جهود اقتصاد أفغانستان | مركز سمت للدراسات

سؤال ثلاثة تريليونات دولار بأفغانستان

التاريخ والوقت : الإثنين, 3 أغسطس 2020

بييربون جونسون

 

كانت شوارع كابول هادئة لمدة ثلاثة أيام في شهر مايو. لم يتم تبادل الأعيرة النارية بين طالبان والقوات الحكومية، ولم تسقط قنابل. فوقف إطلاق النار، الذي تزامن مع عطلة عيد الفطر عند المسلمين، كان ذلك مهمًا ليس فقط بسبب عدم وجود خسائر، ولكن أيضًا لأنه وضع الأساس لتبادل الأسرى بين الطرفين المتحاربين. لقد كان هذا أول عرض دبلوماسي رئيسي بين الطرفين منذ وصول طالبان إلى السلطة في منتصف التسعينيات. وفي حين أن الدبلوماسية أمر مهم للسلام، إلا أنه يجب إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية طويلة الأجل إذا أرادت البلاد تثبيت مؤسسات ديمقراطية والحد من الإرهاب. وتتمتع أفغانستان بفرصة فريدة من نوعها، على الرغم من أنها تأتي مع مخاطرها الخاصة، فودائع التعدين في البلاد تبلغ قيمتها 3 تريليونات دولار.

وحتى الآن، فشلت جهود حصاد الثروة المعدنية لأفغانستان، التي تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا أو إيطاليا أو الهند. وقد جعل تهديد طالبان والابتزاز من جانب الميليشيات، وعجز البنية التحتية، ورسوم التعدين العالية، الاستثمارات في 1400 حقل تعدين في أفغانستان، مشروعًا غير مربح. وقبل الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1977، كانت أفغانستان دولة مزدهرة نسبيًا، ذات تاريخ وثقافة غنيين. لكن البلاد عانت منذ ذلك الحين كثيرًا، بسبب الحكم الأجنبي الفعلي، منذ نهاية الحرب الباردة إلى الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان حتى أصبحت اليوم من أفقر دول العالم.

ومع ذلك، يمكن لقطاع التعدين المتقدم والآمن والخالي من الفساد أن يصبح محركًا للنمو الاقتصادي، وربَّما أفضل سلاح تمتلكه البلاد في حربها ضد الإرهاب. وتحدد الأمم المتحدة الفقر بين الأسباب الرئيسية للإرهاب، إذ إن 40٪ من حوادث “الذئاب المنفردة” كانت من تدبير العاطلين عن العمل. ولكي يصل التعدين إلى إمكاناته في المساعدة على النمو الاقتصادي والحد من الإرهاب، يجب التوصل إلى قرارات سياسية بين طالبان والحكومة الأفغانية، خاصة فيما يتعلق بقطاع التعدين. بالإضافة إلى الدبلوماسية، فإن الولايات المتحدة يجب أن تحول سياستها للتركيز على الاستثمار الأجنبي، بدلاً من المساعدة العسكرية، حتى يحصل قطاع التعدين على فرصة مفيدة.

يكمن السبب الرئيس لعدم تمكن أفغانستان من الاستفادة من مواردها الطبيعية في عدم الاستقرار السياسي. فبالإضافة إلى 25 عامًا من حكم طالبان المتواصل، تحملت البلاد أعباء إضافية من القاعدة و”داعش”. ومع ذلك، فقد أظهرت التطورات في الأشهر الأخيرة الأمل. ففي فبراير 2020، وقَّع الرئيس ترمب اتفاق سلام مبدئي تاريخي مع طالبان. ومن المقرر أن تعقد المحادثات في يوليو الجاري، وقد توفر هذه المحادثات الخطوة الأولى نحو أفغانستان أكثر استقرارًا.

وإذا جلس الجانبان على طاولة المفاوضات في يوليو، فيجب تقديم مقترحات أساسية لخطة عمل تتعلق بمستقبل قطاع التعدين في أفغانستان. وحاليًا تستفيد طالبان والحكومة الأفغانية والميليشيات المحلية من ثروتها من المعادن. ويعتقد أن المعادن هي ثاني أكبر مصدر للدخل بالنسبة لطالبان. وبالكاد ترى الحكومة الأفغانية أن أهم مصادر الإيرادات هي تلك التي تأتي من قطاع المعادن، حيث يبدو الاقتصاد مدفوعًا إلى حد بعيد بالزراعة. حتى لو كانت هناك حاجة لتقديم تنازلات من جانب الحكومة أثناء المفاوضات، فإن أي إيرادات مضمونة يمكن استخراجها من المناجم سيكون لها فائدة كبيرة. وبالنسبة لبلد يقع 55٪ من سكانه تحت خط الفقر، ومعدل البطالة لديه يبلغ 24٪، يمكن أن يكون لذلك تأثير كبير.

وينبغي أن يكون للولايات المتحدة أيضًا مصلحة خاصة في التنمية الاقتصادية في أفغانستان. وبما أن الهدف الأساسي لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في البلاد، هو الحد من الإرهاب، لذلك فإن التنمية الاقتصادية تعد خطوة حاسمة نحو هذا الهدف. ومن الناحية النظرية، فقد كان من الممكن إدراج تنازل بشأن المناجم في اتفاق الولايات المتحدة وطالبان. وإذا استطاعت الولايات المتحدة أن تطرح على الطاولة نقاشًا جادًا حول تطبيق سيادة القانون لاستخراج المعادن في المستقبل، فقد تكون خطوة حاسمة في الحصول على الموارد لصالح الحكومة الأفغانية. كما يجب على الولايات المتحدة الاستثمار في الموارد المعدنية لأفغانستان. لقد أظهرت المساعدات الخارجية نجاحًا ضئيلاً في البلاد، لكن استراتيجية طويلة المدى التي تركز على النمو الاقتصادي والتنمية من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على تحقيق هدفها الأساسي في تحقيق السلام، مع توفير فوائد اقتصادية أيضًا من استخدام الثروة المعدنية.

وسيستغرق حصاد الموارد الطبيعية الهائلة لأفغانستان بعض الوقت. لذا، ففي مواجهة التحديات الدبلوماسية والاقتصادية، يجب أن تكون السلامة وحقوق الإنسان في المناجم ذات أولوية خاصة. فأفغانستان تحتل المرتبة 173 في العالم في الفساد، في حين تمَّ اتهامها، مؤخرًا، باختلاس الأموال المقدمة للمساعدة في مواجهة أزمة فيروس “كوفيد – 19”. ومع ذلك، يمكن أن تساعد الإيرادات الحكومية في الحد من الفساد، إذ يناقش صندوق النقد الدولي نوعين من الفساد: الفساد بسبب الجشع، والفساد بسبب الحاجة، ومع تطبيق النوع الثاني، لا يمكن تجاهل 3 تريليونات دولار من الحجر الجيري والأحجار الكريمة والنحاس والحديد والذهب والملح. لذا، يجب استخدام الوفورات في الإيرادات الحكومية ليس فقط لرواتب الحكومة، ولكن أيضًا لتطوير المزيد من البنية التحتية مثل الطرق والمستشفيات والمدارس، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة. كما سيقلل المزيد من الفرص الاقتصادية من إغراء الشباب الأفغان للتفكير في الانضمام إلى المنظمات الإرهابية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنظمات الإرهابية، مثل “داعش”، التي لا تنشأ في أفغانستان، من غير المحتمل أن تنشئ معاقل لها في البلاد لأن المستويات الأعلى من التنمية والاستقرار تعمل كرادع في مواجهة ذلك.

ومع ذلك، يمكن أن تكون بمثابة أداة مهمة لتسريع التنمية التي توقفت بسبب الصراع. ويبدو أن التنافس على هذه المناجم بات أمرًا لا مفر منه، فقد استثمرت الصين بالفعل مليارات الدولارات في استخراج المعادن بها. وقد أبدت الهند والولايات المتحدة اهتمامًا بمشاريع التعدين أيضًا. ويمكن أن يساعد التقدم في الطرق الدبلوماسية على زيادة الاستثمار الأجنبي، وهو ما من شأنه أن يخلق بنية تحتية تقلل من الفقر وتحارب الإرهاب في نهاية المطاف.

أخيرًا، فإن 3 تريليونات دولار من الموارد الطبيعية ستكون مصدر قوة لأفغانستان وأكثر سلامًا وازدهارًا.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Geopolitical Monitor

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر