكس رسالة ترمب بشأن الإشراف على انتعاش الاقتصاد الأميركي.
خطوة بايدن ترمب
في خطاب ألقاه في ولاية بنسلفانيا، كشف بايدن عن رؤيته الشعبوية للاقتصاد، من خلال شعاره الجديد (إعادة البناء بشكل أفضل)، دعا إلى الاستثمارات المحلية “لتحفيز الابتكار المحلي، وتقليل الاعتماد على التصنيع الأجنبي وخلق خمسة ملايين وظيفة تصنيع وابتكار أميركية إضافية”.
وقال “بايدن” مرددًا شعارات القومية الاقتصادية للأمر التنفيذي لترمب لعام 2017 بشأن شعار “اشتروا المنتج الأميركي”: “وعندما تنفق الحكومة الفيدرالية أموال دافعي الضرائب، يجب أن نستخدمها لشراء المنتجات الأميركية ودعم الوظائف الأميركية”. وقد تمَّ الإعلان عن ذلك كخطة لـ”شراء المنتج الأميركي” لبايدن، تقترح استثمارًا بقيمة 300 مليار دولار أميركي في “تقنيات البحث والتطوير وتقنيات الاختراق، من تكنولوجيا السيارات الكهربائية إلى المواد الخفيفة الوزن إلى الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، من أجل إطلاق العنان للمزيد من فرص العمل عالية الجودة في القيمة العالية التصنيع والتكنولوجيا”. وضخ 400 مليار دولار أخرى كاستثمار فيدرالي “لزيادة الطلب الجديد على المنتجات والمواد والخدمات الأميركية والتأكد من أنها يتم شحنها على ناقلات الشحن التي ترفع علم الولايات المتحدة”.
وخلال الحديث أمام العاملين بأحد مصانع المنتجات المعدنية في الولاية الحاسمة انتخابيًا التي فاز بها ترمب بنسبة 0.7 نقطة مئوية في عام 2016، كان هناك العديد من مؤيدي “بايدن” الذين يستهدفهم من بين ذوي الياقات الزرقاء. حيث خاطبهم “بايدن” مركزًا على مشاكلهم الاقتصادية، حتى إنه زعم أنه فشل في إعادة وظائف التصنيع، واعتبر أنه “يركز بشكل فريد على سوق الأسهم”.
وفي عام 2016، حفَّز ترمب البيض من الطبقة العاملة، على سبيل المثال، من خلال نسب المصاعب الاقتصادية إلى تفريغ القاعدة الصناعية الأميركية. وقد حشد ترمب ضد الخسارة في وظائف التصنيع وزيادة العمالة الوافدة، التي تسببت بها العولمة المستمرة نتيجة لسعي المؤسسة السياسية الأميركية للتجارة الحرة. وقد كان هذا أمرًا محوريًا في دفع ترمب إلى البيت الأبيض، حيث اتهم هيلاري كلينتون بأنها تمثل تجسيدًا للأممية الأميركية، وفشلت في الفوز “بأكثر من ثلث تصويت الطبقة العاملة البيضاء” في بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن. ومن ثم، فعند توليه منصبه، اعتبرت رؤية إدارة “ترمب” الأميركية أولاً إعادة لتقويم العلاقات التجارية على رأس أولويات السياسة الخارجية.
وفي إشارة إلى تكرار ترمب حاليًا لنهجه لعام 2016، كتب كبير المفاوضين التجاريين لإدارة ترمب، مؤخرًا، سلسلة من المقالات. وقد جادل الممثل التجاري الأميركي “روبرت لايتهايزر”، في وصفه لفعالية الصفقات التجارية “العادلة والمتبادلة” من خلال استخدام تدابير عقابية ضد الأصدقاء والأعداء على حد سواء، حيث قال إنه: “فيما بين يناير 2017 ويناير 2020، تمَّ إنشاء 500 ألف وظيفة تصنيع جديدة وارتفعت الأجور الحقيقية لعمال التصنيع بنسبة 2.5%، مقارنة بانخفاض قدره 0.6% منذ يناير 2009 إلى يناير 2017. “
وتهدف خطة “بايدن” التي ترفع شعار “اشترِ المنتج الأميركي” إلى وقف انخفاض وظائف التصنيع الأميركية من خلال الاستثمار المحلي الصارم. وقد تعهد حتى “بعدم التوقيع على أي صفقة تجارية جديدة حتى يمكن ضخ استثمارات كبيرة في مجال البنية التحتية”.
ما وراء الثنائيات
لقد استفاد كلا المرشحين من القومية الاقتصادية أيضًا، نظرًا لأنها تسهم في التغطية على نقاط الضعف السياسية فيما بين الخصوم. فعلى سبيل المثال، كانت حملة ترمب تسلط الضوء على سجل “بايدن” السابق في التجارة الحرة.
وفي الوقت الذي يستمر فيه تصويت مجلس الشيوخ لعام 2002 على تفويض حرب العراق في إعاقة محاولة “بايدن” لإبراز نفسه على أنه رئيس على مستوى السياسة الخارجية، فإن تصويته عام 1993 على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (ناتفا) غالبًا ما كان يعطل محاولته للتواصل مع ذوي الياقات الزرقاء من العمال. وقد أفادت التقارير بأن العمل الإضافي لرابطة التجارة الحرة لأميركا الشمالية(NAFTA) قد حفَّز فقدان حوالي 700 ألف وظيفة حيث انتقل المصنعون إلى المكسيك. وتتضاعف فاعلية إبراز تصويت “بايدن” في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية(NAFTA) مع تقدم التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي في كثير من الأحيان ضد سجله في التجارة الحرة الذي يرون أنه يضر بالعمال.
بالإضافة إلى ذلك، وكنائب للرئيس، كان “بايدن” مؤيدًا قويًا لشراكة إدارة أوباما عبر المحيط الهادئ(TPP) . إذ إنه، بعد ثلاثة أيام من توليه لمنصبه، انسحب ترمب من هذه الشراكة وأشاد بالخطوة ووصفها بأنها “شيء عظيم للعامل الأميركي”. وانتقدت إدارته بنود “قواعد المنشأ” الخاصة بالاتفاقية التي كان من الممكن استغلالها من قبل دول مثل الصين لنقل أجزاء من إنتاجها إلى دول الشراكة عبر المحيط الهادئ، للحصول على معاملة معفاة من الرسوم الجمركية، وفي نهاية المطاف زيادة إغراق السوق الأميركية.
أما بالنسبة لـ”بايدن”، فإن نطاق استهداف ترمب بشأن التجارة يبدو محدودًا بسبب نجاح مفاوضات إدارته فيما يخص صفقات محدودة مع كوريا الجنوبية واليابان والصين واستبدال اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية(NAFTA) باتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.(USMCA)
ومع ذلك، كان نهج إدارته للانخراط في الحروب التجارية مثيرًا للجدل. فعلى سبيل المثال، كلفت الحرب التجارية مع الصين الشركات الأميركية 50 مليار دولار أميركي كرسوم إضافية، وانخفضت الصادرات الزراعية إلى الصين من 19.5 مليار دولار أميركي في عام 2017 إلى 9 مليارات دولار أميركي في عام 2018، وزادت حالات الإفلاس بين المزارعين بنسبة 20% في عام 2019. وللتخفيف من الأضرار، أعلنت إدارة ترمب مدفوعات ممولة من دافعي الضرائب بقيمة 26 مليار دولار أميركي للمزارعين. ومن خلال تسليط الضوء على هذه النتائج، فقد فسَّر “بايدن” تصحيح ترتيبات التداول على أنه وضع العربة أمام الحصان، إن لم يكن مخصصًا لاستثمارات محلية صارمة.
وبعيدًا عن هذه الاعتبارات السياسية والانتخابية لإبلاغ احتجاج المرشحين بالقومية الاقتصادية، هناك دليل على أن الجدل حول تنشيط الصناعة الأميركية يتجاوز الثنائي الذي يعتبر منهج المرشح أفضل.
وفي عام 2016، أيد اتحاد عمال السيارات(UAW) هيلاري كلينتون، لكن “نسبة أكبر من المعتاد بلغت 32٪” من أعضائه صوتوا لصالح ترمب وكانوا حاسمين في قلب ميشيغان من اللون الأزرق إلى الأحمر. وبمجرد وصوله إلى منصبه سعى ترمب للتأكيد على أن تأجيل فرض الرسوم الجمركية على واردات السيارات، ونقل قادة اتحاد عمال السيارات، وأن التعريفات “المستهدفة” ستكون فكرة جيدة. وبالمثل، فبعد تأييد كلينتون في عام 2016 (والآن بايدن لعام 2020)، دعم الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية(AFL-CIO) تعريفات ترمب في القسم 232 على الفولاذ والألمنيوم، كأول تأييد لهم لاتفاقية تجارية منذ عام 2001.
ومن ثم، فإن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 ستشرف على تعزيز القومية الاقتصادية في النظرة الأميركية إلى العالم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر